ليبيا المستقبل – (حوار طه كريوي)
فنان تشكيلي ليبي مولع بشتى الفنون البصرية، رساماً أحبت ريشته اللوحات، ونحاتاً شكل الخزف والجبس وصنع المجسمات، ونقش بأنامله العديد من الجداريات، صمم الديكورات، وغاص بإبداعه في عالم الجرافيك والتصميم الإلكتروني ثنائي وثلاثي الأبعاد، أبدع في تصميماته للهوية البصرية وتصميم الشعارات للشركات، ونال تصميمه العملة الليبية الجديدة الجوائز والإستحسان، احترف الوسائط المتعددة والرسوم الإلكترونية المتحركة، عانق الكاميرا فصار مصوراُ فوتوغرافياً محترفاً، وكان التصوير مدخله لعالم السينما والإخراج، صور الفيديو، فأنتج ومنتج حتى نال الجوائز، حلم منذ نعومة أظفاره بالخربشات وبالألوان فكلل إبداعه بحروفيات مزجت بين فنه والأحلام.
رضوان صالح الزناتي من مواليد طرابلس عام 1980، حاصل على باكالوريوس هندسة ديكور من كلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس_ ليبيا عام 2004، عمل بعدة شركات في مجال تصميم الجرافيك ومجال الميديا كما تحصل على عدة دورات تقنية في مجال التصميم والإخراج، ويتقلد حالياً منصب رئيس وحدة الإنتاج الإعلامي بشركة المدار الجديد، التي حصل فيها على شهادة الموظف المتميز عام 2014، وعلى شهادة الإبتكار عام 2015، شارك في عدة معارض فنية تشكيلية، كما له العديد من المشاركات بنشاطات المنظمة الليبية للتصوير والمعارض الفوتوغرافية التي آقامتها، وتوج تألقه الفني بحصوله على الترتيب الأول ونيله شهادة تقدير من مصرف ليبيا المركزي سنة 2015 تقديراً لتصميمه العملة الليبية الطبعة الاخيرة، وحصوله على جائزة طرابلس سبتيموس في العام 2016عن فئة الإنجاز لعام 2015 لإنتاجه وإخراجه برومو العيلة ولمتنا. وتوج أعماله التشكيلية بمشاركته بمعرض “دواية” بدار الفقيه حسن بطرابلس في ديسمبر 2016 والذي عرض خلاله مجموعة من الأعمال الفنية التشكيلية في مجال الحروفيات… ليبيا المستقبل طرقت باب الفنان رضوان الزناتي لإجراء هذا الحوار معه:
– كيف ومتى بدأ إهتمامك بالرسم والفن التشكيلي والفنون البصرية بشكل عام؟
• بدأت الرسم منذ صغري، بخربشات على كل ما تطاله يداي، وحيث أنني ولدت في أسرة تحب الثقافة والفن وتقدره وتدعمه، فجدي كان شاعراَ ووالدي يهوى الرسم، اكتشف موهبتي مبكراً، فكان يشجعني ويدفعني بأن أغوص في أحلامي واستقي منها الجميل، فسرعان ما أصبح لخطوط قلمي وخربشاتي معنى، وتوافقت لغة عقلي مع أناملي الصغيرة، فصرت أرسم لوحات منذ سن العاشرة، وكانت أعمالي في ذلك الوقت تلفت إنتباه جميع أفراد أسرتي، فنلت المزيد من التشجيع، وحينها شاركت في العديد من المهرجانات المدرسية وتحصلت على شهادات تكريم وجوائز لتميزي في مجال الرسم، فصارت خطواتي واضحة وثابتة بإتجاه الفن، فدخلت كلية الفنون والإعلام سنة 1999-2000 بجامعة طرابلس بعد أن قررت أن أنتقل إليها من كلية الهندسة، بعد ثلاثة فصول دراسية قضيتها في كلية الهندسة لإرضاء رغبة والدي ووالدتي، ولأنني أدركت حينها أن مخاوفهما من أن ليس للفن أي مستقبل في ليبيا، وتمسكهما بكلمة مهندس، حاولت الموازنة بين الفن والهندسة، حيث تخصصت في الديكور وتحصلت على بكالوريوس هندسة ديكور من كلية الفنون والإعلام، وحين تخرجت كنت الأول في دفعتي وتحصلت على شهادة الطالب المميز من عميد الكلية.
