لدينا خبرات في كل المجالات والفن التشكيلي جزء من هذه المجالات الذي لدينا فيه متميزين ومتفوقين , بل نستطيع أن نقول أن لدينا فنانين تشكيليين عالميين , وأحد هؤلاء الفنانين – في نظري طبعاً ويوافقني في ذلك الكثيرين باعتقادي – هو الفنان موسى أبوسبيحة صاحب الأعمال الزيتية الرائعة التي بمقدورها أن تستوقف الرائي بمواضيعها المتعددة والغالب عليها الطبيعة والطبيعة الصامتة والمشهد المتكامل أو البورتريه الذي يبرز بعض الأشخاص وهم يمارسون مهنتهم كما فعل مع صيادي الأسماك مثلا . يستطيع أي فنان أن يرسم كل هذه الأشياء التي تعتبر من أساسيات احتراف الفن التشكيلي ويمر بها كل متعلم مبتدئ , سوى أن أسلوب كل فنان هو ما يجعل رسم المنظر الواحد يتفاوت في الجمال , وموسى أبو سبيحة صاحب أسلوب متميز غير كلاسيكي هو أقرب إلى أسلوب فان جوخ وبول سيزان وبعض الدارسين والمجربين الكبار خاصة فيما يتصل باللون وتجلياته في العمل الفني , فلوحة أبو سبيحة تكتظ بالألوان من كل جهة وتنطوي على قدر كبير منه ولا تقتصر على الألوان الطبيعية الصريحة ولا ينقل أسلوبه الألوان الطبيعية كما هي بل يحور فيها ويبدل ويضيف دون تردد وبجرأة يُحسد عليها وهي الجرأة التي تُكتسب بالمِران والدربة وهذا برأيي ما يميز لوحته التي تبدو وبعد اكتمالها كفاكهة طازجة أقتُطفت لتوها من شجرتها , ويحتار المرء في تذوق تفاصيلها المتراصة فهل يركز على اللوحة ككل أم على الشكل العام أم على المضمون والتقنيات المستعملة فيها أم على الأسلوب أم على الألوان الممتزجة ببعضها البعض في تناغم قل أن نعثر عليه في لوحات فنانين آخرين !!!!. يبدو الفنان في لوحاته المتعددة جريئا في طرح اللون الذي يعطيه الأهمية الكبرى على حساب العناصر الأخرى كالشكل والرسم أحيانا فيخلط ويخلط إلى ما لا نهاية ومع كل خلط يحصل على ألوان جديدة تُعطي لوحته طابعا خاصا بها , وبخلاف الفنانين الذين يتعاملون بحذر مع اللون ولا يذهبون بعيدا في عملية التجريب والأجتراح العفوي ويكتفون بالمتاح والمُتجلي من الألوان , يذهب موسى أبو سبيحة قصياً في عملية مزج الألوان وتراه مسرفاً في طرحها على السطح المتعطش كما لو أنهُ مطالباً باكتشاف إمكانياتها المخبوءة في مرة واحدة , يفعل ذلك بالفرشاة و بأصابعه على حدٍ سواء وبضربات خاطفة ولمسات نهائية وجريئة على سطح اللوحة مباشرة وليس على الأداة المخصصة لذلك , في حين يفكر غيره من الفنانين كثيرا قبل إقدامهم على خطوة كخطوته.
ويستطيع الفنان تبعاً لهذا الأسلوب أن يستمر إلى ما لا نهاية باعتبار أن كل لوحة نوع من التجديد والتجريب لأنها تحمل من الألوان المتداخلة طبقاتها مع بعضها في انسجام غريب وشهي ما لا تحمله اللوحات التي سبقتها ولأن عملية خوض التجربة لها بداية وليس لها نهاية فكلما أمعن الفنان في الأستغراق في دراسة اللون كلما تكشّفت لهُ أسراره وأفرج عن بعض مخبوءاته , واللون كاللغة بالنسبة للشاعر كلما أسبغ عليها من خياله وتجريبيته أفضت به إلى أجمل القصائد وأعذب الشعر , واللون له من الأسرار والخفايا ما لا يقدر إلا المجتهدون أن يكتشفونه وليس فقط يكتشفونه , بل يتلذذون باكتشافه وتذوقه بحواسهم , فالفنان الذي يتعامل مع اللون ويوليه الأهمية القصوى في لوحته يصير واللون اصدقاء وتنشأ علاقة حب وشغف ما بينهما , وكل هذ يصب في صالح اللوحة وتقدم الفن, كونه هو الآخر شيء ضروري ومطلب أساسي للإنسان , فالإنسان مثلما أنه محتاج للأكل والشرب وهذا من الضروريات , يحتاج إلى إشباع غريزة حب الجمال في نفسه والأنقياد لكل ما هو فني وجاذب .
والتشكيل هو أحد وسائل هذا الإشباع مع الموسيقى والأدب وغيرهما من الفنون المعروفة , بل أنهُ يكاد يكون الأول في قائمة الفنون , والفنان أبو سبيحة يمتلك لا شك أدواته التي تؤهله للتميز ويمتلك أسلوب ينزاح به عن الكثير من المُتاح والسائد في المشهد التشكيلي الليبي اليوم , بيد أننا كمتابعين للفنان ومنذ سنوات ليست بالقليلة لاحظنا ثباته على هذا النمط من الرسم ومراوحته فيه , ونختتم هذه المقالة المتواضعة بسؤال للفنان حول خططه المستقبلية أن كان لديه خطط موضوعة , وإلى ما أفضت به هذه التجربة , ونحن كمتلقين ننتظر نقلة سواء على مستوى التقنيات أو على مستوى المضمون , نقلة تنزاح به ولو قليلا عما اعتاد الفنان رسمه , وأكاد أُجزم أن لوحات كثيرة أُنجزت بهذا الأسلوب وهذه البصمة , فهل ثمة انزياح يخطط له الفنان أم أن تجربته