الشاعرة الليبية كريمة الشماخي لـ (الزمان):
خاتم الخطوبة هو نهاية إبداع المرأة الليبية
عدنان حسين أحمد
تستمد الشاعرة الليبية “كريمة الشماخي” قوّة ألقها الشعري من مصادر ومرجعيات عدة. فهي تولي المنجز الشعري العربي القديم عناية خاصة، ولكنها بالمقابل لا تهمل المنجز الشعري الحداثي. كما أنها لا تتحرج من الإعلان عن تأثرها بالشعر العراقي المعاصر والإفادة منه بوصفه رافداً من روافد الحداثة الشعرية العالمية. وعلي الرغم من انفتاح “كريمة الشماخي” علي مختلف الأشكال الشعرية القديمة منها والحديثة إلا إنها ما تزال متشبثة بـ(البوقالة) و(البوقالة) هو نمط من أنماط الشعر الشعبي الليبي، وهو يشبه إلي حد ما (الدارمي) في الشعر الشعبي العراقي. لا تختلف “الشماخي” عن غيرها من الشاعرات الليبيات اللواتي تعرضن إلي القمع الثقافي من قبل سلطة الأب الأسرية الطاغية. فهناك العديد من المواهب الشعرية التي انطفأت بسبب هيمنة العادات والتقاليد القاسية التي تحد من حركة المرأة، وتشل إبداعها في مختلف المناحي الأدبية والفكرية والفنية. ومن المواهب الشعرية التي أُغتيلت وهي في أوج تألقها الشاعرة “عائشة شلبك” و”كميلة دحير” و”نعيمة الكوشلي”. ومع كل هذا القمع والمصادرة فقد ظهرت إلي الوجود أسماء شعرية أسست لنفسها مكانة مرموقة في المشهد الشعري الليبي المعاصر، ومن بين هذه الأسماء: نعيمة العجيلي، حوّاء القمودي، سميرة البوزيدي، كريمة حسين وسعاد يونس.
أصدرت الشاعرة “كريمة الشماخي” خمس مجموعات شعرية وهي علي التوالي: (حوار مع الذات، الوديعة، ابنتي الوحيدة، خواطر امرأة عربية، عفواً سيدي). وستصدر لها مجموعة جديدة بعنوان (بنات المختار) وكتاب (البوقالة في الموروث الشعبي الليبي). وبمناسبة صدور مجموعتها الخامسة (عفواً سيدي) التقها (الزمان) وكان لنا معها هذا الحوار:
تفجير الموهبة
– هل لكِ أن تحدثينا عن اللحظات الجنينية التي تفتقت فيها موهبتك الشعرية. وما هي الحوافز والمعطيات التي ساهمت في تفجير هذه الموهبة؟
– كأي بنت عربية محروسة من قبل العسس داخل المنزل بدأتُ في صياغة عواطفي علي السطور ودس هذه الكلمات الوجدانية تحت وسادتي خوفاً من أن تطولها الأنامل الشيطانية وتنقلها إلي سلطة الأب القاسي الذي لا يعترف بالمرأة ككائن بشري وإنما صخرة جامدة داخل عرينه وآلة تفريخ بعد الزواج، فكم قاسيت من الوطاويط وهم ينسلون إلي مخدعي للقبض علي بالجرم المشهود مع أمل تخيلته علي الورق، وكم مرة زارني ابن العلقمي ليساومني علي فانوس قديم قد اخترته قنديلاً ليضيء عتمتي، وحين غفت جفوني بعد أن هربت قطرة دمع مخادع لتبلل مخدتي.. حلمت حلماً غريباً هو أنني كنت مسجونة في قلعة حصينة وإذا بنسر كبير يهبط من القمة لينتشلني من هذه العذابات التي لا أطيق السكوت عنها أو ضمها في جوانحي، فهذا هو الأمل إذن.. بدأ الصراع بين مكنوني كامرأة شرقية عربية محكومة ضمن قوانين شيخ القبيلة وبين الأمل بانتظار النسر ليقتل الثعابين الذين ازدادوا في صومعتي، ومن هنا بدأ الحافز بالاستمرار في رعشة القلم الأولي والتي تجذرت