المسؤولية تخطف المبدعِ بعيدًا عن إبداعِه
الإبداع لا يعيش إلَّا في فضاءات الحريَّة الرحيبة
الإدارة بحد ذاتها إبداعٌ يمكن أن يتوفَّر للمبدع أو لغيرِه
شح الإمكاناتِ تكبِّل يدي المسؤول المبدع وغيره
حاوره: رامز النويصري
يرى البعض أن تولي المبدعين إدارة المؤسسات الثقافية، الوزارات، والهيئات، إن هذا فرصة جيدة جداً لتفعيل العمل الثقافي، والرقي به، وإطلاق وتنفيذ المشاريع الثقافية التي تخدم البلاد، وتعيد ترسيم صورة المثقف في المجتمع. خاصة وإن المبدع؛ كاتب، فنان، تشكيلي، مفكر،….، هو الأقرب إلى المشهد الثقافي، والوقوف على ما يحتاج للخروج به بالشكل المطلوب.
في هذا الحوار، نلتقي السيد “جمعة الفاخري”، الشاعر والقاص، والباحث في التراث الشعبي، في حوار عن دور المبدع المسؤول، بعد أن أوكلت إليه مهام رئاسة الهيئة العامة للإعلام والثقافة والمجتمع المدني.
بداية سألناه عن واقع الثقافة الليبية:
الواقع الثقافي يتأثَّر –سلبًا- بما يجري في البلاد من فوضى وعبثٍ وحروبٍ. هذا المناخُ غيرُ ملائمٍ البتة لانتعاشِ المشهد الإبداعيِّ بعامَّةٍ، فالأمن والاستقرار مهمَّانِ جدًّا ليتنفَّس المبدع هواءً إبداعيًّا طبيعيًّا. هذا الواقع المربك والمرتبك يحجبُ عنَّا الضوءَ والحلمَ والهواءَ أيضًا. فالإبداع لا يعيشُ إلَّا في فضاءات الحريَّة الرحيبة..
وعن علاقة المبدع بالمسؤولية الثقافية، قال “الفاخري”:
قد تسوق الأقدار للمبدع حظًّا كهذا، وهو أمرٌ طيِّبٌ للإبداعِ والمبدعينَ؛ كون المبدع يدرك جيِّدًا واقع الإبداع في بلدِهِ وما يحتاجه المبدعونَ، لكنه ليس سعيدًا -أبدًا– للمبدع نفسِهِ، فالتزاماته الإداريَّة، وصداع العمل الإداريّ الروتيني القتول، وانشغالاته الدائمة، تخطفُ المبدعِ بعيدًا عن إبداعِهِ، مشروعِ عمرِهِ، فضلاً عظيم الإحراج الذي تصبَّه في طريقه طلبات المبدعين الكثيرةِ، التي لا تخلو -أحيانًا- من أنانيَّةٍ وتعسُّفٍ، فكلٌّ يعتقد أنَّه الأجدر بما يمكن أن يحظى به المبدع من تقديرٍ أو مساعدةٍ أو ما فحكمهما. أمَّا الإمكانات التي عادةً ما تنقص قطاع الثقافة والإعلام تضع المسؤول أمام هاوية العجزِ التي قد لا يستوعبها المبدع، وأقل ميزانيَّات ترصد لوزارة هي الفتات اليسير الذي يمنح للإعلام والثقافة..!!
وعن سؤالنا عن قدرة المبدع على إدارة المؤسسات الثقافي، أجاب:
لا يمكننا الحكم بذلك في المطلقِ؛ فالإدارة بحدِّ ذاتها إبداعٌ يمكن أن يتوفَّر للمبدع أو لغيرِهِ من أصحاب الكفاية.
المبدع كمسؤول الأقدر على فهم احتياجات المبدع، أو الاحتياجات الثقافية في عمومها؛ لكن الاستجابة لها هيَ الأعسرُ في ظلِّ شحِّ الإمكاناتِ التي تكبِّل يدي المسؤول المبدع وغيرهِ.
