حوارات

الروائي عماد مدولي: الكتابة تمثل للخيال ملاذًا للابتعاد عن الواقع.

التحديات التي تواجه أدب الخيال العلمي تكمن عند المتلقين القراء والنقاد وليس في الكُتاب
الفانتازيا خيال مُطلق لا حدود له، أما الخيال العلمي فهو خيال مُقيد بقواعد وأسس علمية
الكثير من مؤسساتنا تعتبر أدب الخيال العلمي دونيًا

الكاتب والروائي عادل المدولي

لعل أهم ما يمتاز به الأدب عمومًا لاسيما جنس الرواية هي احتوائه على عناصرالديناميكية المفرزة للتنوع ومصادرالثراء المعرفي، الذي لا يقتصر على ثيمات محددة وقاصرة،إنما تنطلق تجاه عوالم واسعة وآفاق رحبة تتحقق على جسر النص الروائي بمقتضى تمكن الكاتب من أدواته الفنية التي يشحذ بواسطتها المخيال لأقصى درجة ممكنة،وعبر حوارنا مع الروائي الشاب عماد المدولي نشد الرحال نحو دنيا الخيال العلمي وتناقضاتها المعقدة بتراكيبها الماورائية شديدة الشطط،فقد اكتشف بعض الأدباء والكتاب ضالتهم بالتوغل في أغوار هذا العالم ورصد المجتمعات البشرية من خلال صوره المبهرة،مامكنهم أيضًا في بعض الأحوال من استشراف أبعاد المستقبل واخضاع معطيات الحاضر للفحص والتمحيص،فضلاً عما توفره تقنيات الكتابة في هذا المجال من قدرة على التجديف بحظ كبير من المرونة في يمّ الخيال اللامتناهي وقول ما لا يمكن قوله في مواضع أخرى أشد تقليدية…
وللتعرف عن كثب على ملامح هذا العالم وفهم طبيعة معالجته لقضايا المجتمع العويصة وكيف يرى الروائي العالم في ضوء أدب الخيال العلمي وكذلك حظوظ ازدهاره، طرقنا باب الروائي الشاب عماد المدولي فكان لنا معه هذا الحوار الجميل.

صدر لك حتى الآن عملين روائيين يدوران في فلك الخيال العلمي ودنيا الأرواح مالذي يدفعك للكتابة في هذا المجال تحديدًا ؟
منذ نعومة أظافري أنا محب جدا للميتافزيقيا والخيال العلمي.. أستمتع بقراءة روايات الخيال وأيضًا بمشاهدة أفلام الخيال والفانتازيا.. لذا فعلاً شعرت بانجذاب حقيقي نحو الكتابة في هذا المجال لما فيه من حرية وعدم تقيد… لكن هذا النوع لن يكون هو الوحيد في أسلوب كتابتي… حاليًا أجهز رواية درامية تتحدث عن الهجرة غير الشرعية في ليبيا… كما قد صدر لي كتاب بعنوان ” مواقف ومحطات” وهو عبارة عن مجموعة من المواقف الواقعية إضافة إلى عدد من المقالات البحثية.

أدبك يعتمد على عناصر التشويق والمفاجأة في إطار الفنتازيا التي تمزج بين الواقع والخيال،هل يتيح لك هذا الجنس الأدبي التعبير عن رسالتك على النحو الذي يُرضيك ؟
بالطبع… هذا النوع من الكتابة يحررني… أحيانًا أحتاج التخلص من القيود التي قد تفرضها عليك الكتابة الواقعية والدرامية… فمثلًا تكون هناك قضية غامضة مثيرة تجذبني للبحث عن كل مصادرها والتحليلات التي قيلت عنها .. أعالجها بالكتابة الخيالية ووضع تصورات وحوارات تشفي فضولي وفضول القراء.

الأسطورة ثيمة إرتكاز تبني عليها سياق سردك والأسطورة البنت الغير شرعية للحقيقة، متى تقف الحقيقة ويبدأ الخيال في متن نصّك الروائي ؟
لكل أسطورة أصل ولها وجه من الحقيقة مهما كانت غريبة.. وكما يقولون هناك قبس من النار وسط الفيض من الدخان.. لذا دائمًا تكون الانطلاقة في أي قصة خيالية من القاعدة الحقيقية لهذه الاسطورة… من الأسس التاريخية لها وأسباب ظهورها وتفسيراتها وغيرها… بعد ذلك يكون لي مطلق الحرية في التفسيرات بحسب أفكاري التي أرغب في طرحها من خلال الحوارات والأحداث في الرواية… وبالتأكيد لا ننسى طرح كل الأفكار المضادة الأخرى لخلق حالة من الغموض والإثارة إضافة إلى إيجاد التوازن في الطرح.

الخيال شبكة عنقودية شديدة التعقيد غالبًا ما تكون ملاذًا للفرار من وطأة الواقع وحقيقته، إلى أيّ مدى يمكن أن يساعدك اللجوء لهذا النوع من الروايات لتكريس أحلام الخيال كحقيقة يمكن الرهان عليها ؟
في الواقع قد تمثل لي الكتابة للخيال ملاذًا للابتعاد عن الواقع أو أخذ راحة أكثر من مصطلح الفرار منه… فأعتبره كتفريغ لطاقة وشحنة زائدة ومحاولة لطرح أفكار وتمرير رسائل عبر قصص ماوراء الطبيعة التي لا تحددها قواعد بعينها .. لكنني لا أعتبرها مطية لجعل الأحلام حقائق يمكن الاعتماد عليها.

