كان يجاهد كي يرفع جفون عينيه محدقاً في جدار الغرفة الخالية من الأكسجين بفعل الرطوبة العالية.
تكرر السؤال للمرة الثانية:
– ما رأيك في البنية التحتية؟
حدق في وجه المحقق الممصوص كثعبان جائع، وحرك فكه الأسفل مجيباً:
– معدومة، لا توجد بنية تحتية لا فوقية!!
– سنأتي على البنية الفوقية لاحقاً.. أجبني على السؤال..
– يا سيدي البنية التحتية لا يهتم بها أحد، فهي مثل الناس المهمشين.. مثل شوارعنا الخلفية، منسية، الاهتمام فقط منصب على الميادين والشوارع العريضة.. أعمدة الضوء الخلفية، على الجانبين والأسلاك الهاتف المستقيمة متواصلة والطريق يلمع كأنه مدهون بالزيت، هناك حيث تمرق سيارات الأكابر حديثي النعمة….!!
بانت على وجه المحقق خيبة الأمل في الحصول على إجابة، رمى بالقلم ومزق الورقة للمرة الثانية.. ثم خرج من الغرفة..
سقطت جفونه من جديد لتطفئ وميض عينيه، أخذته سنة من نعاس لذيذ وهو مسترخي على المقعد الخشبي بعد ليلتين لم يذق فيها النوم.. داهمه الحلم.. رأى أفعى تجوب شوارع المدينة.. تمتص عيون الأطفال في الشوارع الخلفية وتختفي في بالوعاتها المفتوحة أبداً.. ومن بعيد شاهد في الميدان أحدهم ينزل من سيارته المزينة بالرسوم والأعلام يرفع يده إلى أذنه (بالنقال) رافعاً صوته:
– نعم سيدي كل شيء يسير على ما يرام.. الشوارع نظيفة.. الميادين ترفرف فوقها الأعلام والأضواء الكاشفة تبهر المارة والحشود جاهزة للانطلاق عند ساعة الصفر للاحتفال بعيدها!!
انتفض من على المقعد.. فتح عينيه.. وجد الرجل المموص يقف أمامه صارخاً في وجهه:
– ما رأيك بأسواق الانفتاح؟
– حار في الإجابة.. صمت.. كرر عليه السؤال بصورة أخرى:
– أقصد هذا النشاط الفردي الذي يمثل حرية المستهلك في اختيار ما يريد؟!
– عظيم.. هذا التنوع في العرض!!
– ماذا تقصد؟
– أقصد أنه اختصر المسافة الحضارية بمعرفة كل هذه المعدات والمواد الاستهلاكية التي تهم المواطن والمستهلك..
– لم أفهم بعد هذه الإجابة..
– أقصد أنها نقلة حضارية لمعرفة ما يدور حولنا، هذه النقلة وفرت على المواطن المعاناة بإكتشاف حاجته بسهولة العرض..
علق المحقق:
– إجابة مراوغة.. بل أظنها ساخرة..
بصوت خافت علق الآخر:
– هي في الواقع إجابة تلائم أفكار أصحاب البنية الفوقية!!..
أقفل المحضر وأشر بعبارة:
– يعاد التحقيق معه مرة أخرى غداً!!!