– هل هناك شيء ما، زاد من إصرارك ورغبتك في أن تكون رساماً غير إدراكك لموهبتك؟
• قد أعزو إصراري هذا لشغفي بالرسم، لزيارتي في المراحل الأولى من عمري، العديد من الدول التي تجد فيها الأعمال الفنية في كل مكان، وكنت من المحظوظين حين حط بي الرحال في مدينة الفن والحضارة روما بإيطاليا، فأستقيت منها الكثير وأصبحت منفتحاً اكثر على التراث العالمي والفنون بمختلف أنواعها، بعد تخرجي بسنوات إثر مرض والدي رحمه الله زرت ألمانيا مرافقاً له في رحلة علاجية، ومن عمق محنتي ومعاناة والدي لمرضه، كنت أحاول الهروب من الواقع بالرسم، فرسمت الطبيعة من حولي وكل شيء يعترضني، حياة الناس في الشوارع، المباني، الازقة وكل شيء، ومن شدة إعجاب صاحب الفندق الذي أقطن فيه”مركوري هوتيل”، بمدينة ماينز الآلمانية، طلب صاحب الفندق أن يعلق إحدى لوحاتي في بهو الفندق، فكانت سبب تعرفي على فنانة ألمانية فلسطينية الأصل تقيم في المدينة، وتملك معرضاً للفنون التشكيلية، كانت تشتري مني لوحات وتعرضها بمعرضها، فكنت أنقل في لوحاتي طابع الحياه اليومية في المدينة القديمة بطرابلس ما أثار إهتمام الألمان، فحدث إقبالاً غير متوقعاً على أعمالي لشرائها، في الحقيقة هذه الحادثة بقدر أهميتها كانت المرة الأولى التي أجني مقابلاً مادياً لأعمالي وبشكل مجزي جعلني أستطيع أن أتدبر مصاريفي طيلة فترة وجودي بألمانيا، ومن ناحية اخرى فقد كسرت لدي حاجزاً نفسياً، فكانت عاملاً مهماً لاستمراري بالرسم، وعندما عدت وجدت أنني مشحون وكلي طاقة لمواصلة مشواري في مدينتي الحبيبة طرابلس.
– كيف تصنف الفنان “رضوان الزناتي” بالذات وأن أعمالك متنوعة منها الرسم والتشكيل والنحت والتصميم ورسم الكرتون والكثير غيرها؟
• إهتماماتي متنوعة وتشمل كل الفنون البصرية إبتداءً من الرسم وإنتهاءً بالتصوير والإخراج، وكما أسلفت بدايتي كانت مع الرسم، ففي البداية أعمالي كانت تندرج تحت المدرسة الواقعية، إلا أنني سرعان ما إكتشفت ميلي للتجريد، فأصبحت أعمالي تجريدية بإمتياز، ومن ثم النحت والخزف وغيرها من الأعمال التشكيلية، إلا أن ظهور التقنيات جعلني أمارس الرسم الرقمي بالقلم على شاشة الرسم الرقمي (Wacom)، والذي قادني إلى التصميم بمختلف أنواعه بداية من أعمال الطباعة وتصميم العملة وتصميم الهوية البصرية إلى التصميمات الثلاثية الآبعاد والشعارات فالأعمال الدعائية، والذي بدوره قادني لإستخدام تقنيات متعددة منها الرسوم المتحركة وتقنيات رقمية أخرى تبرز وتجسد الصورة منها الكاميرا، ومنها إلى عالم الصورة المتحركة (الفيديو) وصولاً للإخراج والإنتاج المرئي.
