هدى الغول
يظن الناس حالياً بأن المبدع يقاس بعدد متابعيه في السوشيال ميديا، أو بحجم ما ينشره فيها، وللإبداع معنى مغاير عكس ما يظنون، فهو ذاك العمل العبقري الخلّاق أياً كان نوعه، والإبداع في الكتابة هو فن ذكي يمارسه الكاتب الفذ لجذب المتلقي ولا يمكن لأي كاتب الوصول لهذه الدرجة من فن الكتابة إلا بقدراته الذاتية في تنمية حبه لهذه الهواية وإصراره على تمكينها وتوطينها بذهنه وعاطفته، ومن ثَم يشحذها في تجنيد أدواته للتحكم في المتلقي وآليات جذبه بصورة فنية تمتزج بالحرفية والإخلاص، والمثابرة في إضافة شيء مغاير يساهم في تعزيز الوعي والرفع من المستوى الثقافي للجمهور المتلقي ..
لا شك أن لكل كاتب رسالته الإبداعية التي يسمو بها لتحقيق أهداف سامقة نحو الرقي بالمستوى الثقافي للأفراد والمجتمع ولعلي هنا أضرب مثلاً عن مبدع أمتاز بتفرده الجلي المتجدد في الأداء والعطاء، وتأسى بنفسه وآمن برسالته في تغيير وتنمية المجتمع الثقافي وتطويره وإعادة النظر في ذهنية القوالب ورتابة الاحتذاء، إنه الأستاذ كمال الرياحي الكاتب التونسي المعروف بأساليبه المميزة وقدراته الخلُاقة في توظيف الذوات المبدعة وتمكينها لتظهر في أبهى حليها الثقافية وتتبوأ مقاعدها الرفيعة المستوى في قبة النخبة الثقافية، كمال الذي اتخذ أكثر من نشاط على عاتق عمله الإبداعي لم يثني تركيزه على أحدها دون الآخر ، فتراه الكاتب المنكب على لوحة مفاتيحه بكل حرفية وحنكة ، إذ تتساقط الكلمات منها لترقى في سماء الأدب، أو تنخر منتقدة كل اِنحراف يسيء للإنسانية، وعن كل استهتار قد يحدث في أروقة الثقافة ويحط من مهنية الإعلام وهذا ما جعل نهجه الثقافي بديع في سيره وفريد من نوعه، وعلى سبيل الذكر لا الحصر ، يتخذ كمال الرياحي من بيته صالوناً ثقافياً، يشبه في مظهره أي صالون ثقافي ويختلف في جوهره بالتنوع واستخدام الطريقة العصرية في توصيل كل ما يتم داخله إلى متابعيه بالبث المباشر،فضلاُ عن إنشائه “بيت الخيال” كجنة لجذب المؤمنين بالإبداع المفكر المجاهد من أجل تغيير محوري للمستوى الابداعي والثقافي، وكذا برنامجه المميز اِنحياز وما قدمه من إطارات ومسارات مهمة في تغيير وجهة حياة المبدعين في تونس والعالم العربي، وأخيراً وليس آخراً يتخذ كمال اليوم نهجاً جديداً في حياة المثقفين العرب، بقفزة نوعية تطير بنا إلى قمة مفتوحة المجال شاهقة الآمال، إذ قدم مشروعاً ضخماً اطلق عليه بيت الرواية احتضنته وزارة الثقافة التونسية وكلفته بمهام الإدارة ، وسيستقبل كمال في صرحه الجديد أقلام توجت بالعالمية من الروائيين العرب والأجانب المتفردين في نتاجهم الأدبي وخصوصاً أدب الرواية الذي كان لكمال بصمته فيه بين مثقفي المجتمع التونسي والعربي…
كمال الرياحي.. الروائي الناقد.. الإعلامي المحنك، والمعلم القائد نحو التغيير، والشاب الطموح المتعايش مع الشارع التونسي والعربي في تقلباته وتطوراته؛ المبتكر في طرقه الإبداعية الخالق منها إبداعاً جديداً لم يسبق لغيره أن يضع حجر أساس في تعميره ..(بيت الرواية).. في تونس.. قِبلة أدبية تهفو لها أفئدة المبدعين، ويظفر بزيارتها من استطاع لها سبيلا، وصرح تاريخي له أبعاده المغايرة نحو تحقيق أهداف سامية، وبناء زخم ثقافي منقطع النظير في تونس والعالم العربي.