لمن تتفتح الزهرات؟؟ سؤال أطول من إجابته !!، في هذه القصة كما في قصص أخرى، تلجأ الكاتبة الى تبني الاسلوب الشرقي الأصيل، وهو المتمثل في أنسنة الحيوان أو النبات أو نفخ الحياة في الجمادات، وايهابها ألسنة تتكلم بها، وتتحاور مع بقية المخلوقات والاشياء.. احتوت القصة على رمزية يتصارع فيها الخير مع الشر ، ويتبادلان التلاحم في مرات عديدة، الشر يهاجم متمثلاً في الجرد، والخير يدافع عن قيمه، المتمثلة في( زهراء) تلك النبتة التي مُنحتْ اسمُها من أحد الكواكب السيارة المعروفة، في النهاية الجرد بقي وحيداً وانتهى وحيداً، بينما (زهراء) تساقطتْ منها الكثير من حبات اللقاح، التي نبتت كبراعم عديدة وجديدة، تضعنا الكاتبة بلغة سهلة ومتميزة أمام تساؤل، شجرة سامقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا شرقية ولا غربية، في اطراء قدسي لهذه الشجرة!، فهل هي رمزية مسطحة وقريبة، وربما مبتذلة، ونبقى نتأرجح ما بين أقصى النص وأدنى المعنى، أو العكس ؟؟ لمن تتفتح الزهرات؟؟ !!، سؤال غريب، تقف أمامه – محتاراً – لبساطة الاجابة عليه، فالزهرات تتفتح للحياة، وليس لشيء آخر اهم من هذه الحياة.
قصة (شهريار بلون الحاضر) تعاطي من نوع آخر، يقع في رابعة النهار بين شهريار وشهرزاد ، في حوار من طرف واحد، وقد جاء على هيأة تساؤلات جوهرية ومهمة في الحياة، عن بعض القيم المعروفة لدى الجميع ، في هذه المرة ليس لتخلّص شهرزاد نفسها من الموت وكفى ، ولكن لتنغمس أكثر في الحياة بجدية ، محاولة الدخول في حوار قد يأتي غير متكافئ، ولكن حتما سيأتي مفيداً في كل الأحوال ، عندما الحت عليه بالتحدث عن الأدب، أشار عليها بالأوزات الجميلات التي تسبح في البركة المجاورة ، لكنها على ما يبدو لا تريد الاستمتاع بالنظر الى لوحة جميلة جاهزة من الطبيعة ، بل تريد الاستماع الى ابداعات الانسان، سواء قصيدة أو قصة، جاء النص في لغة ناضجة وواعية ، ودائماً النصوص التي على هذه الشاكلة تحتاج الى تأويل ، لأنها على ما يبدو كُتبتْ من أجل التأويل كطريقة ابداعية، لإيصال مغزى المضمون، والا فقدت احدي خواصها الفنية والجمالية..
ونجد الكاتبة عائشة بازامة عند مواقف أخرى في لغة ميسرة وممتعة باستعمال دقيق، وتأدية موفقة قد استفادت، من التفاصيل المألوفة والدقيقة التي أهملها خيال الكثيرين، واستثمرتها الكاتبة بعين ثاقبة لصياغة قصة رائعة ( قصص من هذا النوع تحمل طرافتها بجدارة )، مثل قصة ( القفاز الاسود ) وهي تمرد مستمر، والتي تحمل نداءً ودعوة ملحة الى الحرية ، حرية الأصابع ، وما يحمله هذا من دلالة على حرية الكتابة، اضافة الى حرية المرأة بشكل عام وهي تحمل معها سجنها فوق ظهرها أينما حلت (كفن الأحياء)، و تقيدها تقاليد ظالمة، عفا عنها الزمن، لكنها لازالت مترسخة لدينا. ما بال نفسي تسجن نفسي؟ تساؤل كبير تطرحه القصة، عند اختراق نصوص مثقلة بالتغميض، وكأني بها تشاكس مفاهيمها، أو تتبرأ من الوضوح المعيب، والمباشرة في الأسلوب، وهنا يكمن شيئاً من التحدي، لدى الكاتبة نزعة ظاهرة لمناوئة الواقع المرير، متخذة مواقف نقدية منه، سؤال الحرية الذي يؤرق الكثيرين من مثقفي البلاد، يقترن بسؤال الابداع في هذه النصوص، فهل الابداع مخلوق تخلقه الموهبة والذائقة، أم مجرد كائن مسبق تم اكتشافه من قبل المبدع فقط؟
نقف طويلاً عند قصة (سحابة) ملاك صغير تحمل اصبعا سحرياً، يحرك بإشارة منه السحب وهي في سماها.. الى أن يأمر احداها بالتوقف ليخط على ظهرها قصيدة ثم يغفو (مطمئناً)، وكأنه الاله ابوللو. قصةٌ حملتْ قصيدةً، ثم تلتحم سحب الحروف – بعد أن تشبعت ماء – بالأرض الظمأى.