– وسائل التعبير الفنية لديك متنوعة وقد يرى البعض أنها متداخلة تداخلاً كبيراً، فماذا الذي يحكم بينها، أو يجعلك تقرر في لحظة ما أنك ستنفذ عملاً تشكيلياً وما يجعلك تحدده بعمل حروفيات مثلاً؟
• عادةً عندما يكون الموضوع محدداً مسبقاً، غالباً ما يستدعي ذلك للذهن الطريقة الأمثل للتعبيرعنه، والحاجة لإيصال المعلومة التي تجعل من الفكرة تنبثق وتجعلني أختار الطريقة لتنفيذها، وبالتأكيد هذا ينطبق على الأعمال الفنية التجارية المطلوب مني تنفيذها، سواءً كان تصميماً ما أوفيديو ما، ولكن حين يكون الموضوع له علاقة بممارستي للفن، ولإشباع رغبتي الفنية، فغالباً ما يكون الآمر مزاجياً، ففي بعض الآحيان أجد أنني أتجه للنحت لإفراغ طاقتي، وفي أحيان أخرى اتجه لرسم لوحة تجريدية أو تنفيذ حروفية.
– كيف يمكنك وصف الفن التشكيلي والتجريدي بالذات، والذي يبدو جلياً وواضحاً في الخط الفني الذي يستهويك؟
• أنا أرى أن الفن التشكيلي وبالذات التجريدي منه هو خلاصة لرقي المجتمع، فالمجتمع حين يرتقي في حياته اليومية وفي معاملاته، الفن يصبح ليس في شكله الصريح، حتى تراه وتحلله وتعجب به، أحياناً تجد شيء يعني لك في اللوحة التجريدية، بدون أن تشعر سترى بعداً معيناً في اللوحة يذكرك بشيء أو يربطك بشيء في ذاكرتك كموقف ما، أو مفاهيم ما، في بلاد الغرب والبلدان المتطورة فنياً، إجتازوا العديد من المراحل، وتشبعوا من الفن التصويرى والواقعي، حيث أن الرسم التصويري والواقعي والإنطباعي الذي اعتمده الكثير من الفنانين العظماء في العصور الوسطى كليوناردوا دافينشي، ومن بعده الكثيرون مثل فان كوخ، وتخطوه لمراحل متقدمة ما بعد الواقعي ودخلوا مرحلة التجريدي، والتجريدي هو ترجمة للواقع ولكن برؤى خيالية إبداعية، وهو يحمل رسالة يتم من خلالها ترجمة إنفعالات الفنان، أحياناً تكون بألوان جميلة أو أشكال معينة تترجم إلى ألوان غير ما تراه العين في الصورة الواقعية، اليوم الصورة الواقعية تطور وسائل إلتقاطها وعرضها بوجود الكاميرات والتصوير الفوتوغرافي، عكس ما كان في الأزمنة القديمة حيث كان الفنان حين يعجب بمنظر طبيعي ويريد تصويره لا يجد أمامه إلا رسم هذه الطبيعة لتوثيق جماليتها، وبهذا فإن الصورة الواقعية اليوم صار لها بدائل يمكن لأي أحد أن يقوم به من خلال الكاميرا، والفنان الحقيقي اليوم هو الذي يستطيع نقل رسالة ما من خلال لوحة تجريدية.
– هل يمكنك أن تشرح للمتلقي الأعمال التجريدية؟
• بالذات وأن الكثيرين يرونها كلغز يصعب فهمه وتذوقه؟ في رأيي الأعمال الفنية التجريدية لا يمكن شرحها للمتلقي، من الأساس هي طريقة لإيصال فكرة ما، يفهمها كل متلق بطريقته، وقمة الثقافة الفنية لدى المتلقي أن يستوعب المفهوم الذي يود الفنان التعبير عنه بنفس رؤية الفنان.
– ما هي مقاسات اللوحات التي تنفذها غالباً؟
• في أعمال الجداريات لا يمكن تحديد مقاسها مسبقاً، فكل منها يكون على جدار يختلف مقاسه عن الأخر، أما في الأعمال التجريدية غالباً أعمل على ثلاثة مقاسات A3 و A2 و A1 إلا أنني مؤخراً نفذت أعمالأ بمقاس 2.5 متر في 1.4 متر، وهي تحديداً لوحات الحروفيات، فالحقيقة وجدت أن هنالك إمكانية لإبراز جمالياتها في لوحات بمقاسات كبيرة.
