متابعات

“الإعلام والسلم الأهلي”.. ندوة للجمعية الليبية للآداب والفنون

للسنة الثالثة على التوالي تحافظ الجمعية الليبية للآداب والفنون على استمرارية نشاطها الثقافي المتنوع الذي يوافق الثلاثاء الأول من كل شهر، بالإضافة إلى الأنشطة الإستثنائية، حيث ملأت الجمعية طوال هذه المدة، الفراغ الذي كان ينبغي أن تملأه أجهزة الدولة التي لديها من الإمكانيات والصلاحيات ما لا تمتلك منه الجمعية إلا القليل جدا، ولولا عزيمة وإصرار أعضاءها على المساهمة في توعية المجتمع بقضاياه المُلحة وإيمانهم بدورهم المهم الذي يقومون به في هذا الوقت تحديدا، لولا العزيمة والإصرار والإيمان لتوقف النشاط لأن عوامل الشد للوراء أكثر من التي تدفع للأمام وتحث على العمل.

الجمعية الليبية للآداب والفنون

ولا شك في ان الجمعية بهذه الأنشطة المتواترة والمتتالية قد أسست لعادات وأعراف ثقافية ستمتد تأثيراتها الإيجابية إلى سنوات قادمة، ولتنوع الأنشطة والمواضيع المطروحة سواء في الندوات أو المحاضرات الأثر الإيجابي في الرفع من مستوى وعي المثقف الحريص على متابعتها وتوسيع مداركه والاخذ بيده لخوض مغامرة اكتشاف موضوعات ما كان له أن يبلور عنها فكرة معتبرة ويلم بتفاصيلها لولا هذه الأنشطة والأختيارات المتعددة التي أسهمت أيضا في استقطاب جمهور متنوع من الشباب المقبل على المعرفة بشغف والأكاديميين والمثقفين وأتاحت لهم فرصة المشاركة بأسئلتهم وتعقيباتهم والإضافة لمواضيع الندوات والمحاضرات.

دائما في الموعد والموعد هذا الشهر افتتح بندوة حملت عنوان “خطاب العنف والكراهية في الإعلام ودوره في ترسيخ السلم في المجتمع” وهو موضوع مهم وملح وفي حاجة للطرح بعد استفحال هذا الخطاب وإفساده لكل جهود المصالحة والتوافق وإجهاضه للكثير من المبادرات الهادفة إلى لم شمل الوطن ومداواة جراحه.

الأستاذ سمير جرناز والسيدة ليلى المغربي

وبقراءتها للكلمة التمهيدية والتقديمية للندوة والتعريف بموضوعها وبتلاوة التقارير الصادرة عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والمركز الليبي لحرية الصحافة اللذين رصدا كلٌ من جهته الأختراقات والأنتهاكات التي حصلت خلال السنة الماضية، بهذا تكون الأستاذة ليلى المغربي قد أعلنت عن افتتاح النشاط، قدمت بعد ذلك الأستاذ سمير جرناز الصحفي والناشط الحقوقي والإعلامي الذي ترأس مكتب الإعلام بوزارة التعليم وانخرط كعضو في العديد من الهيئات والجمعيات الإعلامية وقام بتدريب عدد من طلاب الجامعة ويرأس حاليا المنظمة الليبية لمناهضة العنف وخطاب الكراهية، شرع إثر هذا التقديم الأستاذ سمير جرناز في قراءة ورقته التي خصصها لتحليل الخطاب في القنوات الفضائية الليبية، أستعرض في بدايتها أهم محطات التلفزيون الليبي، ثم خطى خطوة أخرى في عمق الموضوع فتناول أسباب تفشي الخطاب وتحليل دقيق لأهم مظاهره وخلص إلى عدة توصيات إذا ما تم تنفيذها والاخذ بها فإن هذا الخطاب، لا نقول انه سينتهي ولكنه حتما سيتراجع ويتقلص لأنه فعلا خطاب يحمل طاقة هدامة من شأنها أن تتسبب في المزيد من الخراب وتعميق الخلافات بين الليبيين، ودعا إلى تنظيم الفضاء التلفزيوني بما يضمن تأديته لدوره في مسيرة البناء ونبذ الكراهية والتحريض والتهميش ونشر قيم التسامح وقبول الآخر والحوار وأكد على حاجة المجتمع لبرامج تلفزيونية هادفة وبث رسائل إيجابية وخطط تحتوي على برامج توعوية تقدم الحلول والمعالجات لأزمات المواطن والمجتمع لا أن تفاقم الموجود منها وتزرع بذور الفُرقة والشِقاق كما يحدث اليوم، ومع أن الباحث لم يشير إلى قناة بعينها وأشخاص محددين طيلة محاضرته إلا أنه اضطر في نهايتها وبعد قراءة ورقته إلى استحضار أمثلة حية من القنوات المؤدلجة التي تمارس التحريض على العنف ونشر الفتنة وذكر بعض المذيعين المكرسين لهذه المهمة في التضليل ومحاولة تمرير أفكار وطروحات معينة تخدم مصالح فئات معروفة وطنيا وأقليميا. وفي عرضه لأفكاره التي احتوتها ورقته استعان الأستاذ سمير بجهاز العرض المرئي للتوضيح ولإيصال المعلومة بطريقة أسرع وأسهل.

