سرد

أسرار الأبناء الخمسة

سلسلة قصص الثقافات الأمنية

(1)

سر الكشك المحروق

 

الكشك المحترق

بدأت المغامرة المثيرة في ليلة من ليالي شهر سبتمبر.

كانت الساعة التاسعة

والنصف ليلاً، ومنطقة ” الهضبة المشروع ” هادئة إلا من نباح كلب في مكان ما، عندما اندلع حريق ضخم في غرب المنطقة، وكان ” مؤيد “ يستعد للنوم، عندما رأى الحريق فصاح منادياً أخته:

  • ” الزهراء “” الزهراء “ لقد شب حريق قريب من حوشنا!.
  • وجاءت ” الزهراء ” مسرعة ونظرت من الروشن .

وقالت: إنه حريق ضخم، هل تعتقد أنه في أحد البيوت؟.

رد ” مؤيد “ في انفعال : لا أدري، هيا بنا نشاهده.

وأسرع “مؤيد” و “الزهراء” يغادران المنزل في الظلام، والتقيا في الطريق بـ ” أدهم” وأخته “عزة” واتجه الأربعة إلى ناحية الحريق، وكان عدد كبير من الناس قد اتجهوا ناحيته أيضاً، وارتفعت الأحاديث في الظلام .

  • إنه حوش الأستاذ ” فتحي “
  • ليس الحوش بالضبط، إنه الكشك الصغير الذي في الحديقة.

وحاول الأصدقاء الأربعة الاشتراك في إطفاء الحريق، ولكن ” الشرطي” ” مسعود ” صاح بهم :

  • اتزلحق أنت وياه من هنا.

وكانت هذه هي عادته كلما رآهم، فسموه الشرطي “الزلحاق”

وطلب “الشاويش الزلحاق” من “فاطمة” طباخة الأستاذة ” فتحي “ أن تستدعى السائق ومعه الخرطوم الذي يغسل به السيارة، ولكن “فاطمة” قالت إن السائق خرج بالسيارة إلى محطة الحافلات، ليستقبل الأستاذ ” فتحي “ الذي كان في وسط العاصمة طرابلس منذ الصباح.

واشتبك ” الشرطي مسعود الزلحاق” مع ولد سمين كان يحاول المشاركة في إطفاء النار، فقال الولد السمين:

  • لا تصح في وجهي، إنني أساعدكم.

وكان مع الولد كلب أسود ظريف حاول عض ” الشرطي مسعود الزلحاق” فأعجب الأصدقاء بشجاعته.

وفي لحظات سقط سقف الحوش محدثاً دوياً، فتراجع الأولاد إلى الخلف، ثم سمع صوت سيارة قادمة، كان بها الأستاذ” فتحي “ الذي أسرع إلى الحوش صائحاً:

  • أوراقي الثمينة… كتبي الغالية… مخطوطاتي الأثرية، أنقذوها… أنقذوها! وأخذ الشرطي يتحدث إليه محاولاً تهدئة أعصابه.
  • لا فائدة يا أستاذ، لقد احترق كل شئ، ولكن ألا تعرف كيف حدث الحريق؟

ورد الأستاذ في ضيق: من أين لى أن أعرف، لقد حضرت حالاً من وسط طرابلس!.

وقال أحد الواقفين: لعلك تكون قد أجريت تأميناً على هذه الأوراق الثمينة يا أستاذ!

فرد ” فتحي “ طبعاً؛ إنها تساوى آلاف الدينارات، ولكن ما قيمة المال؟

ولم تكن “عزة “ تعرف معنى التأمين فشرح لها “مؤيد” معناه قائلاً: إذا كان عندك شئ ثمين تخافين

عليه السرقة أو الاحتراق، فهناك شركات تسمى شركات التأمين تضمن لك حقك إذا احترق الشئ أو ضاع دفعت لك الشركة قيمته كاملة. وذلك مقابل أقساط مالية بسيطة تدفعينها مُسبقاً.

وصاح الأستاذ ” فتحي “ مخاطباً الشرطي مسعود: أبعد هؤلاء الناس عنى، يكفى ما حدث لى.

وتفرق الناس أمام صحية الشرطي المشهورة: اتزلحق أنت وياه ، اتزلحق.

وتفرق الأصدقاء، واتفقوا على اللقاء صبيحة اليوم التالي.

*

الأولاد الخمسة والكلب

التقى الأصدقاء الأربعة في حديقة منزل ” أدهم “ في الصباح فقال “مؤيد “ : هيا بنا نرى الكشك في ضوء النهار.

قال ” أدهم ” :

هيا، وبالمناسبة، سمعت أن مفتش شركة التأمين قد حضر، ومن رأيه أن شخصاً ما أحرق الكشك لغرض في نفسه، وأنه استعمل البنزين في إشعال الحريق.