– إلى أي درجة يعاني الفنان التشكيلي مادياً لتوفير المواد الآولية لإنجاز أعماله؟
• الفنانون على مر العصور عانوا بشكل أو بآخر من أجل فنهم، ونقص مواد التلوين قد تكون واحدة من تلك المعاناة، وهناك منهم من عاش في زهد حتى يتمكن من توفير ألوان أو أصباغ ليستخدمها في عمله، منهم من اضطر لقلة الأصباغ أو عدم توفر ثمن الألوان، أن يستخدم دماء جسده، وذلك بأن يقوم بعمل جرح في جسده ليخرج اللون الأحمر، إنها حالة لا يمكن تفسيرها، هي حالة تفاعل داخل جسم الفنان، إنها كيميا، فحينما يصل الإنسان لحالة الرسم داخل تلك الغرفة المغلقة، سيحتاج لإفراغ تلك الشحنة التي تعتريه ليتبث لنفسه شيئاً ما، أو ليعبر عن مشاعر تختلج داخله، من خلال لوحة، فيكون في حالة شغف مطلق ينفجر كل ما بداخله ليظهر على شكل عمل فني ملهم، وحينما تنفذ منه الألوان أثناء الرسم ويجد نفسه محتاج للون معين لا يملك المزيد منه، تكون مشاعره وأحاسيسه وكأنه في قلب الصحراء ويحتاج لقطرة ماء تنقذ حياته، يشعر بأنه يحتاج لأي قطرة لون حتي يواصل رحلته. في فترة ما من سنوات ليبيا العجاف في ثمانينيات القرن الماضي، مر الفنانيين الليبيين بأوقات صعبة في توفير المواد والألوان، وأنا كذلك وغيري من الفنانين مروا بهذه التجربة بالذات في بداياتي كشاب، حين كنت أفتقر لثمن الألوان في بعض الأحيان، كنت في بعض الأحيان لا أملك ثمن تلك المعاجين أو الألوان الزيتية، رغم توفر أطقم الألوان الصغيرة الموجودة في المكتبات للأطفال، ولكن لصغر حجم تلك الأطقم، لا يمكن تنفيذ لوحة كاملة بطقم واحد، فكل لوحة تحتاج لعدة أطقم، ما يكلف الكثير من المال، لكنني لم أكن أستسلم فكنت أبحث عن أي شيء يمكن إستخدام صبغته، فلونت بالشاي والقهوة، وحينما أعجز كنت ألجأ لأقلام التلوين الخشبية كبيدل، المهم ألا أقف عاجزاً أمام إستكمال عمل يحاول تلقائياً البوح به.
– إلى ماذا تعزي عدم وجود كيانات تجمع بين الفنانين التشكيليين، من خلالها يمكن العمل على نشر ثقافة الفنون التشكيلية؟
• للأسف الفنان الليبي هو فرد من المجتمع الليبي وغالباً ما يكون إنعكاس طبيعي لهذا المجتمع، ولحالة الأنانية والتحفظ التى تنتاب أفراده فكما هو المجتمع لم يعتاد العمل الجماعي والعمل التطوعي، كذلك معظم الفنانين، مثلاً ستجد الكثير من الفنانين لا يؤمنون بالعمل مع زملائهم في نشاطات أو تكتلات أو كيانات تعمل على رفع ذوق وثقافة المجتمع، حتى وإن كان معظمهم يتمنى نشر هذه الثقافة، وستلاحظ أن الكثير من الفنانين يضعون حواجز بينهم وبين زملائهم، ولا أعرف ما سبب ذلك، لا أدري إن كان ذلك نابع من الغرور، أبسط مثال على ذلك أننا لم نسمع بأن فنان كبير أقام ورشة عمل لإيصال ما إكتسبه من علم أو خبرة للأجيال الجديدة، في الوقت الذي يحتاج فيه هؤلاء لخبرة من سبقهم.