لاحقاً بدراسة عيون الشعر العربي. وفي الحقيقة إنني تعلمت كثيراً من (البوقالة) وهو نوع من الأدب الشعبي الليبي ويقابله (الدارمي) في الموروث الشعبي العراقي، حيث كنا نتجمهر حول جدتي لتحكي لنا الحكم والأمثال بلغة شعرية جميلة، وحينها بدأت في حفظ هذه (البوقالات) ومن ثم البدء في المحاولة بالكتابة الشعرية، وهذا هو المنبع الأساسي الذي فتق القريحة الشعرية لدي. وهنا اعتقد أن لي بصمتي الخاصة في كتاباتي الشعرية وهي اقرب ما تكون إلي المزاجية وذلك لاختلاط المدارس الشعرية التي نهلت منها ينابيع المعرفة ابتداءً من الموروث الشعبي الليبي إلي شعراء المعلقات ومن ثم الحداثة وأخيرا غرقت في بحور الشعراء العراقيين ولا مناص لي سوي الاستمرار في التجديف عكس الأمواج عسي أن أصل إلي معطف الخليل بن احمد الفراهيدي لأعشش بين طيات هذا التاريخ كفراشة تحوم حول قناديل البصرة وتحترق ببطء وهذا قدري.
– كيف تتعاملين مع اللحظة الشعرية خلال الإرهاصات الأولي لكتابة القصيدة؟ هل هناك لحظات إلهام حقاً أم أنه مجرد تطويع ذهني أو روحي يفضي بالشاعر إلي الدخول في فضاء الكتابة وحمّاها الغامضة؟
– لي طقوسي الخاصة في كتابة الشعر. هذه الطقوس أنا مجبرة للدخول فيها من دون إرادتي لان سوط التخلف يدفعني من دون إرادتي لأرد علي لسعات هذا السوط بنيران غضب أكتمها في جوانحي، وقد تتكرر هذه الطقوس كل يوم لأنفعل مرغمة وأحول القلم إلي رمح أكتب فيه إرهاصاتي الشعرية ردا علي الظلم الذي لحق بي لكوني أنثي ليس إلا.. وبعدها أدس ما كتبت لان دموعي تغالبني لأنام علي أمل أن أجد نسري الذي حلمت به، وحين أعود لا حقا إلي قصائدي التي كتبتها وأنا في فورة العنفوان، أجدها جميلة وتنسجم مع تخيلاتي وبذلك تكون سعادتي أكبر من سوط الحرس، فأنسي الجرح اليومي لأعود واستكمل الطقوس نفسها من جديد، ففي هذه اللحظات الوجدانية أغوص في ثنايا موازين الشعر قد أعود خائبة وقد اقفز بصحبة “وفيقة” حبيبة “السياب” لنتجول بين أصداغ المعرفة لأحكي لها عن ذكرياتي في المدينة الفاضلة وكيف هربت من أسوار الموت الطينية خوفاً من أن يتطابق مقاس قدمي مع حذاء السندريلا وأعود من جديد لأكون رقماً في حريم السلطان. وهناك لحظات الهام تنتاب هواجسي وتطن في أذني أن ابكي أو اكتب، فأقرر الكتابة بالدموع، حينها يتجاذب الحرمان النفسي مع مداد اليراع بتحدٍ واضح لأنوثتي، فأنطلق في يخت المعرفة ببحور الشعر، وتتلاطم الأمواج مع ضفائري ولا أبالي مادمت قررت الرحيل إلي واحة إعادة البنيان النفسي لأضم بقايا قصب السكر لتعطيني من حلاوتها ما ينسجم مع أنوثتي الباكية، وأحيانا أجبر القلب والقلم أن يتحركا لتسطير تخيلاتي فيرفضان، حينها أعود لاستغل أكوام القش التي خزنتها لابني عشا مع النسر الذي طال غيابه، فأرمي عود الثقاب بينها حتى تندلع النيران في ذكريات قلبي حينها يتسارع القلم بتنفيذ رغباتي غير الطبيعية في كتابة الشعر حتى أجد نفسي وشخصيتي في ما أكتب، فالذي أكتبه هو تعبير عما يجيش داخل نفسيتي من ودٍ وإخلاص وبراءة طفلة لا تعرف العوم في بحور الشياطين.