ورد ” مؤيد “ ولكن من هو هذا الشخص؟ لابد أنه يكره الأستاذ ” فتحي “.

أدهم : إنني مشفق على “الشرطي مسعود الزلحاق” فهذه

أول مرة يحقق في قضية حقيقية، وأعتقد أنه لن يصل إلى حل.

وفجأة صاحت ” عزة “ لقد حضر الكلب.

وفعلاً، كان الكلب قد أسرع إليهم وخلفه صاحبه السمين الذى قال بعد أن ألقى على الأصدقاء تحية الصباح:

  • هل سمعتم ما يقوله الناس، إنهم يقولون إن

حادث الكشك المحترق مدبر بفعل فاعل.

مؤيد: وهل تصدق هذا ؟.

الولد: الحقيقية أنني استنتجت هذا قبل أى شخص آخر.

فرد “مؤيد” متضايقاً: موش تمام!

الولد: اسمع، إننى أسكن في الحوش المقابل لحوش الأستاذ ” فتحي ” ومساء أمس شاهدت متسكعاً يدور حول المكان، وأظنه هو الجانى، وقد كان يرتدى معطفاً أصفر قديماً، وطاقية ممزقة، وقد رآه كلبى ” عنتر ” ونبح.

مؤيد: وهل كان يحمل جالون بنزين ؟

الولد: لا، ولكنه كان يحمل حبلة !

الزهراء : إنني أفكر في شئ ما.

ونظر إليها الجميع، فقد كانت مشهورة بأفكارها النيرة، وقال ” مؤيد “ في أي شئ تفكرين يا “زهراء”؟

الزهراء: ما رأيكم أن نقوم نحن بدور المغامرين، ونعرف بأنفسنا من الذي أحرق الكشك في الحوش. إن كلاً منا، يمكن أن يكون مغامراً ممتازاً”.

وسألت “عزة “ الصغيرة ذات الثماني سنوات: ما معنى مغامر!

مؤيد: هو شخص قوى يحب الحياة المثيرة، ويشترك في حل الألغاز الغامضة.

عزة : عظيم، إنني أتمنى أن أكون مغامرة، وأعتقد أننى سأكون ممتازة.

أدهم : إنك ما زلت صغيرة !

وكادت “عزة “ تبكى لهذا الرفض من جانب شقيقها فقال ” مؤيد “: نحن الثلاثة : ” أدهم “ و” الزهراء “ وأنا سنكون المغامرين الثلاثة الكبار.

الولد: هل أستطيع الانضمام إليكم، إننى مفكر عظيم.

مؤيد : إننا لا نعرفك.

الولد: إسمى ” أحمد ” ، وأريد أن أتعرف عليكم فما هي أسماؤكم؟

مؤيد: ” مؤيد ” وعمري 15 سنة.

الزهراء: ” الزهراء “ وعمري 13 سنة.

أدهم : ” أدهم ” وعمري 13 سنة وأختي ” عزة “ 8 سنوات.

الولد: عاشت الأسامي ، كل أسمائكم جميلة أتشرف بمعرفتها.

نظر ” أحمد” إلي الأصدقاء وقال: هل يمكنني الانضمام إلى نادي المغامرين، خاصة وقد أخبرتكم عن المتسكع ؟

مؤيد: إنه ليس نادياً، نحن الثلاثة الكبار فقط سنحاول حل اللغز.

عزة : وأنا معكم، لا تتركونى وحدى!

أحمد: لا تتركوني، ولا تتركوها، إنها صغيرة، ولكنها ستكون مفيدة في البحث عن الأشياء المختفية.

مؤيد: أي أشياء مختفية؟

أحمد: لا أعرف، ولكن الألغاز فيها دائماً أشياء مختفية!.

عزة : من فضلكم، سنضم ” عنتر ” أيضاً، فهو كلب لطيف.

وأحس ” عنتر ” بأنه أصبح عضواً أيضاً، فأخذ يهز ذيله.

مؤيد: لا بأس، سنتعاون جميعاً في حل اللغز

عزة : نحن المغامرين الخمسة والكلب “عنتر”.

وضحك الجميع، واتفقوا على اختيار ” مؤيد” رئيساً.

وقال ” مؤيد “: سنلتقي في الثانية بعد الظهر لنتناقش كيف نجمع الأدلة!

*

الاجتماع الأول

في الثانية تماماً، اجتمع الأولاد الخمسة، ومعهم الكلب ” عنتر ” في حديقة بيت ” أدهم “ فقال “أدهم” في بداية الاجتماع : “ستكون

هذه الحديقة هي مقرنا الدائم، حيث لا يسمعنا أحد”.