– ما التحديات التي تواجه الفنان في تقديم منجزه الفني في مجتمع كالمجتمع الليبي؟
• التحديات كبيرة وكبيرة جداً، ففي السابق وقبل الثورة كان الحد من حرية التعبير من خلال الرقابة، وفرض الموافقات على ما يمكن عرضه من أعمال من قبل الدولة، قبل أن يعرض في أي معرض، حيث كانت الأعمال التي يمكن تفسيرها بما لا يتماشى مع سياسة النظام خط أحمرلا يمكن للفنان القفز عليه، وبالتالي فستجد محدودية شديدة في المواضيع المطروحة، ولا يمكن للفنان أن يتخطى الحدود المرسومة له مسبقاً، أما على صعيد المجتمع في تلك المرحلة، فالمجتمع كان همه الحياة اليومية والبحث عن حاجاته التي يصعب توفرها، وكما سبق أن ذكرت فإن مراحل التطور المجتمعي عند إشباع الحاجات الآساسية تصل بالمجتمع لمرحلة البحث عن الفن، والإرتقاء بذوقه وتقبله للفن بكل أشكاله وهنا تنتهي مقاومته للمفاهيم التي قد ينبذها، أو يرى أنها من باب الترف.
– ما هو البعد الفني لتقديم جسد الإنسان عارياً في بعض الأعمال الفنية، الآمر الذي يواجه في معظم الأحيان بالرفض؟
• الفنان عندما يبدأ الرسم لا يبحث عن مفهوم العري، الفنان يبحث عن التشريح الحقيقي لجسم الإنسان، ليعبر عن جمال خلق الله المتمثل في جسم الإنسان، ففي السابق كان الفنانين الآوائل مولعين بتشريح جسد الإنسان من هذا الجانب، وهذه مدرسة لسنا نحن من إبتكرها، ولكن مجتمعنا للأسف يرفض هذا نتيجة جهله بالدوافع الحقيقة، ورغم أن جسم الإنسان العاري قد يندرج لتوضيح مجموعة من الأفكار يمكن إثارتها من خلال الفن أو أعمال تجريدية مثل التعبير عن القهر أو الظلم او العنف أوالكبت الجنسي يمكن أن تعبر من خلالها حتى ما لا يمكن كتابته، وقد تكون رسالة يمكن إيصالها من خلال اللوحة، إلا أنه للأسف مجتمع مجحف ونظرته سطحية، والمجتمع الليبي في حد ذاته مجتمع مضطهد يعاني الجهل، مجتمع ذكوري بإمتياز، مجتمع به جانب عنصري، بطبيعته يواجه الفن بالرفض ويتهم الفنان بالخارج عن المقبول، يواجهون الفنان بعدة أدوات، سيواجهون الفنان بحجة المعتقدات، وبحجة العرف، ولذلك تجد أن العديد من الفنانين الليبيين الذي آرادوا تحدي المجتمع، إضطروا للسفر للخارج لإطلاق العنان لأفكارهم ويبحروا بعيداً فيها للتخلص من عقد المجتمع.
