اكّد الدكتور عبدالمنعم المحجوب الباحث الليبي الذي تمّت تسميته مؤخرا رئيسا لمجلس ادارة اعرق موسسة نشر تونسية ليبية ان الدار العربية للكتاب ستتعافى.
تمثّل الدار العربية للكتاب تراثا ليبيا تونسيا مشتركا منذ تآسيسها سنة 1973 ورغم كل المشاكل السياسية التي حدثت بين البلدين صمدت الدار ونشرت الاف الكتب وهي مؤسسة رسمية خاضعة لاشراف مشترك بين وزارتي الثقافة في البلدين وهي اول مؤسسة تونسية ليبية يقع تفعيلها منذ انهيار نظامي بن علي والقذافي
الدكتور عبدالمنعم المحجوب الذي تم تعيينه مؤخرا رئيسا لمجلس ادارتها التقته الشروق في هذا الحوار.
كيف وجدت الدار العربية للكتاب وما هي نسبة الامل في عودتها لنشاطها؟
وجدتها كما كانت منذ 2010. بعد دراسة الوضع تبيّن لي ان المشكلة لا تكمن في تاثّر عمل الدار باحداث 2011 الدامية، التي ما زلنا نعاني من تبعاتها حتى الآن، لان نوعا من الترهّل قد اصاب الدار العربية قبل ذلك، هناك استثناءات بسيطة بالطبع وهي استمرار الفرع الرئيسي في تونس في اصدار بعض العناوين، في حين توقف هذا العمل في المقر بطرابلس بشكل شبه نهائي. بالاضافة الى ان الدار العربية كانت في الواقع مؤسستين تعملان بشكل منفصل ومستقل ولا يجمع بينهما سوى الاسم، ومن هنا تنشا ضرورة اعادة هيكلة الدار.
الآن وبعد صدور قرارين متماثلين من الهيئة العامة للثقافة بطرابلس ووزارة الشؤون الثقافية بتونس لاعادة تفعيل الدار العربية وتشكيل مجلس ادارة جديد اعتقد ان الامل كبير جدا في استمرار العمل وتطوير آلياته. لدينا اتفاقيات سابقة والتزامات من الطرفين واجبة الاداء. استطيع القول ان الدار العربية سوف تستعيد دورها الثقافي والمعرفي في الوطن العربي.
المؤسسة تقع الآن تحت وطاة ديون كبيرة تراكمت على مدى سنوات، ولكن عراقتها انقذتها من الانهيار، ونخطط في هذه المرحلة للعمل بطريقة متوازية فنقوم تدريجيا بتصفية الديون والالتزامات المالية السابقة ونعمل في الوقت نفسه على مواصلة النشر والقيام بمناشط ثقافية وفكرية مختلفة وفق برنامج عمل يبدا من شهر مارس الحالي.
المؤسسة الثقافية المشتركة بين تونس وليبيا التي مازالت مستمرة رغم الصعوبات ما هي اولويات الدار الآن؟
ضمن صورة عامة فان الشراكة بين ليبيا وتونس تشمل جميع المجالات الانتاجية والخدميّة، وفي عمق هذه الاهتمامات الاقتصادية فان الشراكة الثقافية والعلمية لها مكانتها ودورها المميز.
الدار العربية كانت على الدوام، منذ تاسيسها في سبعينيات القرن الماضي، صلة وصل ذات اثر مباشر على الفضاء الثقافي في البلدين، وهي تحتل بهذا التراث مكانا بارزا في الحياة الثقافية، الامر يتعلّق هنا باكثر من جيل من الليبيين والتونسيين الذين نشؤوا وتربوا ثقافيا ومعرفيا على ما قدّمته لهم هذه الدار العريقة.
اولويات الدار الحالية، ضمن هذا الاطار، تندرج في مواصلة تفعيل الفضاء الثقافي في البلدين وفي المغرب الكبير وفي الوطن العربي. نشر الكتب، تعميم المعرفة، تنظيم الانشطة المشتركة، وبالنسبة للمستقبل القريب فنحن بصدد اطلاق مشروع ثقافي جديد يتجاوز مفهوم النشر وتصنيع الكتاب في شكله التقليدي من خلال فتح آفاق جديدة وتوسيع الاهتمامات كالنشر الالكتروني، وسوف تقوم الدار العربية بتصميم تطبيق الكتروني خاص يمكّن الجميع من تصفح منشوراتها واصداراتها والاطلاع عليها، بما يحقق للدار مواكبة تطورات التسويق الثقافي والمساهمة فيها. هذا بالاضافة الى روزنامة عملية مقسّمة على مراحل وفقا لاسلوب البرمجة المسبقة او التغذية الارتجاعية Feed Back كما يقول مصممو برامج الكمبيوتر.
يعاني الكتاب من محدودية التوزيع هل توجد مبادرات لتوزيع الكتاب في المغرب العربي؟
بالنسبة الى ليبيا وتونس لدينا قنوات للتوزيع المباشر، بالاضافة الى المشاركة في المعارض، والبدء في سلسلة المعرض المتنقّل بالنسبة للدواخل والمدن الصغيرة والقرى والارياف، وبالطبع سيضيف التطبيق الالكتروني الخاص بالدار العربية مجالا واسعا للنشر والتوزيع وتعميم المنشورات وربط صلة مباشرة بالقراء في كل مكان، خاصة واننا نستهدف اكبر عدد ممكن من القراء مع اتاحة المشاركة باسعار رمزية مقابل نسخ رقمية من منشورات الدار.
ويشمل برنامج التوزيع الفضاء المغاربي بالطبع، ونحن نعوّل كثيرا على تنفيذه في المغرب الاقصى حيث تُتّبع سياسة تحفيز مهمة لنشر وتوزيع الكتاب، الامر الذي يدعونا ايضا الى افتتاح فرع للدار العربية في مدينة الدار البيضاء.
كيف ترى الوضع الثقافي في ليبيا اليوم؟
يتعافى، بالرغم من ان معظم الفعاليات الثقافية معطّلة، الوضع السياسي الفوضوي والمتداخل طغى على هذه الفعاليات. المثقفون الذين ابتلعهم التهريج السياسي لم يعودوا ينتجون شيئا ذا اهمية، لا هم واصلوا عملهم الثقافي الذي ينتظره شعبهم، ولا هم اصبحوا سياسيين جيدين، صاروا يتارجحون. في الحقيقة اصبحوا سياسيين Second-hand، اما المثقفون الحقيقيّون فانهم يواصلون عملهم بهدوء وداب، وهؤلاء هم من نتطلّع الى دورهم في بناء المجتمع.
عدد كبير من الكتاب والفنانين الليبيين مشرّدون في العالم بعد سقوط نظام الفاتح ما هي امكانيات العودة الى بلادهم؟
إسقاط النظام الجماهيري ادى الى الاجهاز على منظومة متكاملة لا تتعلق بالمؤسسات وآليات العمل فقط، بل تطال القيم والمعارف ومستوى التعليم والثقافة العامة. الليبيون لم يتوقّعوا ان ينحرف المسار الى ما وصل اليه الآن، اشياء كثيرة تغيّرت، ولكن الى الاسوا. سرديات كبرى تم شطبها، ولم يعثر الناس على بدائلهم بعد، والاسوا من كل شيء ان بعض الليبيين يتاقلمون مع هذا العبث.
وكما ترى فان النازحين والمهجّرين يعودون شيئا فشيئا الى ليبيا، والامر يتعلق كذلك بالكتاب والفنانين والمثقفين، هم ينتظرون الافضل، ولكنهم يجب ان ينتقلوا الى المبادرة بدل الانتظار.