ما هي العوائق التي تقف أمام عملكم كمسؤول ثقافي؟
كثيرةٌ؛ منها شحُّ الإمكانات المادِّيَّة التي تخصَّص للقطاعِ، والالتزامات الضخمة المتراكمة على القطاع من سنواتٍ سابقةٍ، عدم وجودِ المقرَّاتِ اللائقة لينطلق منها المبدعون في ممارسة إبداعهم، فحتى المقرَّات الإداريَّة التي تعود للقطاع ليست متوفرة، وجلُّها مؤجَّرة. والهيئة ينضوي تحت جناحها حوالى أربع عشرة مؤسَّسة ومركز ومنظَّمة، منها مفوضيَّة المجتمع المدني التي تعول حوالى 5000 منظمةٍ ومؤسَّسةٍ وجمعيَّةٍ.
زد على ذلك غياب الخطط الواضحة لتفعيل العمل الإعلامي والثقافيِّ، وتنشيط المشهد الإبداعي، بمعنى أنَّ كل مسؤول يحاول أن يبدأ من جديدٍ وهذا يربك العملَ الثقافي ويعيده في كلِّ مرَّةٍ إلى نقطة الصفرِ.
أما عن دور الثقافة كمؤسسة – مثقف:
الآن نحاول أن نرمِّم بالثقافة ما أفسدته السياسة، وما حطَّمته الحروب، أن نجمع مبدعي الوطنَ دون أن نسألَ (أنت من وين..؟؟!)
مهرجان الأغنية الشعبيَّةِ ببنغازي –مثلاً- احتضنَ مبدعين من كلِّ مدن وقرى وليبيا، جمعهم الفن الليبيِّ، تنافسوا وتعانقوا وتقاسموا الفرح والحبَّ والإبداعَ، وشعروا بالوطنِ يجمعهم بعد شتاتٍ رهيبٍ كئيبٍ مريبٍ.
وعن الخطط التي يعمل عليها “جمعة الفاخري” كرئيس للهية العامة للإعلام والثقافة، فقال:
لدينا خطَّة كاملة تغطِّي جميعَ مناحي الإبداع، وتشمل كلَّ أجزاء الوطنِ الغالي، سبق وأن أعلنْت عليها سابقًا ونشرتها وسائلُ الإعلامِ المختلفة، لكن تبقى قلَّة الإمكانات المادِّية، والمشهد العبثيِّ الذي تعيشه بلادنا، وحالة الانقسامِ، عوائقَ صلدةً دونَ تنفيذِ شيءٍ من خططنا.
ومن أولويَّاتنا إنعاشَ المشهدِ الإبداعيِّ على الدوامِ، ومساعدة المبدعين في ممارسة إبداعهم، والاستمرار في حضور إبداعنا في كلِّ المحافلِ الدوليَّةِ، وترميمِ ما انكسرَ من علاقاتٍ وروابط بين المؤسَّسة الرسميَّة والمبدع، وبين المبدع والمبدع، وبين المبدع ومجتمعه ووطنه.
كلُّ برامجنا تسعى إلى احتضان الإبداع، وتشجيع المبدعين. ثمَّة مهرجاناتٌ ثقافيَّةٌ تشملُ كلَّ ألوان الطيف الإبداعي، وجوائزُ إبداعيَّةٌ، ومسابقاتٌ وتكريماتٌ. لكن أذكِّرُكم بأنَّ كلَّ تلك الأجندةِ المكتظَّةِ بالآمالِ والطُّموحاتِ الثقافيَّةِ العظيمة تحتاجُ إمكاناتٍ كبيرةً لتكونَ.. والله المستعان.
كلمة أخيرة..
أشكرُ لكم اهتمامكم ومتابعتكم للشأن الليبيِّ، واعتناءكم الدائم به، واهتمامكم بكلِّ ما يغني ويثري مسيرة الإبداع الليبي، حقًا أنتم طِيبٌ رائعٌ أصيلٌ في بلدِ الطيوبِ.. وفَّقكم الله وأعانكم.