– معرضك الاخير الذي شاركت به كان معرض “دواية” الذي لاقى نجاحاً وإستحساناً كبيراً من الناس، فما ملاحظاتك حول إقبال الناس على الفن التشكيلي بشكل عام وعلى الحروفيات بشكل خاص ومدى إستيعابها لدى المتلقي، وحتى الإهتمام بها من قبل التشكيليين؟
• خلال معرض دواية لاحظت أن الزوار ينقسمون لشريحتين، أولهما عامة الناس بما فيهم من يتذوقون الفن التشكيلي، وجل هؤلاء لازالوا يركزون على النص ويبحثون عن معنى ما هو مكتوب في اللوحة، أي أن معظمهم لديه فكرة وينظرإلى اللوحة بأنها لوحة خطية أو أنها لوحة نصية، وليست على أنها لوحة حروفية تجريدية، فأغلب الزوار يسألون الفنان، “ما يعني هذا الحرف أوهذا النص وما تقصد بهذه الكلمة؟”، فهم يركزون على النص بشكل اكبر من التركيز على اللوحة بشكل كامل، وهم غالباً يشعرون بالإستغراب عن سبب رسم الحرف أو الكلمة احياناً بشكل غير واضح المعنى، أما بالنسبة للشريحة الثانية فهي تضم النخبة ممن أبدوا إهتمامهم وهي تشمل الخطاطين والتشكيليين، أما الخطاطين فمعظمهم ركز على تقنية الخط في حد ذاتها، وشكل الخط، فتجد أن تساؤلاتهم تنحصر في نوع الخط المستخدم، مثل “هل هذا خط فارسي، أم خط مغربي، إنه لا يشبه الكوفي”، وهنا يتضح أن تركيزهم منصب على الخط، وحتى إن كانت هناك ملاحظات منهم ستجدها في الجانب التقني من الخط، وقد يعتبر بعضهم أن لوحات الحروفيات تشوه الخط بإعتبارها لا تطبق معايير الخط، أما شريحة التشكليين فهناك من يبدي إعجابه كما هناك من يعتبر أن الحروفية هي مجرد لوحة تشكيلية أضيف عليها حروف، وبالتالي فإن لا شيء يميز هذا النوع من الفن، في حقيقة الآمر إن أقل من ثلث الفنانين التشكيليين والخطاطين، استطاعوا النظر لأعمال الحروفيات على أنها أعمال تجريدية تتخذ من شكل الحرف ورسمه الشكل الذي تظهر عليه بعيداً عن قواعد وتقنيات الخط، وأيضاً بعيداً عن النص الذي يحمل معنى.
– هل يعني هذا أن الحروفيات تجد صعوبة في تقبلها لدى المتلقي؟
• هناك من لا يعترف بأن الحروفيات نمط فني تجريدي جديد، ويرى أنها بالكاد تكون مجرد أعمال تجريدية صرفة، كما أن معظم الخطاطين يروا أن الخط قد يكون عملاً زخرفياً فقط وأن ما يسمى بالحروفيات قد يكون تشويهاً للخط، البعض يصف الحروفية أنها بالكاد زخرفة خطية، ويصفها آخرون بأنها تجريدية، فلا زال مصطلح حروفية لم يصل لعامة الناس، ولذائقتهم.
– العديد من متابعي “رضوان الزناتي” يرون أنك على الرغم من إنتاجاتك الغزيرة إلا أنك مقل في عرضها أو إقامة معرض خاص، وإقتصارك على المشاركة بأعمالك الفنية في معارض جماعية مشتركة، فما السبب يا ترى؟
• معظم الفنانين في ليبيا تجدهم يعملون في أعمال بعيدة كلياً عن مجال الفن، وهم يمارسون فنهم كهواية بالدرجة الآولى، وترى منتوجاتهم في معارض خاصة كل ما أتيح لديهم عدد من الأعمال يمكن عرضها في معرض خاص، حقيقةً كوني أقوم بأشباع رغباتي الفنية بتقديم إنتاجات فنية متنوعة في مجال عملي الذي هو أساساً يعتمد على الفنون وشغفي وهوايتي، يجعلني مقلاً بعض الشيء في العمل على تجهيز أعمال لإقامة معرض خاص، هذا عدا أن معظم ما أقوم بتنفيذه من لوحات غالباً لا يتم جمعه حتى يصل لعدد يناسب عرضه في معرض خاص، لإقامة معرض شخصي يستوجب وجود عدد لا يقل عن عشرون لوحة مثلاً، وعلى الرغم من أنه تنتابني الرغبة في الكثير من الأحيان في تجميع عدد من الأعمال، إلا أنه غالباً ما يتم حجز هذا الأعمال أثناء تنفيذها أو بمجرد الإنتهاء منها، ولهذا لم أستطع توفير الكمية المناسبة من الأعمال لإقامة معرض شخصي واحد حتى اليوم.
