رحلوا!،
كل الذين ابتعدوا وقالوا : سنعود يوماً ما.
أضعتُ نفسي في الطريق..
والطريق أضاعني،
حمّلته كتفي فازدجر
” هو ثقلك!،
حزنٌ وأوهامٌ والبُكاء المُضجّر،
الزجرُ والمدُ ودموعك التي لم تأتِ”
لازلتُ لا أنسى الوجوه،
الفتى الذي كنتُ أعرفه في منتصفِ الحديث عن الحماقة اختفى / أو اختفيتُ أنا،
الفتى الذي كنتُ أناه،
في هجعة الحزن انتظرَ يوم الرجوع،
يا زهرتي،
ما شذاكِ / وما عدايْ!
لازلتُ لا أنسى الوجوه،
لا أريد أن أنسى …
حبليَ السُريُ هو خيطها الذكرى،
يغذيني/ ويحييني..
أنا جنينها الدنيا،
لا أريد أن أبقى الجنينَ
ريفيّتي تحاصرها المدينَة،
والنورس البحريُ ينتظرُ بزوغي/
سأحارب من أجل زعنفتي…
لن تأكلني الوجوه!
رحلوا، أو رحلتُ
لا أدري من رحلَ..
قلتُ لهم / قالوا:
سأعود أو سنعودُ يوماً ما!
وسنلطخُ أوجهنا بماء الدمع،
نتشبثُ بأرجل الضفدعِ البري ليأخذنا إلى بلادِ الضاحكين،
سننفخ في الكرة من روحنا،
نحنُ آلهةُ الكرة،
ونتسلقُ نخل الحياة/
نغيب وسط العراجين الخفية/
وسنعود بالحُبِ نيئاً،
نشمسه.. إنها شمس البلّاحين,
ونخوض في الذكرى ولا ننسى الوجوه!
رحلوا، كل الذين قالوا: سنعود،
حقاً، يوما… سترى،
سنعود حاملين عود أمك، والخذر الذي يأخذ رأسك فوق فخذها، جروحك التي تغزو جسدك الصغير، نكاتك وضحكتك الغنائية، أسرارك لتفرشها أمام العالمين…
سنراك عندها: راحلاً… مثل كل الراحلين،
رحلوا!
سأرحل مثلهم…
هو ذا الطريق… يبدو واضحاً أكثر من أي حين،
تبدو ناره وهاجة، رائحة لحمي يشوى،
أراه، جسدي مكبلٌ بحبل السنين…
أرى سحنتي خافتة، أراني أقبض على أعناق الجبابرة الأولى، أراني أرقص في أرض العُلا، أراني راحلاً مثل كل الراحلين…