الشاعرة الراحلة نازك الملائكة.
طيوب عربية

 عاشقة الليل و شجون الطبيعة… منسج نازك الملائكة

 يقول هزى مودسلى ” إن الحزن الذي لا يجد منفذاً في الدموع يستطيع أن يجعل بقية الأعضاء تبكي “.

الشاعرة الراحلة نازك الملائكة.
الشاعرة الراحلة نازك الملائكة.

هذا ما بادر ذهني لدى انتهائي من ديوان نازك الملائكة عاشقة الليل وهي توغل في ليل صارخ ورافض لواقع من حولها، فتبكى  الأقلام وتعيد هيكلة الأوراق  كمجرد مسرح لبحور الحبر الأزرق.

تتشكل قصائد الليل للديوان في مشاهد شعرية تُكون الشاعرة عالمها الخاص الممتلئ بتساؤل مستمر عن حقيقية الوجود الرافض الذي ينبأ بتشاؤم المسيطر.

كما في بدايتها مستهله بالتعبير الذاتي حينما تجهض كلماتها بقول…

 أعبر عما تحس حياتي

                وأرسم إحساس روحي الغريب

الشاعر معروف عنه، إنه  إنسان رافض  لكل ما حوله، ورفضها هنا يؤكد بجزم تمنعها عن  جل ما حولها من الناس  وتنتعل الغربة  والوحشة وتلوذ داخل محيط دافيء يشخصنها و  حياتها  وما يحيط بها.

 في رؤية مفتوحة على الأشياء تناهض الشاعرة وتنسج قصائدها محادثات عن  الشجون مع الأنهار والأشجار والقبور وكل ما لا ينطق، فنرى أنه محور ارتكازها  الدوران حول هموم ووحدة الشاعرة والطبيعة  و كذلك الطبيعة تناجى الشاعرة همومها و تحاول جمع شتات أفكارها مع الطبيعة بكل انكساراتها وتعارضها بحلوها ومرها فهي رموز لا تشير ولا تدل على معنى واحد وإنما على حالة الذات الطقسية المشبعة في الوحدة كما في الحياة المحترفة.

هذه يا نار أفراحي  وشوقي وشجوني

                        جئت ألقيها إلى فكيك في مجرى الحزيني

فهذه الوحدة تظل مسكونة بمدلول آخر تتصادم معه في الماضي والحاضر في لغة المفارقة بين الذاكرة والحلم، والحزن الطبق المسطر على ذاتها المعرفة في البؤس هذه النقطة تصبح القوة المغناطيسية التي من خلالها تتم عملية تبدل الأمثال والمزج بين الحسي والتجريدي وإشاعة الحوار بينهما.

يفيض الديوان برائحة الطبيعة وعناصرها ويتشكل حجر الأساس في بناء الصور وتُكسب الطبيعة أوسع من تكوينها فهي تسمع وتشاهد وتتحرك تمنح قصائد الديوان حيوية واتساعا يدوم حتى في غموضه الذي يجعل الكلمات تتكاثف لحل لغز العالم وإحالته إلى مجموعة من الرموز كما في ذكرى مولدي

شهد الفجر كيف يا ذكرياتي

                   كان هذا اللقاء أشجى لقاء

 وتبقى هناك حقيقة واحدة لدى الشاعرة هي حقيقة النص نفسه لتخلق له خصوصية جمالية لافتة خاصة في اصطياد اللحظة الشعرية لتخلق مجالات للرؤية أكثر عمقاً واتساعا فلم تعد الرؤية تسعى إلى امتلاك الشيء بل تعيد اكتشافها من جديد ولم تعد الذات تبرر وجودها وإنما تحاول أن تعيد صياغته بصورة تأميلية في فضاء شعري متعدد الإيماءات والتأويل لتتشابك وتتفرق لكنها لا تبتعد عن تلك اللحظة الأولى… وهي كما في.

أسفاً يا حياة ما هذه الأسماء؟

 ماذا قد كان من أهليها؟

 كيف مرت أيامهم يا ليت شعري؟

 أترى أدركوا السعادة فيها؟

 إننا هنا نبحث عن الكينونة نفسها التي تتجسد فيها هذه الأسئلة بالشكل الحقيقي اللائق لأننا هنا إزاء أبيات  طقسية  يتجلى الموت كصرخة تفتح على الحياة من جديد تكسب دلالة للنص على عذابات الشاعرة فالموت إشارة على حياة جديدة يكتنفها الغموض ويقتنيها الأمل في كل جرح من جروح الشاعرة وفي الحقيقة هناك وجود يتكسر ويتوارى وراء عبثية  الحياة وأقنعتها التي لا تنتهي.

تتكاثف جهود الحزن تنفض عن نفسها في الديوان يجزم، وبالرغم من يأسية  الديوان المنسدلة  على حافتيه من  مبدأه إلى منتهاه وتطوق ذاتية النص فإن لابد من الجزم   بكلمة أخيرة تتجلى وتتكاثف في روعة مدلولات القصائد التي توغل في نفس القارئ وتجعل منها أشياء  نراها وتتحدث معها برغم من فلسفتها المحزنة.

كما تقول نازك نفسها… الواقع أن تشاؤمي قد فاق تشاؤم شو بنهاور نفسه لأنه كما يبدو كان يعتقد أن الموت نعيم، أما أنا فلم تكن عندي كارثة أقسى من الموت.

مقالات ذات علاقة

البحيرة المفضلة هادئة

آكد الجبوري (العراق)

في فضاءات “يحكى أني”

زياد جيوسي (فلسطين)

فزاعة الوطن البديل تعود

نعمان رباع (الأردن)

اترك تعليق