– كنت ممن صمم العملة الليبية الجديدة وفزت بالترتيب الأول ضمن مسابقة لتكون أعمالك الفنية على هذه العملة، هل فكرت قبل ذلك في تصميم العملات، أو مارست تصميم العملات فيما سبق، أو حتى حاولت ذلك، أم أن المسألة جاءت بالصدفة؟
• كوني مصمم جرافيك كان هذا عاملاً رئيسياً لمساعدتي في تصميم العملة، وفكرة تصميم العملة وردت لذهني في آلآيام الأخيرة من الثورة وحتى قبل إعلان التحرير، كون سقوط النظام السابق سيستدعي تغيير العملة بعملة جديدة، والطرفة في الموضوع أنه لم يكن هناك في البداية أي مسابقة لتصميم العملة، وقد تكون فكرة إنشاء وإطلاق مسابقة لتصميم عملة جديدة جاءت نتيجة مبادرتي بتصميم مقترح لعملة ورقية جديدة قدمتها في ملف لإدارة الإصدار بمصرف ليبيا المركزي بمجرد تحرير طرابلس آن ذاك، وبعد مرور ثلاثة أشهر من تقديمي للمقترح، تم الإعلان عن مسابقة لتصميم عملة جديدة، وأعتقد أنني من أوحى لهم بالفكرة، بالذات وأنه في السابق كانت شركات أجنبية هي التي تنفذ التصميمات، وأعتقد بأنهم وجدوا بتقديمي لملف المقترح أن من الممكن تقديم مقترحات وتنفيذ تصميمات من قبل فنانين ليبيين، وبعد ذلك أتصل بي مصرف ليبيا المركزي ليعلمني بأن المصرف يفكر جدياً في تنفيذ مسابقة، وطلب مني أن أقوم بإستلام ملف مقترحي الذي قدمته، وإعادة تقديمه من جديد وفق الشروط التي سنضعها للمسابقة، وبعد الإعلان عن قائمة شروط المسابقة في موقع مصرف ليبيا المركزي على الإنترنت، قمت بإجراء عدة تعديلات في تصميماتي وفق الشروط الموضوعة وأعدت تقديمها في الموعد المحدد، وبعد مرور شهر تم الإعلان عن أن هناك ثلاثة أشخاص فازوا بين المتقدمين للمسابقة، وأتضح فيما بعد أن هؤلاء الثلاثة أختيروا كونهم الأفضل ممن تقدموا ولديهم الإمكانيات الفنية لتصميم وتنفيذ تصميمات تتماشى مع المقاييس العالمية للعملات، وأن إختيارهم تم بناءً على مستواهم الفني وليس على ما تقدموا به من مقترحات، أي أنه لم يتم إختيار أي من المقترحات المقدمة لإستخدامها في العملة الجديدة، وتم إستدعائنا نحن الثلاثة بعد تشكيل لجنة متكونة من ثمانية من كبار الفنانين الليبيين، من بينهم الأستاذ علي العباني، والصويعي، وأنور بزع، وهادية قانة، والمنتصر، وذلك للإشراف على تحديد من سيقوم بتنفيذ التصميم بإجراء مفاضلة بين الفائزين الثلاثة، وخلال ثمانية أشهر من العمل على المقترحات والأفكار للتحضير لإنجاز التصميمات النهائية، حتى من خلال إقامة ورشة عمل وذلك ليتم إختيار الأنسب بيننا للتنفيذ، وكانت النتيجة النهائية بإختياري في الترتيب الآول إلى جانب السيد طارق الزليطني كأول مكرر، ونتيجة لقوة الأعمال المقدمة من كلينا تم إختيارنا للعمل معاً ولجمع أعمالنا معاً في عمل واحد، وعليه تم إقتسام تنفيذ الأعمال فنفذت جزء وقام هو بتنفيذ جزء آخر، بعد أن تم التعاقد بشكل رسمي مع مصرف ليبيا المركزي لتصميم وتنفيذ العمل مقابل قيمة مالية تم إقتسامها مناصفةً بيني وبين زميلى، وبهذا تم تصميم العملة وتنفيذها ومن ثم طباعتها وتداولها.