قصة

متاهة السيرك

. . ما إن نُصبت خيام السيرك الإيطالي بالميدان الرئيس وسط المدينة، حتى انتشر الخبر، ابتهج الأطفال، تسابقت الناس لمشاهدته.

سيرك

. . بعض الشيوخ ممن تبقوا على قيد الحياة. أو نجوا من معتقلات العقيلة أسهبوا في الحديث، عن أيام القرامات، والمعتقلات، والجوع، والأبئة، والخونة المتطلينين، والمجاهدين، والشهداء وإعدام عمر المختار، وحقول الألغام، وترقرقت أعينهم الذابلة بالدموع، وقالوا لأحفادهم :-
– منذ أن رحلت إيطاليا بعد الحرب ، واستقلال ليبيا لم نر وجه أي إيطالي ، ربما قُدر لنا في خريف العمر، أن نرى أحفاد موسليني ، وغراسياني!
إلا أن الأطفال لم يفهموا ماقاله هؤلاء المسنون، وكان كل ما يشدّهم هو السيرك بألوانه الزاهية، وألعابه المتنوعة، ومهرجيه المزخرفين، وحيواناته المروضة، وطيوره المسجونة، وببغاواته الثرثارة، ونسائه المغريات، وحبال القفز العالية.


. . لم تشهد المدينة ازدحامًا كالذي حدث يوم افتتاح السيرك. وبعد أن تمكن الأطفال والصبيان من الدخول، أثارت فضولهم لعبة متاهة الرعب ببيت الغولة، دخلوها مسكونين فضولًا، وخوفًا، عبر ظلام مسافة المتاهة وومضات ألوان المصابيح، تعالت الصرخات يطالعهم وجه قرصان يشهر سيفه، يختفي ليحل محله كابوي يصوّب نحوهم مسدسه، يعقبه قنّاص بملامح قاسية يقتنص ضحيته، تطل وجوه مصّاصي الدماء بجلابيبهم السوداء، وأنيابهم البارزة، هياكل عظمية تطقطق أطرافها، وصورة لموسليني يفتح فمه ليلتهم خارطة، بوغت الأطفال والصبيان بما يرونه، أغمى على البعض. بكى من بكى، وصاح رعبًا من صاح، الظلمة تلتهمهم، والأشباح تتوالى، والسرداب طويل، والمتاحة تقودهم إلى نقطة البداية نفسها، كلما انتهت اللعبة بدأت من جديد، تتكرر ملامح الأشباح المرعبة ذاتها بدءًا بالقرصان الأول. خارج المتاهة الازدحام لايزال مستمرًا للدخول إلى السيرك!

مقالات ذات علاقة

الظبية

المشرف العام

الخطر عندما يُهنْدس مِعّمار شمال شرق القرية

البانوسي بن عثمان

الذئاب

علي الجعكي

اترك تعليق