سيرة الشاعر:
ولد أحمد رفيق المهدوي في (فساطو) سنة 1898م. في شهر يناير، في ليلة شاتية ذات برق ورعود وأمطار عندما كان والده (محمد أمين) يشغل منصب (قائمقام) في مدينة فساطو بالجبل نفوسة، وجده أحمد المهدوي من مسؤولي الدولة العثمانية كان عميداً لبلدية بنغازي، وانحدر من بيت عريق ذي ثراء وسعة، يحفل بالتعليم ويجل العلماء، ويرتقي نسبة إلى الأدارسة في المغرب الأقصى.
تلقى أحمد رفيق تعليمه الأول في (نالوت) عندما انتقل مع والده إليها فدرس القرآن الكريم بها، ثم انتقل إلى مدينة مصراته، ودخل المدارس النظامية التركية. وكان إلى جانب دروسه في المدرسة التركية يتلقى دروساً في اللغة الفرنسية في مدرسة خاصة يديرها أستاذ يدعى (العنقودي). وانتقل بعد ذلك إلى (الزاوية الغربية) عندما نقل والده إليها سنة 1908، وهناك نال الشهادة الإبتدائية باللغتين العربية والتركية، ودخل المدرسة الإعدادية بطرابلس سنة 1911م. وهي السنة التي غزت فيها إيطاليا شواطئ ليبيا، فاضطر رفيق إلى ترك مقاعد الدراسة مدة سنتين هاجر بعدهما إلى الإسكندرية مع أسرته التي وجدت فيها مراغماً كثيراً وسعة. وهناك التحق رفيق بمدرسة (الفرير) الفرنسية، ولم يمكث بها إلا قرابة عام انتقل بعده إلى المدرسة العزيزية برأس التين، ونال الشهادة الإبتدائية المصرية، فدخل المعهد الديني بالإسكندرية، وتلقى دروساً في التفسير والحديث والبلاغة وعلوم العربية الأخرى مدة سنتين، ثم تحول إلى مدرسة الجمعية الخيرية، ودرس بها سنتين، غير أنه قبل امتحان الباكالوريا اضطر إلى العودة إلى بنغازي ليبدأ مجالدة الحياة العملية، هذا تتبع مختصر لأطوار رفيق في التعليم المنتظم، أما تكوينه الثقافي، فيمكن الاهتداء إليه بتلمس نقاط تفاعله مع الحياة وتطورات الأحداث التي مر بها أو مرت به، ولعل في حديثه عن شاعريته وبداية تكوينها ما يرشدنا إلى أول مصدر بذر في تفسه الأدب والشعر فهو يقول: فالسبب الأول والأغلب أن لترانيم والدتي حينما كانت تنيمني وأنا صغير لها تأثير في روحي لأني ما زلت أذكر عذوبة صوتها وكلامها الموزون على حركة الأرجوحة وبالطبع فإن البيئة الأولى والمهاد الذي شب فيه رفيق كان له بالغ الأثر في تكوينه الثقافي والنفسي أيضاً، فنشأته في بيت من بيوتات العلم والجاه زرعت في أعماقه أنفة وكبرياء كان لهما ميسم خاص في شخصيته فيما بعد.