عفوا سيدي
– قال د. فريد الكبيسي في المقدمة التي كتبها لديوانك الخامس (عفواً سيدي) إنه أحس بالرغبة في أثناء قراءة قصائدك بالعودة إلي الشعر الوجداني، وأنه تذكر شعراء مجموعة (أبولو) كيف تقيمين هذا الإحساس، وما هي حدود علاقتك بجماعة (أبولو)؟
– جماعة (أبولو) كانت أنبل ظاهرة أدبية في الشعر العربي الحديث، إنها العودة إلي مناهلنا الجميلة والي الشعر الوجداني الذي افتقدناه والي الحب العذري الذي سحق تحت أقدام التكنولوجيا، فكان من الطبيعي أن أتأثر بتنهدات أحمد زكي أبو شادي والذي تحس بالبراءة حين تقرأ ما بين أبيات شعره حينها قررت ركوب عربة أبولو والانطلاق بها إلي أمام. أنا مقتنعة بأن الشفافية لدي جماعة أبولو ما هي إلا جزء يسير من هذا التراث الشعري الثر، والمرأة العربية تعيش في صراع مستمر وكبير مع نفسها وبيئتها ضمن القيود الاجتماعية التي كبلتها، لذا فمن الطبيعي جداً أن تبقي المرأة محافظة علي ما تبقي من تراثنا الشعري الجميل بعد أن ملأ الزعيق الشارع الأدبي وبات كل من يكتب المسكوكات الكلامية واللفظية شاعراً، وأتمني أن تكون لدي شعرائنا صحوة جديدة تعيدنا إلي أشعار الغزل البريئة والي دواوين عكاظ والمربد.. إنها مجرد أمنية.
– في قصائدك القصيرة (تداعيات امرأة مغتربة) ثمة محاولة لكتابة نصوص مكثفة تتوفر علي نفس قصصي. هل تستطيعين القول إنك تحاولين كتابة شكل شعري يمكن أن نسميه القصيدة القصصية أو القصة الشعرية؟
– إنها مجرد تداعيات امرأة مغتربة، ثق يا أخي إنني لا أفكر في شكل القصيدة وإنما عواطفي هي التي تستدرجني وتحفزني للكتابة، قد تكون مجرد إرهاصات أو قصائد كتبتها في لحظات حميمية مع نفسي، إنها جزء من جراحاتي، وفي الحقيقة إنها محاولات لنبض القلب لا اعرف له تسمية بقدر ما هي لواعج إنسانية تستفزني للكتابة، لمجرد الكتابة، وأجد نفسي بعدها أسيرة نمط جديد قريب للإيقاع القصصي البسيط منها إلي القصيدة القصصية، وقد تكون أناملي كدودة القز تبحث عن كل ما هو اخضر، أي الحياة، لأحفر فيها أخدودا لي لكي تكون مجري لدموع المرأة المظلومة في عالمنا العربي، وهنا أحاول خلق عالم قصصي جميل ينسجم مع تنهداتي كامرأة مستخدمة المخزون الهائل لعزلة المرأة المقموعة والتي لا شأن لها بمتغيرات العالم لتكون سبباً في كل بلاء ويكون الرجل سببا لكل نعيم، أليست هذه مغالطة نعرفها ولكن لا نتقرب منها، إنها مجرد خلق عالم مغاير.. مجرد أمنية كأمانينا الضائعة.
