استضافت الجمعية الليبية لأصدقاء اللغة العربية، الخميس 22 مارس الجاري، محاضرة بعنوان «تصارع السوسي مع الزمن والغربة»، للدكتور محمد جاب الله الفرجاني.
والفرجاني أكاديمي شغل العديد من المناصب في جامعات قار يونس والكفرة والمرج، وفي العام 1998 حصل على الدراسات العليا من جامعة قاريونس، وكان بحثه عنوان «حسن السوسي حياته وشعره».
وبدأ الفرجاني بمقدمة قال فيها: «إليها.. الأنثى التي ليس كمثلها أنثى، إلى بنغازي، هي الأنثى التي ما تغزلت بأنثى، إلا وكانت بنغازي هي الأسبق لقلبي واللسان، ولو لم تكن بنغازي أنثى ما تغزلت بأنثى، بل لا كون إن لم تكن بنغازي فيه وهي التي تختزل جميع حسان الكون».
وواصل محاضرته قائلًا: «يدور كل إبداع أدبي في فلكين مسيطرين؛ فلك زمني وفلك مكاني، ولا يستطيع أي مبدع أن يتخلص من جاذبية المكان ولا جاذبية الزمان… ونحن ننظر في نتاج شاعرنا (حسن السوسي) نجد أنه صار مع الركب في تصارعه مع الزمن، وما يشعر به من غربة وتأثير الزمن عليه، أولئك الشعراء الذين يحملون بين جوانحهم قلوبًا تخفق بحب الحياة فيتمسكون بالشباب والتمسك بالشباب يعكس صورة من صور التمسك بالحياة، فالحياة ليست مجرد أيام تتوالى وسنين تمضي إنما هي قدرة وممارسة وشروع ومحاولة لتحقيق ذلك الشروع، ولذا نجد السوسي متفائلًا أحيانًا عند تصارعه مع الزمن بل نستطيع القول إننا نجده متصالحًا مع الزمن، تصالح يجعل نظرته إلى الزمن نظرة إيجابية وكأننا به قد قهر الزمن فأسلم له الزمن قياده.
ويوضح الفرجاني: «نجده أحيانًا أخرى على غير ما ذكرنا، حيث تكون نتيجة تصارعه مع الزمن نتيجة سلبية لغير صالحه، إذا نجد الزمن قد كشر على أنيابه ونجده تارة أخرى يجاذب الزمن والزمن يجاذبه فكفتا التصارع متناظرتان… وربما نصاب بالدهشة حينما نعرف أن تصارع السوسي مع الزمن، منذ أن كان في قمة هرم الشباب، حيث نقرأ له في ديوانه البكر قصيدة (شيبة) عندما لاحت له شيبة خلال شعره الفاحم، (شيبة لاحت في رأسي منعت جنبي قراره أفعمت قلبي أشجان ويأس ومرارة) ولسنا نعرف سبب ظاهر جلي لتشاؤم الشاعر من تلك الشيبة، بالرغم من أنه متفائل في حياته العامة، وقد يكون السبب مجاراته لمدرسة أبولو فهم يصورون ما في نفوسهم من حيرة وضياع وألم».
وتتوالى قصائد الشاعر في ديوانه الأول مهاجرة الزمن له فنجد قصيدة «حصدي وقلبي، وليت الهوى لم يخلق»، وهذه القصائد من ضمن صراع الشاعر مع الزمن، حسب الفرجاني.
ويكمل: «الميزة الكبرى في شعر السوسي هي (براءة الطفولة) ولابد له أن يصارحنا في صراعه مع الزمن قائلًا (ما زال قلبي هائمًا في غيه رغم السنين لا يستقر على هوى متقلب في كل حين)، ونرى أن انتصاره على الزمن بسبب الحب، حيث يقول ويقصد هنا السوسي (قالت لقد شاب ولم يتعظ) وبهذه المشاكسة نرى أنه تغلب على الزمن بالحب مع هذه الفتاة (ما زال قلبي هائمًا في غيه رغم السنين) وحين تنكر عليه بعض الحُسان رعونته المحببة إليهن فنرى أخريات العكس… فالسوسي يتغزل بالجميلات وغير الجميلات، وهذا ما نراه عندما قال (زكاة شعري أهديها لواحدة تعد في الحسن من بعض المساكين)».
ويستشهد الفرجاني بأبيات من شعر السوسي عن الحسناوات «ماذا يقول الشعر أو يكتب لو لم تكن أحلام أو زينب وإن بدت عائشة أو حكت فالسحر يهمي والهوى يسكب» ونرى هنا الغزل لثلاثة أسماء نساء.
والسوسي حين يحاول أن يعود إلى أيام صباه، فإنه يستعيدها متلذذًا بتذكرها، ونجد «في قصيدة الفروق متصارعة مع الشاعر، ويخاطب ملهمته (لست أحسب للفروق حسابها أيكون من قصر الفوارق مجرم)، وهكذا نجد مئات الأبيات لتصارع السوسي مع الزمن، وينتصر هو على الزمن».