ونشأته الدينية وثقت ارتباطه بالمبادئ التي فطر عليها، ونمته إلى أصول لها قدم راسخة في نشر الدين ورعاية فروعه والمحافظة على قطوفه، وتنقله مع والده من مدينة إلى أخرى ومن بيئة إلى بيئة تختلف عنها وسعت من مداركه، وأنضجت تفكيره مبكراً، ولعل انتقاله إلى طرابلس وهو في سن اليفاعة جعله ينصت لكل ما كان يدور في المجتمع المديني الكبير ففي تلك السنوات، وأخطر ما فيه حديث العداء الإيطالي لوطنه وتخوف الناس من عدوان إيطالي مرتقب، وكانت الصحف الليبية قبيل الاعتداء تخوض صراعاً ضاريا ضد الصحف الإيطالية وكان هذا الحديث ملء الأسماع والأبصار، فأشرب رفيق صدى ما يدور في مجالس المدينة، وهو لم يتعد الثالثة عشرة بعد، وهي سن ” يدق فيها الحس ويرهف فيها الشعور ويخصب الخيال فكانت أصداء هذه الأحداث تتردد في نفسه عميقة متداركة تثير حماسة وغيظه جميعاً فتكون بذلك شعور بالوطنية تشربه رفيق يافعاً فملك عليه أقطار وجدانه ورسخه معايشته لفترة الجهاد الأولى، ولاسيما أن والده كان مسؤولاً عن تنظيم حركة الجهاد في مدينة الزاوية كما يقول معاصره الطاهر الزاوي: “وكأني أنظر إليه وهو واقف أمام قصر الحكومة يشرف على تجميع المجاهدين لإرسالهم إلى منطقة الجهاد.
يا أيها الوطن
احمد رفيق المهدوي (كتبها في المنفي عام 1936م)
يا أيها الوطن المقـــدس عنـــدنا
شوقا إليك، فكيف حالك بعدنا
كــنا بأرضــك لا نــريد تحـولا
عنها ولا نرضى سواها موطنا
في عيــشة لو لم تكن
بالذل كانت ما ألذ وأحسنــا
عفنا رفاه العــــيش فيك، مع العدا
وأبى لنا شمم النفوس وعـزنا
وسما بنا شــــوق إلى حريـــة
دسنا إلى استنشاقها سبب الغنى
مــن كــان يوقن أن أسـباب الغنى
بيدي كريم عاش حرا مؤمنـا
والحـرص من ضعف اليقين ومن يطع
طبع النفوس يعش خسيسا هينا
يــا أيها الوطن العـــزيز وإن نكن
بنّا ففيك حبيبنا ومحبــــنا
بنّا فما عــنك استــــطاع تصبرا
قلب ولا فيك اطــمأنت نفسنا
أما هـــواك فلا لزوم لذكــــره
(فالحب ما منع الحديث الألسنا)
لكن ما شاهـــدت فيك مــن الأذى
والحيف دوما قد أغص وأحزنا
لا يستطيع الحـــر فيك معـــيشة
لا إذا رضي الإهـانة مذعنا
جعـــلوك مسخـــرة بأيدي صبية
لا يبعدون مـن الحمير تمدنا
حكمـــوا كما شــاءوا فكانوا محنة
(والحـر ممتحن بأولاد الزنا)
قــالوا لقد جئنا نمــــدن أرضكم
ين التمدن والذي قــالوا لنا
هـدموا من الأخـــلاق في أوطاننا
أضعاف ما شادوه فيها من بنا
إن العهـــود وما وعــدتم كــله
كذب على مــر الزمان تبيّنا
أمن العــدالة والتمــــدن
غصبا ببخس ليس يذكـر ملكنا
جرتم على أربـــابه فتشـــردوا
في كل قفـر لم يصيبوا مسكنا
تحت السماء على الصحارى
مثل الوحوش فلا هناك ولا هنا
خرجوا بلا مــال فصاروا عرضة
للفقر والبأساء يعقـــبها الفنا
يا من تطوح في البــلاد مهاجرا
مثلي وخــلاها لمن قد (طلينا)
لا ترجعوا يا أهل برقة واصبروا
فالصبر يجمل بالذي يبغي المنى
كونوا على حذر ولا يغـرركمو
وعد فيوم الفــوز يوم قـد دنا
وخذوا النصيحة من محب مشفق
صدق الحديث ولا تقولوا من أنا
من أعظم واشد قصائده تأثيراً قصيدته الموسومة بغيث الصغير… هذة واحدة من روائع المهدوي:
لم أكن يوم خروجي من بلادي بمصيب..
عجباً لي ولتركي وطناً فيه حبيبي!
وطناً فيه أناسي.. وبه مسقط رأسي..
لست ما عشت بناسي.. لذة العيش الخصيب
بين أهل وقريب.. وصديق وحبيب..
