الطيوب
تمر اليوم أربعينية القاص والتشكيلي الكبير “رضوان أبوشويشة” الذي وافته المنيّة في الـ21 من شهر نوفمبر المنصرم عن عمر ناهز الـ76 عاما> رضوان الذي أبصر نور الله في العزيزة أو الكدوة حسب الاسم التاريخي للمنطقة الواقعة جنوب طرابلس عام 1945م وفيها تلمّس أحجار دربه الأولى على وجه التراب، وفي طرابلس احتضن المدينة الأكبر فصار وشوارعها صنوان لمغامرة ترصد الجمال بين القطط الشريدة وداخل عيون الليل الناعس على أمل الغد، يُطل عليها بقيامة نجم سينمائي تزيّنه ألوان الشفق وتحرسه أحلام اليقظة.
لرضوان أبوشويشة منزلة ثرية في دنيا الصحافة والقصة القصيرة التي أطل من خلالها مشرئب المقام بصوت يصل دوِّيه لقصر الحمراء في أسبانيا وفي جبال أكاكوس، أزقة المدينة اليوم منذ رحيل رضوانها أصابتها الحَيرة بعدما كان يُخيط للمدينة من مِشيته ثوبا مطرّزا بالحبق والياسمين، التفاصيل والدقائق يراها رضوان مملة إلا إذا جاءت في سياق روائي أو فني بحت، لقد كان يُمني نفسه ذات ربيع أن يتعلّم العزف على ثقوب الناي ليسقي حناجر الشجر الماء المسروق منها ، كتب شخصية “حمودة الزاهي” ليختزل تاريخ ليبيا في عنق الضوء.
سافر وخاض تجربة الإنسان في الابتعاد عن كل شيئ يُقزِّم كيانه ويجعله نسخة كربونية عن سلالة الجهل والبُغض، حيث رأى الوطن من خلف زجاج النافذة وكيف يُحوِّله البعاد فجأة لغصن أخضر ! عرف الكثير وخبأ العديد من الكنوز في جرابه أثناء حِله وترحاله، رضوان من القلائل في بلادنا اللذين استوعبوا باكرا معنى أن يجحدك وطن بأسره ويُهمل سنوات العمر الباقي وهذا ربما ما مر به رضوان أبوشويشة في سنوات عمره الأخيرة من نكران لتجربته واهمال ذاق فيها رضوان قسوة الأيام وسطوة المرض دون أن يلقى الإهتمام المطلوب والبديهي نقول لهذا اختار الرجل درب الرحيل منذ بواكيره الأولى، ولن يبقى لرضوان من عزاء إلا زخم وطنه المحترق.
رضوان كان ممن يفاخرون بانتمائهم للناس للصعاليك والحزانى للمشردين والمغضوب عليهم، فهو يحرص بأن تصل أعماله القصصية لجميع فئات المجتمع لاسيّما أولئك البسطاء، لذلك نجد رضوان كائنا بسيط الطوية دمث المعشر، أربعين يوما على رحيله بحجم وطن تتقطّع أنفاسه.