الكاتب سمير جرناز والسيدة ليلى المغربي

الورقة الثانية للباحث والصحفي والأديب والإذاعي يونس الفنادي صاحب العديد من الإصدارات مثل “لعينيك أغني” ديوان شعر وكتاب “الصادق النيهوم قاصا وعبد المولى البغدادي شاعرا” و”النص الشعري عند سعدون السويح ” ويعمل كخبير في الأرصاد الجوية، الورقة عنوانها “تتبع ورصد خطاب الكراهية بالإذاعات المسموعة في مدينة طرابلس 2012 – 2016” وهي دراسة استقصائية تحليلية كما أوضح واضعها.

ومثل الباحث الذي سبقه آثر أن يلج الموضوع باستعراض أهم محطات الإذاعة المسموعة الليبية وبذلك يكون قد منح المستمع نبذة مختصرة عن هذا النشاط الذي انطلق في النصف الثاني من القرن الماضي في ليبيا، لينتقل إلى تحليل الخطاب الهدام ورصد لأهم مظاهره في عدة محطات إذاعية محلية في طرابلس مثل إذاعة طرابلس المحلية وراديو الساعة وإذاعة الجوهرة وغيرها من الإذاعات، وفي كل ما طرحه من أحكام واراء واستنتاجات أستعان الباحث بالإحصائيات والبيانات والعينات التي جمعها من أكثر من مصدر وقام بعرضها مكبرة من خلال جهاز العرض المرئي الحائطي لتكون في متناول المستمع، وتحت عناوين فرعية عديدة ووفقا للأسلوب والمنهج العلمي قام الباحث تاليا بطرح تحليلاته المعمقة بحيث أحاط بالموضوع ورصد أهم تمظهراته سواء على مستوى الإذاعيين أو على مستوى الإذاعات والمستمعين، وخلص في نهاية سرده واستعراضه لنتائج تشير إلى أن لخطاب الكراهية المستشري عدة أسباب وعوامل وليس من السهل تحديد السبب المباشر لأن ذلك يحتاج إلى جهد كبير في ظل غياب دليل مهني مكتوب وفي ظل عدم وجود أرشيف يمكن الأعتماد عليه للحصول على المعلومة الصحيحة والموثوقة لأستكمال الدراسات في هذا المجال.

الكاتب رامز النويصري

ثالث الورقات قدمها الأستاذ والشاعر والباحث رامز النويصري صاحب موقع بلد الطيوب الذي يهتم بنشر الأدب الليبي منذ العام 2001 وخصصها لتناول قضية خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني عموما وعلى رأسها موقع الفيس بوك ما بين 1-1-2016 إلى 30-6-2016 ورصد من خلالها بعض الظواهر التي يختص بها الفيس بوك الليبي – إن جاز التعبير، وفي حين يعتقد البعض أن الفيس بوك موقع عادي ولا يحمل أية خطورة فعلية نبَّه الباحث من خلال رصده المتأني لهذا الحراك الهائل داخل هذا الفضاء مترامي الأطراف والذي تم استغلاله لخدمة مآرب فئوية وجهوية وشخصية معينة، نبه إلى خطورة التعامل مع هذا الكم من المعلومات والدفق الإعلامي الإخباري التي يخدم مصالح محددة، ودعا إلى عدم الأستهانة بهذا الموقع والحذر إذا ما تواجد المواطن فيه حتى لا يتم تضليله وحقنه بالسموم التي ينفثها البعض من أصحاب المصالح الوقتية والمروجين لأفكار تعود عليهم بالنفع، ولما عرضه الباحث في دراسته من معلومات وحقائق قد لا تخطر على بال المستخدم العادي الذي يدخل لقراءة الأخبار أو حتى للتسلية وتزجية الوقت أهمية قصوى في توعية المستخدم ووضعه في موقع المسئولية عند ولوجه لهذا الفضاء، من هنا كان المدخل وتدريجيا أخذ البحث في الأتساع حتى الوصول إلى صلب الموضوع ومربط فرسه وهو خطاب الكراهية في هذا الفضاء المفتوح، حيث اكتشف الراصد وجود هذا الخطاب الذي قام بتعريفه قبل ذلك وبكثرة في الفيس بوك الليبي وتعدد مظاهره فإلى جانب وجود أثار للخطاب العنصري ثمة خطاب سياسي وعقائدي وكلها تتفق تقريبا على نشر الكُره والعداء وتتبنى سياسة التأليب وسائلها في ذلك عديدة أيضا تتمثل في اللجوء إلى العنف اللفظي والسب والشتم والإهانة والسخرية والتهكم وبث الإشاعات وتزييف الحقائق.

