دلالات الألوان في النص الإبداعي عند الشاعر الليبي المهندس رامز رمضان النويصري، تمثل ملمحا جماليـا فـي الشـعر الليبي المعاصر، تواكب فيه نصوصه الحياة الليبية في بيئاتها وفي بعض الأماكن خارجها، والتي وافقت أن كتب بعض قصائده فيها، وقد إرتبطـت بعض نصوص رامز النويصري الإبداعية برمزيـة اللـون بشـكل نفسـي، لذا فقد كـان للون حضوره المميز في عدداً من قصائده، وقـد وظـف الألوان فيها لتكون عنصـرا يســتمد منــه كمبدع بعــض طاقاته الإيحائية. وحفلت الكثير من القصائد والنصوص الإبداعية للشاعر رامز النويصري بالدلالات اللونية التي خصص لها مسـاحات مفتوحـة الحـدود فـي صـفحات دواوينه لتسهم في تصوير الفكرة التي يهدف لإيصالها من خلال توظيف اللون. وكما سيتضح جليا في هذه البسطة الموجزة في أن الألوان المختلفة والمتنوعة لم ترد مصادفة في شعر النويصري، بل كانت لها قيمة خاصة عنده تعبر عن دلالات رمزية أو مباشرة، لها قيمتها الكافية التي أسهمت في تجميل كل نصوصه وزادت من قيمته الفنية كفارس شعر مهم في اللغة العربية.
قرأت تقريبا كل قصائد الشاعر رامز النويصري.. وفي أغلبها تحضر فرشاة الرسم وعلبة الألوان لتعكسا مدى شغف هذا الشاعر المرهف الإحساس بالرسم والتلوين ومزج الأصفر والأبيض والاحمر والاخضر والبرتقالي والأسود وكل الألوان الجميلة لينجز في كل مرة بكلماته المنتقاة بعناية لوحة شعرية متكاملة الابعاد. رامز في قصائدة الكثيرة المتعددة يوظف اللون ويحوله لدلالة نصية يصل بها للقاري ويجذبه بجمالية ألوانه المتمازجة، التي يعتمد عليها لرسم فكرته العامة في كل نص ابداعي يكتبه، وأحسب أن لم تخل قصيدة من قصائده بدون الإشارة مباشرة أو بشكل غير مباشر للرسم والألوان، وكأنه في الأصل رسام يعشق الفرشاة ويرسم اللوحات الفنية، كما يرسم ويلون بالكلمات قصائدة المعبرة.
وقد لفت أنتباهي وأنا أقرأ بشغف دوواين النويصري أن توظيفة للون في نصوصه التي كتبها داخل ليبيا تختلف عن تلك التي كتبها خارجها، وهناك تباين واختلاف بين نصوصه الشعرية التي ولدت وهو في طرابلس المكان الذي يسكن فيه وبين تلك التي كتبها وهو بعيداً عن مدينته ومقر سكناه. ففي مجموعته الشعرية التي تضمنت عدد مهم من النصوص والقصائد الجميلة، وأختار عنوانها (بلاد تغار من ألواني الزاهية) تعكس شغف وعشق رامز للون والرسم والفرشاة، فقد حضرت كل الألوان تقريبا في قصائد هذه المجموعة والتي كتبها في مدينة نيوكاسل البريطانية مابين (2007-2009م) فتشعر وأنت تقرأ قصائد هذا الديوان ومجمل قصائد ودواوين النويصري الأخرى أنه كان قبل أن يحترف الشعر رساماً يعشق الفرشاة ويرسم اللوحات الفنية، كما يرسم ويلون بالكلمات نص قصائده المعبرة، فحضرت ألوان جميلة في معظم قصائد هذا الديوان مصفوفة مرتبة، وظفها بعناية في متن نصوصه فيعكس بشكل مختلف كل لون من ألوان رامز الحالة الشعرية التي يود نقلها للمتلقي فتمتزج الألوان لتعطي الصورة كاملة متفردة كما يريدها الشاعر. ففي قصيدة (وجه الصوت) يوظف الشاعر غياب اللون الأبيض ليعبر عن حالة من حالاته وهو منزويا في غرفة بعيداّ عن ليبيا وطنه فيقول:
…. والقهوة باردة تؤلمني
ألعن سلسلة الحلم والتمني
واللون الأبيض
ينسحب
يشكل فرقة سحاب، وجيش برد.
بينما يوظف اللون الأحمر في قصيدة (وجه الفراغ) حين يقول:
أيها المهيب:
كيف لايخاف الأحمر الصباح؟
ولايشتعل !!!!
يربكنا !!!!
يحطنا من عل !!!!