جيل شعري
– كيف تقيمين تجربة جيلك الشعري. هل ثمة شاعرات ليبيات يشتركن معك في أجواء ومناخات شعرية محددة، أم أنك تغردين خارج السرب؟
– دعني أحكي لك قصة المرأة الليبية كشاعرة. تعاني الليبيات كافة من تسلط الرجل وأنانيته وخصوصا إذا كانت المرأة مبدعة ولها إسهامات فكرية أو أدبية، وتبدأ معاناتها من البيت حيث ينظر إلي شعر وأدب المرأة علي إنها من المسائل المخلة بالآداب ويتوهم الرجل بأن تسلط الأضواء علي ابنته أو خطيبته بأنه انتقص من شخصيته وأقول لك بصراحة إن هناك المئات من الشاعرات الليبيات واللاتي انطفأ بريق إبداعهن بأمر من السلطان-الرجل، فهكذا اغتالوا موهبة الشاعرة (عائشة شلبك) الرقيقة الإنسانة والتي كانت شلالات الصور الشعرية تنساب من بين أناملها قبل دخولها العش الذهبي، ومن يدري قد يكون ذلك أحد شروط الزواج، وكذلك ضاعت تنهدات (كميلة دحير) وضاعت مع موقفها المحبة والرجل، أما الشاعرة (نعيمة الكوشلي) فقد استطاعت أن تخط لنفسها أسلوبا رقيقا في الكتابة وكان من الممكن أن تكون شاعرة كبيرة لولا الأنانية، وهكذا أؤكد مرة أخري أن خاتم الخطوبة هو نهاية إبداع المرأة الليبية.
وبالمقابل هناك شاعرات ليبيات استطعن اختراق هذا الطوق الذهبي من الرجل وان تمزقن شرنقته لكي تقول رأيها وتعبر عن أحاسيسها بشكل كبير، وأنا سعيدة جداً بولادة شاعرات ليبيات أمثال: “نعيمة العجيلي” الحمامة الوديعة، و”حواء القمودي” السابحة في لازورد البحر، و”سميرة البوزيدي” التي تستسقي المطر القصيد بصلاة من الحنين، والشاعرة “كريمة حسين” التي كتبت عن الزمن الذي بات فيه الحب ورقة منتهية الصلاحية، والمبدعة “سعاد يونس” صاحبة في جعبتي ذاكرة، وإذا نظرنا بشكل وردي علي إبداع المرأة الليبية نكون قد دخلنا عالمها المليء بعصارة الحنان وتذوب حول عنفوانها كل الشموع السوداء، إنها شمس تتسع مفردات التشكيل الرومانسي الغائب عن عقلية ونفسية الرجل الذي يقترب تدريجيا من الجدب، وعليه لابد من دخول حومة المرأة حتى يستطيع أن يتنفس الصدق في عبارات الترحيب والإحساس في مكامن الخيالات المليئة بالإيحاء والتي تتقاطر الدبابير من أجل لحس عسلها لا من أجل الظفر بالسجادة الفارسية التي لم تكن في يوم من الأيام معروضة للبيع، وهكذا فان نفائس المرأة الليبية كبيرة ولا يستطيع أي دعي أن يقترب بخيوله نحو جنانها، لأنه سيحترق حتماً بمطبات الشعور بالحياة، وإذا كان السلطان يقترب من رحلة الضياع بين قوافي المرأة، فإننا قد أغلقنا دور حريم السلطان ولم يكن هنا بد من الانحناء أمام الملكات لأنهن يصنعن العسل الذي هو شفاء للناس.
– بوصفك شاعرة ليبية مغتربة من أين تستمدين موضوعاتك. هل تنهلين من ذاكرتك القديمة، أم من ذاكرتك التي تتشكل يومياً من خلال المنفي الهولندي؟ وما هو حدود التداخل بين النفس المحلي والعالمي في نصوصك؟
