من الأشياء التي علينا كمقيمين جدد تعلمها كتابة رسائل مهذبة وبكل الصيغ، حسب نوع الرسالة والجهة المقصودة وعلى رأسها المخاطبات الرسمية، كما نتعلم بالتأكيد أساليب كتابة بطاقات المعايدة والبطاقات البريدية، والدعوات لأعياد الميلاد أو استقبال مولود أو لحضور منشط ما معا، شرب قهوة، غداء عمل أو الذهاب للسينما وحتى المقابلات وتعلم كيفية الرد عليها في حال استلمناها. هنا الرسائل الرسمية عبر البريد العادي أمر يكاد يكون عندي من اليوميات في بعض الأوقات.
التهذيب في مخاطبة الناس عبر الرسائل. كتبت مئات الرسائل الصديقة منذ اكتشفت متعة الكتابة لآخرين (المراسلة)، ولا يقل الأمر عن بضع عشرات من الرسائل الرسمية وسترتفع إن قررت حساب قصاصات موافقة ولي الأمر، لم أغش على فكرة كنت أكتبها نيابة عن أبي الذي لا يجيد الكتابة، لهذا هو أمر بديهي يا قوم، هكذا فكرت، ولكني الآن أقف أمام الهمزة والنقطة أين أضعها بالضبط وماذا يعني إن وضعتها آخر السطر وما نوع التحيات التي عليَّ أن أنتقي منها في الختام، متى أضعه رباعيا كاملا ومتى أكتفي بإسمي الأول.. ليس فقط لأن اللغة جديدة، صرت بلغتي العربية أيضا أكثر حساسية تجاه الفواصل ونوع التحيات في رأس الرسالة وذيلها.
في امتحان الاندماج (امُبيرخننغ) الكتابة، كان مطلوبا مني أن أملأ نموذج شكوى بسبب فساد منتج ما، وعليَّ أن أكتب في الخانات الفارغة نوع المنتج واسم المتجر الذي ابتعت منه وتاريخ ذلك، ونوع العطب، وأخيرا ماذا أريد من أصحاب المتجر، توقفت لوقت أطول مما يجب بسبب خانة ماذا تريدين من المتجر أن يفعل، وما أنقذني فعلا تذكري لكلمات صديقتي ليديا التي ساعدتني في المذاكرة عن ألا آخذ الأسئلة على محمل الجد.. فقط ضعي إجابتك.. قالت ليديا وأضافت وهي تنظر لي برجاء: المهم أن تكتبي بطريقة سليمة، القواعد سعاد، لاتنسي، وهكذا وبصياغة ركيكة وضعت إجابتي: أرغب من المتجر أن يعيد لي نقودي.
راسلت مدير إدارة وقتها، لفت فيها نظره إلى موضوع إداري ما تم بمعرفته، فانقلبت الدنيا، أعني هيئة الصحافة ولم يتوقف سيل العتب والسخرية أحيانا إذ لا يحق لي كمديرة تحرير أن ألفت نظر مدير إدارة فنحن نتساوى إداريا في المرتبة، واعتبروها رسالة توبيخ لأنني استخدمت جملة (ألفتُ نظركم )، قبل ذاك السيل من السطحية كنت أتصور أن لفت النظر هو مضمون الرسالة وليست كلمات حرفية، في سنوات لاحقة رفضت كصحفية أن ألبي رغبة الإدارة ذاتها في تقديم تقرير عن رحلة إلى إحدى الدول أُوفدت إليها، بسبب الصياغة الفظة للرسالة، وطالبتُ بصياغة رسائل مهذبة إلى الصحفيين، ولكن هذه الرفاهية لم يُلتفت إليها، وانقضى الأمر بتجاهلي هذا النوع من الرسائل، فنحن نجع تنزل أساليب الخطابات من فوق إلى الأسفل كصفعات يفترض ألا نحتج عليها، الرسائل المهذبة والمستجدية ينبغي أن تمضي بالسياق المناسب للنجع من أسفل إلى أعلى.
ليست كل الرسائل الهولندية الرسمية مهذبة بما يكفي حسب رأيي الذي لم أقله بعد، كنت أبلغت مسئولة في البلدية عن إيجاد وظيفة،عنيت العودة للكتابة، وكان دور تلك السيدة أن تراسل المسئولة عن المرتب خاصتي، التي وصلتني منها رسالتان في أسبوع واحد، بدأت الرسالتان بالسيدة المحترمة وانتهت كالعادة ـ : مع أطيب التحيات (أو التحيات الصديقة) met vriendelijk groet وهي ترجمة حرفية (بغرض إيصال الفكرة ) إذ ذكرتني فعليا بجملة انتشرت في حرب الخليج التانية (نيران صديقة) حينما وقعت عيناي بعد السطر الأول الذي تهنئني فيه بحصولي على وظيفة، على تهديد صغير في نهاية الفقرة يقول: إن لم أوافها بإرسال بعض البيانات خلال أسبوعين سأتعرض إلى دفع غرامة.
ربما تقولون جيد أن أعرف، نعم جيد، ولكن لماذا يجب أن أعرف في رسالة تحمل تهنئة؟. ياله من فعل شرير، أفسد نهاري، كان عليكِ الانتظار حتى حصولك على المال ثم إبلاغهم، سيكون أقل صداعا.. قال جاري،وكيف لي أن أعرف، إن لم يخبرني أحد بذلك ياعمي كووس، فالاندماج يصبح أكثر فعالية بتعلمنا القوانين المرتبطة بحياتنا اليومية أفضل من تعلمنا عادات الزيارة وغرام الهولنديين بالقهوة، سنعرف ذلك متى بقينا بعيدا عن المشاكل وقريبيين منكم، سأرسل رأيي هذا إلى البلدية يوما ما، وذلك بلغة سليمة القواعد، ومهذبة.