المكتبة العربية ما تزال تعاني شُحًا في أدب الخيال العلمي، فالأدب الغربي يتفوق من ناحية الكم والكيف، ماهي أبرز التحديات التي تواجه الأدب العربي في هذا المضمار ؟
نعم للأسف لا يوجد أي مقارنة بين الأدب الغربي والعربي في هذا المجال… أساطير كبيرة برزت قد يكون من الصعب مجاراتها حتى مستقبلًا.. لو وضعنا في كفة الأدب الغربي فقط الثلاثة الكبار في الخيال العلمي آرثر سي كلارك وإسحاق أسيموف وروبرت هاينلاين لرجحت كفتهم بكل تأكيد، هذا دون الحديث عن أساطير مثل هربرت ويلز وجول فيرن وويليام جيسون وغيرهم.
بالنسبة للأدب العربي في التراث القديم هناك حي بن يقضان لأبن طفيل وقصص ألف ليلة وليلة التي رغم الخلاف القائم حول أصلها إلا أنها تظل أحد أعمدة التراث العربي القديم في الخيال والأسطورة.
في التاريخ المعاصر لا يمكن الحديث عن هذا المجال دون ذكر عميد أدب الخيال العلمي العربي الراحل نهاد الشريف، وكذلك لا يفوتنا ذكر أحد الرواد الأوائل في هذا المجال الأديب الراحل توفيق الحكيم.
 حديثًا… لا يمكن الغفلة عن مساهمات الدكتور أحمد خالد توفيق في أدب الخيال، رغم أن الراحل كان متخصصًا في أدب الرعب، إلا أن المجالين يتدخلان بشكل كبير، وهو ما برز فيه توفيق عند كتابته عن الأساطير والفانتازيا رحمه الله,
وفي ليبيا كانت لدينا تجربة جميلة عبر رواية “من مفكرة رجل لم يولد” للمرحوم يوسف القويري التي نشرت في ستينات القرن الماضي.
في اعتقادي أن أبرز التحديات التي تواجه أدب الخيال العلمي تكمن عند المتلقين- القراء و النقاد – وليس في الكُتاب، فبرغم أن العالم يرتكز في كل مجالاته على العلوم في عصرنا الحالي إلا أن الكثير من المؤسسات المعنية تعتبر هذا المجال أدبا دونيًا ويتعالى عليه عديد النقاد بوصفه أدبًا أقل مستوى ودرجة من باقي المجالات الأدبية.
كما أن بعض الأدباء يرجعون المشكلة إلى أن الشباب العربي لم تشكل عندهم قواعد وخلفيات علمية تساعدهم على تلقي أدب الخيال العلمي الذي كما أسلفت يبنى على قواعد وأسس علمية، كما أن هناك من يرى أن الثقافة المسيطرة في العالم العربي مبرمجة على الأدب الذي يخدم المجتمع ويقدم كل ما يرتبط بالقيم من الحب والعدل والحق، هذه الثقافة المهيمنة تعتبر أي مجال أدبي لا يتحدث بهذا الشكل الواضح والصريح يعتبر مضيعة للوقت! رغم أنه يمكن استخدام أدب الخيال والفانتازيا لإيصال رسائل في أخلاقية وحتى سياسية كما فعل في ذلك عديد الكتاب. .

هنالك كثيرون يلتبس عليهم أدب الخيال العلمي فيخلطون بين الفنتازيا وأدب الخيال العلمي، كيف يميّز بين الفنتازيا وأدب الخيال العلمي وفق رأيك ؟
صحيح… هناك كثير من يخلط بين المجالين… الفانتازيا هي خيال مُطلق لا حدود له، أما الخيال العلمي هو خيال مُقيد بقواعد وأسس علمية.
عند الكتابة للخيال العلمي يمكنك صنع عالمك الخاص وشكل الحياة والأسلوب لكنك في الأخير يجب أن ترجع كل ذلك للقواعد العلمية التي تبني عليها هذا التطور والخيال الذي تقوم بوصفه في الرواية، أما الفانتازيا فالأمر مختلف والعالم الذي قد تصنعه سيكون غريبًا لا يخضع للقوانين المتعارف عليها إنما سيكون دورك كتابة أسس وقواعد خاصة بفكرتك على أن تتقيد بها في باقي الأحداث.. الفانتازيا لا يوجد بها قيود لكنها تحتاج إلى خيال واسع خصب لصنع عوالم وأفكار مبهرة وهو أمر ليس بالسهل بكل تأكيد، فكل من يكتب في هذا النوع من الأدب الخيال والفانتازيا لا ينجح إلا بثقافة علمية واسعة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته.


عماد المدولي، كاتب وروائي ليبي من مواليد مدينة بنغازي 1980م، حاصل على ليسانس آداب قسم إعلام من جامعة قاريونس عام 2004م.

يكتب وينشر في العديد من المواقع الليبية والعربية، صدر له:
مواقف ومحطات، روزويل، صوت من هناك.

مقالات ذات علاقة

الكاتبة الصحافية إنتصار بوراوى.. كل كاتبة ليبية لديها نسقها الخاص الذي يمنحها خصوصيتها المميزة.

حنان كابو

تشكيلي ليبي يتألق بين الحروفيات وتصميم العملة

المشرف العام

حوار مع الأديب الليبي المبدع منصور بوشناف حول روايته (العلكة)… المرشحة لجوائز عالمية

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق