مسعود صالح مسعود
هل نُعطي للوطن فرصة أُخرى رغم كُل الخيبات فيه؟ أم نرحل عنه من دون الالتفات إلى الوراء؟
القضية:
في هذه الرواية تُثِير الأديبة والروائية الليبية، رزان نعيم المغربي، قضية واقعية مهمة جدًا، وهي عجز بعض الحكومات العربيّة والأفريقية، عن توفير فُرص العمل، وسُبل الحياة الكريمة لمواطنيها. ممّا يضطرهم إلى اتخاذ قرار الهجرة الغير شرعية إلى أوروبا، عبّر ليبيا -طرابلس تحديدًا- فالهجرة كما تقول: “هي هروب من مواجهة القدر في مكان واحد.” كل ذلك من أجل فرصة لبداية صفحة جديدة، من حياتهم هناك. صفحة يحرقون قبلها ذاكرتهم، ماضيهم، تاريخهم، وكل مؤهلاتهم، وكأنهم لم يعودوا يمتلكونهم منذ ذلك الوقت وصاعدًا.
الوطن والانتماء:
تتساءل المؤلفة حول أسباب تمسُّك هؤلاء الأشخاص، بالهجرة رغم كل المعاناة التي قد يتكبدُونها، أثناء تلك المغامرة التي من الممكن أن تُكلفهم حياتهم.
(أسأل نفسي بصوت عال: لماذا يصمتون؟ لماذا يخجلون الانتماء إلى أوطانهم؟ إن كانوا قادرين على تكرار الهجرة بعد فشلها، بالرغم من الموت، لماذا لا يكرّرون خوض تجربة جديدة على أرض وطنهم إذا ما خذلهم مرة؟ لماذا لا يستحق الوطن أن نعيد معه الكر والفر؟ هل الهروب أسهل من المواجهة؟ أم أن المواجهة أرحم، ومواجهة الصلف الأوروبي أقل قسوةً؟).
عالم المرأة وأسرارها:
تربط الكاتبة، أيضاً، قضية الهجرة بمدينة طرابلس، عبر وغُولها في عالم المرأة وأسرارها، متجسدًا في قصص دمجت فيها مفاهيم الحب، الزواج، والخيانة لمجموعة من النسوة (نساء الريح) اللاّتي يقطُن عمارة سكنية وسط طرابلس، بإطلالة على شاطئ البحر وأبراج ذات العماد. لنشاركهن تفاصيل يوميّاتهم، هُمومهم، وصداقاتِهم التّي يشوبها الكثير من الكُره والشّك.
نساء الريح، نسيج روائي في حٌب طرابلس:
لغة رقيقة ناعمة مليئة بالحب والرفاهة، تصّف رزان، محبوبتها، مدينة طرابلس. مرورا بطريق الشط، شاطئ البحر، منتزه باب البحر، المدينة القديمة، وقوس ماركوس وما يحيطه به مقاهي ومراسم الفنانين التشكيليين.
وتضيف معبرة عن رأيها في أولئك الذّين يأتون إلى هذه المدينة طمعًا في خيراتها، ويعاملونها وكأنها محطة عبور، لبناء مستقبلهم لا أكثر.
فتصِف رزان طرابلس في هذه الحالة وكأنها:
(مدينة مستعارة لأولئك المنقبين في أرضها عن المال والصفقات. يحفرون شوارعها ويرحلون إلى مدن أخرى يبنون فيها ناطحات سحاب بما كسبوه من خيراتها. إلا أن طرابلس لم تكن يومًا مدينة لهؤلاء الناكرين فضلها. لطالما كانت مدينة كادحة لأولئك الطيبين الموتى عشقًا لترابها وبحرها).
عن الرواية:
تتألف من 192 صفحة. بدأت كتابتُها عام 2008 ونشرتها الدار العربية للعلوم ناشرون في عام 2011. ويُذكر أنها كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية لنفس العام.