– أغلبية موضوعاتي استسقيها من منابع الخير في ذاكرتي القديمة، لان في واقعنا اليومي مناهل جميلة للإبداع والحب، وإن المنفي الهولندي لم يضف شيئا لذاكرتي الأدبية، بل العكس، هذا المنفي قد سلبني أهم شيء كنت أحبه هو الإحساس بالزمان، هنا كل شيء مرتبط بقيمة وكل شيء له ثمن، حتى الإنسان، أما هناك حيث مضايف الأهل والأحبة نستسقي منها عبير الأصالة، هناك حيث أجالس لقيط الأيادي الذي قال في عينيته (يا دار عمرة من محتلها الجرعا) وأتنفس عبير الإبداع من مالك بن الريب (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة) حتى أغوص مع السياب في نهر جيكور، قل لي هل هناك إبداع أكبر من قول الحصري (يا ليل الصب متي غده)، هناك حنين المرأة الإنسانة التي تعزف موسيقا الحب في البيت والمدرسة والحقول الخضراء، فهناك بون واسع بين البلدة النائية والخالية من الإحساس بالزمن وبين مسارب الزمن الآتي خلف شمس الصحراء اللاهبة والتي تفجر في العقول روح التحدي من اجل إحالة القفار إلي بلدة مسحورة أخاذة بجمال نسيج حرارتها ولسعات سياط الغربة التي تلسعني كل لحظة لتفكرني بهذه الكوامن، لأخلق من جديد وطناً صغيراً وأحفظه تحت عباءة الهموم، أنا كالبدوية التي تحرك جمرات الفحم تحت الموقد لكي تزيد من حرارة النار لتشق قلبي عن ذكريات اختزنتها ذاكرة الطفولة، أنا لهفة باحثة عن مكامن لدغات العقارب لكي أمص السم الزعاف وأبصقه بعيدا عن جوانحي، إن مرارة الغربة جعلتني أكثر شوقا لليبيا، ولذلك فان مباهج الحياة الرتيبة في هولندا لم تغرني بقدر ما هي سوي ناقوس يدق في أصداغي لكي يذكرني بالوطن، وبالجبل الأخضر مرابع عمر المختار وأصالة أبناء وطني الذين تكاتفوا حيناً لطرد الجراد عن بساتين الزيتون، حتي الطبيعة الأخاذة لا تغريني هنا، لأنها صامتة كاللوحات الفنية البالية، فما أجمل أن تعصف الرياح برمال الصحراء لأستنشق غبار الدار وأبعد ذراتها عن عيني لكي أري أين حلت قوافلي وأين تاهت خيول القوافي، أليس هناك أجمل من هذا الإزعاج لكي نكتب، انه تاريخ متحرك وليس جامداً كقوالب الثلج الدافئة. نعم هناك تداخل كبير في نفسي وبين ما أكتب، فامتزاج المحلي وبما ورثته من ذكريات عن جدتي وما خزنته ذاكرتي، نقلتها كلها معي إلي هنا في صرة ممزقة لكني حاولت في رحلتي الطويلة ألا تنفذ حبات الرمل من هذه الثقوب لأنها هويتي الحقيقية، لكني فتحت صرتي هنا لأجد هذه الحبات ترفض أن تلتصق بهذه التربة الخضراء، وهكذا هربت الرمال إلي ينابيعها، ووجدت نفسي بعد فترة أن صرتي بدت خاوية، حاولت أن التقط أعواد الثقاب لكنها رفضت أن تشتعل إلا في مخيلتي وأحلامي عن بيادرنا الجميلة، وبدت كلمات متنافرة هنا وهناك تغزو عالمي واندمجت في سياق جديد تعثرت حينا حين حاصرتني العيون وادلهم الليل حينا لكني أحرقت جزءاً من ذاكرتي لكي أسبح ضد التيار فلم استطع، كنت دائما أحلم بأنني سأغرق وان هناك نسراً كبيراً سوف ينقذني، لقد انتظرت هذا النسر طويلا ولم أعلم انه نسر عراقي، حمل هو الآخر همومه لكنه ترك صرته هناك في أعالي الرافدين حتى يتأكد من عودته إلي هناك، جاء ومعه الإبل التي فقدته في هيجان الصحراء ودلني بواسطة النجوم إلي طريق الأمان، هناك حيث يجلس الأصمعي ويتسامر مع السموأل، وهنا بدأ الاندماج الحقيقي والتداخل في نصوص كتاباتي بعد أن عدت إلي سماع حفيف الثوب الحريري وعادت العطور إلي الأزهار الذابلة، وبدأت من هنا مرحلة جديدة في كتاباتي الشعرية والتي تزاوجت مع العالمية، نعم أقول العالمية لأن كتابات العراقيين (التي انهل في الغوص فيها) تقترب من العالمية وأحيانا تتفوق عليها، ولا مبالغة في ذلك، وهنا عدت من جديد لأحس بنفسي كامرأة وكأنثي، وتصوروا ماذا ستكون كتابات وإبداعات الرجل إذا لم يكن هناك في الوجود شيء اسمه المرأة.
جريدة (الزمان) العدد 1308 التاريخ: 10/09/2002