ولمروجي هذا الخطاب حيل وخطط من بينها التحشيد وأختراق الحسابات وإتباع سياسة البلاغات لمن لا يوافق توجهاتهم ويعارضها حتى يتم غلق حسابه أو صفحته. ورصد الباحث كذلك بالنسب المئوية الأشخاص القائمون على بث خطاب الكراهية واتضح أنهم من الذكور الشباب بالإضافة إلى بعض الإعلاميين والأدباء وغيرهم، وتظل برأي الباحث هذه الإحصائيات تقريبية وليست نهائية.

وتحت عنوان ما سبب استخدام الفيس بوك لنشر الخطاب خلص الباحث وانتهي إلى أن ذلك عائد إلى سهولة النشر في الموقع ولأنه المنصة الأولى في ليبيا للأخبار قبل حتى الفضائيات والإذاعات والصحف وكان لما سبق تحديده من عوامل الدور الأكبر لأختياره لنشر الخطاب ولأنخراط الكثير من الليبيين فيه حيث وصل عدد المشاركين في الفيس بوك من الليبيين بحسب الباحث في سنة 2016 – أثنان مليون وأربعمائة ألف مشترك ومستخدم وهو رقم مأهول بالقياس إلى عدد السكان.

أنهى الباحث استعراض ورقته وبياناته المختلفة على جهاز العرض المرئي ليفتتح باب النقاش والتعقيب حيث تحدث الدكتور محمد الأصفر عن الناحية النفسية للموضوع وتمنى لو أنه تمت استضافة أحد المختصين في هذا الشأن وتحدث كذلك عن الثقافة النفسية وعن انهماكه حاليا في الإعداد لدراسة تشخيصية تتناول ثقافة العنف وطرق اكتسابه عند الأطفال وتطرق إلى ما يسميه العلماء اليوم ب “سوء الاستخدام”، ودعا إلى عدم الأكتفاء بتوصيف الظواهر والعمل على تنشيط آليات التنفيذ قدر المستطاع بعد تحديد طرق المعالجة.

في حين لخًصَ المتداخل الثاني نتائج كل ورقة وقام في عجالة باستعراض هذه النتائج والقراءة السريعة بحسب وجهة نظره، وتحدث الدكتور صلاح الطبال من جهته بعد ذلك عما أسماه “التقيد بالمنهجية” وأخذ على الباحثين الأكتفاء باستعراض انطباعاتهم عن الموضوع وأكد على أن الإعلام علم وكان الأولى أن يتم تناوله وفق منهجية علمية، أما المُعقب الأخير فقد نبه إلى ضرورة توحيد المصطلحات والتوافق عليها قبل كل نقاش حتى يأخذ النقاش شكله العلمي والموضوعي وتتقلص مساحة سوء الفهم وحتى تعم الفائدة.

ندوة الإعلام والسلم الإهلي
الجمعية الليبية للآداب والفنون

رد بعد ذلك الأستاذ رامز النويصري على بعض التساؤلات التي تخص الجيش الإلكتروني والإعلام الموجه ومصطلح التحشيد، بينما قام يونس الفنادي بالرد على الدكتور صلاح الطبال الذي كان قد غادر القاعة قبل ذلك ومباشرة عقب طرحه لنقده، وفي رده أكد الفنادي على تقيد بحثه بالمنهجية التي أشار إليها الدكتور، وعدم خروجه عن الأُطر العلمية المتبعة، لتنتهي الندوة عند هذا الحد.

وبإعلان الأستاذة ليلى المغربي مديرة الندوة عن إقامة معرض خيري أول للفنون التشكيلية ببيت نويجي يوم 6 مايو أنفض الجمع على أمل اللقاء يوم الثلاثاء القادم الموافق للتاسع من مايو أيضا ببيت نويجي لإحياء أحتفائية تتناول سيرة المخرج الليبي الراحل محمد العلاقي على أن تقام الثلاثاء الذي يليه والذي يوافق للسادس عشر من مايو ندوة أو جلسة حول تجربة الفنان التشكيلي الراحل مؤخرا الطاهر المغربي بمشاركة عدد من التشكيليين من زملاء الفنان الراحل، وتأتي هذه الأنشطة في إطار التنوع الذي تحدثنا عنه ببداية المتابعة والذي يحرص عليه أعضاء الجمعية بحيث تتسع الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تقيمها الجمعية، للآداب بتصنيفاتها المختلفة والفنون بكل أشكالها والقضايا الفكرية بكل عمقها.

مقالات ذات علاقة

القاهرة تناقش رواية ‘اوستيكا’ في ذكرى المنفيين الليبيين لإيطاليا

المشرف العام

السنة الدولية للشاعر والكاتب المسرحي وليام شكسبير

ناصر سالم المقرحي

القصيدة تعانق الفلسفة في تظاهرة ليبية ثقافية

المشرف العام

اترك تعليق