من أعمال التشكيلي صلاح غيث.
قصة

مات ارحومه

من أعمال التشكيلي صلاح غيث.
من أعمال التشكيلي صلاح غيث.
الصورة: عن الفيسبوك.

لا يمكن أن تذكر أمامه اسم النبي محمد ولا تسمعه بعدها مباشرة يقول \ اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد.
حتى لو أخذ كوب الماء من على السفرة سوف يعيد الكوب ويصلي على محمد ثم يأخذ الكوب من جديد ويشرب ، وحتى لو وضع الكوب على فمه وبدأ يشرب فسوف يقطع شرابه ويلتفت نوحك ويصلي على النبي ثم يعود ويُكمل شرب الماء ، وحتى وهو يتحدث ويروي قصة حصلت له اليوم ويسمع شخصاً آخر بنهاية المربوعة يذكر اسم محمد عليه السلام كان يتوقف عن الحكاية ويلتفت له ويصلي على النبي صلاة كاملة غير منقوصة ثم يعود للحكاية من حيثُ توقف ، بل أنه في بعض الأحيان كان “ارحومة” ما إن يسمع اسم محمد ، أي محمد ، حتى تجده يصلي على الرسول محمد ابن عبد الله .

مات ارحومة !
جاء طفل ووقف إلى جانبه وطفق يذكر اسم النبي ويكرره وهو كعادته يصلي على النبي في كل مرة ، ولا نعرف مَن الذي وضع النقود في جيب الطفل وكلفه بهذه المهمة!

كان هذا الصغير يعاود اسم الرسول وكان ارحومة يصلي على الفور ، ويعاود الطفل فيصلي ارحومة ، ويعاود الطفل فيصلي ارحومة. كنا نجلس في الظل قريباً من باعة الخضار بالميدان ساعة جاء الطفل ووقف خلفه . بدا لنا هذا الصغير من الوهلة الأولى كما لو أنه جاء خصيصاً إلى ارحومة.

بقينا لفترة ننقل نظراتنا بينهما حين يذكر الصغير اسم النبي قائلاً (محمد رسول الله) ويصلي ارحومة على الفور بـ(اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد) بقينا لفترة ننقل نظراتنا بينه وبين الصغير الذي يقف خلفه.

كان ارحومة يأخذ نفساً طويلاً قبل أن يصلي على النبي صلاة كاملة وغير منقوصة وكان الصغير ينتظره حتى يُكمل ليعيد اسم الرسول محمد . وحين تكررت الحالة وشعرنا أنها قد لا تتوقف قريباً طردنا الطفل ، نهض واحد من بيننا وأخذ الصغير من ذراعه وصرفه بعيداً ليقف هذا الصغير على مسافة منا ويُشرع في ذكر اسم الرسول محمد بصوت عالٍ ، فما كان من ارحومة إلا أن وجد نفسه يصلي على الرسول بصوت أعلى من الطفل.

عندها أشرنا على ارحومة أن يركب سيارته ويغادر المكان فهذا جاء اليوم يتقصدك أنت ولا أحد غيرك . لكن ارحومة الذي نهض وأسرع إلى سيارته لم ينجو حين سبقه الطفل وقفز إلى داخل السيارة وهو يذكر اسم الرسول محمد ، فولى ارحومة بعد أن فتح باب سيارته وهمَّ بالركوب ليركض مع الشارع تاركاً باب السيارة مفتوحاً وينطلق الطفل خلفه ولا شيء سوى أن ارحومة يصلي صلاة كاملة وغير منقوصة على النبي محمد والطفل خلفه يعيد يكرر اسم محمد.
لا يستطيع ارحومة الصمت وتجاهل الصلاة تحت أي ظرف.

ركض يومها ولم يكن في جيبه حتى حبة حلوى وهو المصاب بمرض السكري ، ولم يأتي على بالنا أن نسعف الرجل وهو يركض فنلحق به وندس في جيبه حلوى أو شكلاطة أو أي شيء حلو . حتى فمه ، أخبرونا مَن صادفوه في الشارع يركض – حتى فمه قالوا أنه جف وصار العرق يجري منه والطفل خلفه يركض ويعيد محمد رسول الله \ محمد رسول الله \ محمد رسول الله ، وحين هبط السكر إلى مستويات خطيرة انهار ارحومة ووقع على الأرض والطفل ما زال يذكر اسم الرسول وارحومة يصلي عليه ولكن هذه المرة ليست صلاة كاملة كما كان يقوم بها ، وحين مات ارحومة اختلفت “سمنو” عليه بين مَن وصفه بالشهيد وبين مَن وصفه بميت نتيجة هبوط السكر في الدم !

 

مقالات ذات علاقة

الكسوة البرتقالية

عزة المقهور

الشيء الذي لم يحدث

عائشة إبراهيم

مشاهد أخرى لمقتل جندي

المشرف العام

اترك تعليق