لم أكن يوم خروجي من بلادي بمصيب..
عجبا لي ولتركي وطنا فيه حبيبي .
عجبا لي يا بلادي.. كيف ضيعتي رشادي !؟
لم أوفق في اجتهادي.. حين فارقت حماك
وتوطنت سواكِ.. بان لي قدر الغريب..
لم أكن يوم خروجي من بلادي بمصيب..
عجبا لي ولتركي وطنا فيه حبيبي..
أترى يذكر حبي؟ أم سلا حبي لبُعدي؟
ورأى في الناس بعدي.. من له مثل ولوعي
في هواه وخضوعي.. ووفائي لحبيب !
لم أكن يوم خروجي من بلادي بمصيب..
عجبا لي ولتركي وطنا فيه حبيبي..
ان من عاش وحيداً.. عاش لا شك كئيباً
وإذا كان أديبا.. عاش مهموما مضاعاً
ينفق العمر التياعاً بين شوق ونحيب
وهذة اخرى باللهجة العامية
تبقَّى على خـير
تبقى على خير يا وطنّا بالسلامة
ورانا ندامه
ويا عون من فيك كمّل ايامه
يا عون من كمّل اوقاته
ومضّى حياته
في عز لا قهر لاصغا لاشماته
حتى مع الفقر والقل والشحاته
تطيب المقامه
لولا العدو فيك ناصب علامه
لولا العدو اللي فيك حاكم
وداير محاكم
بالشنق والنفي فينا يحاكم
سوا حال مظلوم منّا وظالم
قليل السلامة
بلا بينه من يجي ف الدهامه.
لاشك انه شاعر يستحق كل التقدر
الإنتاج الشعري:
– طبع جزء من ديوانه بعنوان: «رفيق شاعر الوطنية الليبية» مؤسسة المطبوعات الحديثة – القاهرة 1959، وطبع الديوان كاملاً بعنوان:«ديوان شاعر الوطن الكبير أحمد رفيق المهدوي» في ثلاثة أجزاء – بنغازي 1962، 1965، 1971.
الأعمال الأخرى:
له مسرحية بعنوان :«غيث»، وله مقالات منشورة… شاعر يأخذ مكانه بين المجددين فكراً، المقلدين نظماً، يذكر أن ديوانه المنشور قد حجبت عنه بعض قصائد لصراحتها في تصوير الخلجات. من وثيقة بخط يد أبي الشاعر (محمد المهدوي)، مقدمة ديوان شاعر الوطن الكبير الفترتان الأولى والثانية لطاهر الزاوي، أعلام ليبيا، مؤسسة الفرجاني- طرابلس، (3) انظر: إضافة إلى المصدرين السابقين: محمد الصادق عفيفي، الشعر والشعراء في ليبيا، أحمد رفيق، ديوان شاعر الوطن، أحمد عمران، المقالة في ليبيا، طه الحاجري، رفيق في مراحل حياته الأولى، دراسة ضمنت كتاب: مهرجان رفيق الأدبي، إشراف د.محمد دغيم، منشورات جامعة قاريونس بنغازي الطاهر الزاوي، أعلام ليبيا.
الخميس 25 من شهر رمضان، الموافق 30/06/2016م، طرابلس / ليبيا
______________________
المصادر والمراجع:
1- خليفة محمد التليسي: رفيق شاعر الوطن – الدار العربية للكتاب – طرابلس 1965.
2- عبدربه الغناي: رفيق في الميزان – مكتبة الأندلس – بنغازي 1967.
3- محمد الصادق عفيفي: رفيق شاعر الوطنية الليبية – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة 1957.
– الشعر والشعراء في ليبيا – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة 1957.
– الاتجاهات الوطنية في الشعر الليبي الحديث. دار الفرجاني – القاهرة، طرابلس، لندن (د.ت)
مراجع للاستزادة:
– قريرة زرقون نصر: الحركة الشعرية في ليبيا في العصر الحديث – (جـ 2) – دار الكتاب الجديد المتحدة – بيروت 2004
– موقع منتديات تخاطب.