ويستمر الاحتفاء باللون في معظم قصائده بهذه المجموعة ففي قصيدة (تغلغل) ينقل رامز للقاري حالته في الغربة موظفا اللون كله فيقول: (اللون عديم الرائحة، والفراغ ضحل). وفي مفارقة ذكية لطيفة لم يستخدم النويصري اللون بشكل مباشر في قصيدته (بلاد تغار من ألواني الزاهية) التي تحمل عنوان المجموعة، لكنه يمضي موظفا اللون كلما سنحت له الفرصة وهي تسنح دائماً كما سنحت له في قصيدة (وجه الحكاية) بمقاطعها السبعة فيبدأها بالابيض: مالمغري في حكاية بيضاء؟
ثم يتكرر توظيفه لنفس اللون بأشكال مختلفة زاهية في نفس القصيدة (ناعم بياض السقف)، (أتذوق اللون الابيض)، (لايغريني اللون الابيض)، (ناعم بياض السقف) لكنه في المقطع الخامس يستخدم اللون الداكن دون أن يشير ماهو (صوت الصفير يحجب اللون الداكن) ثم يحول وجه حكايته للون الأخضر في مقطعها السادس مبينا أن وجه الحكاية أخضر:
حكاية خضراء
يعدني صدرها بالنوم على العشب.
في قصيدته الجميلة (حافة وطن) التي كتبها في شهر مارس عام 2013م، يقرر رامز أن يحول قصيدته إلى لوحة تشكيلية مرسومة وملونة فيقول في مقطع جميل فيها:(أرسم الدرب باﻷلوان المائية ليمحوها ندى الصباح، فيضيع)…. ومن خلال المقطع السابق يتضح مدى تعاطف رامز مع الألوان المائية حتى يرسم بها دربه كله (أرسم الدرب باﻷلوان) كل الألوان دون ان يحدد شكل اللون الذي يقصد، ثم يمضي الشاعر ليقدم من خلال توظيفه (اﻷلوان المائية) فلسفة لافتة تخصه في التعبير عن اﻷلوان المائية، وتداعيات عدم بقائها على حالتها بسبب ندى الصباح، فتختفي ويضيع دربه معها (ليمحوها ندى الصباح، فيضيع). وتعصف قصيدته (عصف) في كل مقاطعها بالألوان فحضر اللون الأحمر الرخيص، في مقطعها الأول:
هذا فجرُكَ
ليس لي منهُ إلا الرصاصُ والدُخان
لونهُ الأحمرُ الرخيص
وسلطانُ الفاجعة.
وحضر لون الدم في مقطعها الثاني:
لونكَ يأسرك
دمكَ يحبسُك
سأرسمُ ملامحكَ بعناية
اسمكَ وتفاصيلَ الحكاية
سأحرصُ أن أدوّنَ الأحداثَ المهمة بالأحمر
وختم رامز في المقطع الثالث مهرجان الألوان في (عصف) فحضر الأزرق والأسود والاخضر فقال:
متن الروايةِ بالأزرق
للمأساة لونها الأسود
وللهامشِ صراحةُ الأخضر.
رامز مازال يعشق الألوان ففي قصيدة (غرفتها الصغيرة) يصف الغرفة ويخص دولاب فيها بكل ألوان الربيع فيقول:
طاولة بلا أوراق أو كتب
كرسي
دولاب بألوان الربيع
ويمزج رامز في قصيدته (انتحار) اللون الأزرق مع الأبيض والاصفر فيقول: (فقط أنا وبعض الصور، والقليل من اللون الأبيض، وقطرات من اللون الأزرق، وربما قطرة أو اثنتين من اللون الأصفر). وفي مقطع أخر من نفس القصيدة يحضر الأبيض متوجا بتلبية رغبات الأطفال براحا لمن يود الرسم فيقول: (أيضاً للأطفال مكانهم الخاص، حيث الكثير من الألعاب، والأوراق والألوان، وقد تركت الحوائط بيضاء، لمن يحب الخربشة). وفي نص (دروب) لايمل رامز من الرسم بالكلمات ويمزج في أحد مقاطع النص بحرفية متناهية سلة من الألوان فيقول:
مصفراً في ابتسامتهن
أحمراً بعد السِّواك
داكناً في العيون
والمقام هنا لايتسع لعرض المزيد من شغف رامز رمضان النويصري بالألوان، رامز الذي يجتهد ويوفق في أغلب قصائده ليطاوع اللون مضمون كلماته شعراً. لكنها مقدمة قصيرة لدراسة مطولة عن التشكيل اللوني ودلالاته المباشرة وغير المباشرة في شعر صديقي رامز رمضان النويصري فتحية له.
________________
نشر بمقع ليبيا المستقبل