مؤيد: سأضع أمامكم كل الحقائق المتعلقة باحتراق الكشك الذي كان الأستاذ ” فتحي ” يستعمله كمخزن لأوراقه الهامة، أولى الحقائق أن هناك فاعلاً قام بهذا الحريق، ثانياً: أن الأستاذ ” فتحي ” كان في وسط طرابلس وقتها، ثالثاً: لقد قرر الأولاد الخمسة الوصول إلى المجرم، أليس هذا صحيحاً ؟.

ورد الجميع في صوت واحد: “صحيح”.

مؤيد: ولكي نصل إلى المجرم، علينا أن نعرف من الذي كان أقترب من الكشك في ذلك المساء، وأمامنا المتسكع الذي رآه ” أحمد ” كما يجب أن نتحدث إلى “فاطمة” الطباخة.

الزهراء: إنني اعتقد أن هناك خلافاً بين الفاعل والأستاذ ” فتحي “.

مؤيد: هذه نقطة هامة ” يا زهراء”، ويجب أن نعرف من الذي يحقد على الأستاذ ” فتحي “

أدهم : أعتقد أن هناك مائة شخص على الأقل يحقدون عليه، فهو رجل سيئ الطبع، سريع الغضب والانفعال.

أحمد: المهم أن نعثر على أدلة كافية تدين الفاعل.

وقالت ” عزة ” التي أعجبتها كلمة “أدلة”: ما معنى ” أذلة” ؟.

أدهم: وبعد يا “عزة ” إنها أدلة وليست أذلة.

عزة، وهي تحاول نطق الكلمة بطريقة صحيحة: وما معنى أدلة؟

مؤيد: إنها الأشياء التي تدلنا على ما نريد معرفته، مثلاً إذا أردت أن تعرفى إذا كان والدك قد عاد إلى المنزل، فوجود حذائه في مكانه دليل على عودته إليه.

عزة: فهمت، وسوف أجد لكم أكواماً من الأذلة، أقصد الأدلة.

مؤيد: يجب الاهتمام بكل دليل، ومنها آثار الأقدام حول الحوش المحترق.

وضحك : ” أحمد ” وهو يقول: ولكن حول الحوش المحترق الاف الأقدام يا “مؤيد “

مؤيد وقد احمر وجهه: لا بأس، فقد نجد آثار أقدام متميزة.

أدهم : وينبغي أن نخفى عن الشرطي” مسعود الزلحاق ” أننا نحاول حل اللغز.

الزهراء: طبعاً، فهو سعيد لأنه يقوم لأول مرة في حياته بحل لغز مثير!.

أدهم : من أين نبدأ ؟.

مؤيد: بالبحث عن المتسكع والحديث إلي الطباخة ، ومتابعة اثار الاقدام في الحديقة .

واتفق الاصدقاء علي البدء باثار الاقدام .

وصل الاصدقاء الي الحديقة التى كانت محاطة بسور من وكثير من النخل ، فوجدوا فتحة في السور تسللوا منها، وكانت مفاجأة لهم ان وجدوا بالقرب من الفتحة حفرة عميقة موحلة، وكانت هناك آثار أقدام لشخص نزل إلى الحفرة من ناحية وخرج من ناحية أخرى، ولما كانت الحفرة مغطاة بالشجيرات تقريباً، فقد كان من الممكن لشخص أن يختفى فيها.

وترك الأصدقاء آثار الأقدام الكثيرة الأخرى، وركزوا انتباههم على الآثار التي في الحفرة.

كانت الآثار لحذاء رجل بنعل من المطاط بها نقوش متقاطعة، وتابع ” مؤيد ” و “أدهم” الآثار فأوصلتها إلى حارة ضيقة خلف الحديقة، ثم اختفت.

وأطلق ” أحمد” صفارة خافتة، فأسرع الجميع إليه، فوجدوه يشير إلى قطعة قماش صغيرة رمادية اللون، قد علقت بالسور قرب الحفرة، وأسرع ” أدهم ” بنزع قطعة القماش، ووضعها في علبة كبريت، قائلاً: إننا أذكى من الشرطي ” مسعود الزلحاق ” فقد عثرنا على دليلين هامين.

فقال ” أحمد” متباهياً: إنني أنا الذي وجدت قطعة القماش، وذلك يعود إلى حدة بصري وذكائي معاً.

فصاح “مؤيد”: اسكت،لقد كانت مجرد مصادفة.

فقال ” أحمد ” على أي حال سأقدم مساعدة أخرى، لأنني سأرسم لكم آثار الأقدام قبل أن تضيع.

عزة : أنني الوحيدة التي لم تعثر على شئ هو الأخر فلا تحزنى، وسوف تعثرين على دليل خطير.

وقرر الأصدقاء ترك المكان، فتسلل ” أحمد” أولاً من فتحة السور ليحضر ورقاً وقلماً للرسم، ولم تمض ثوان على خروجه حتى ارتفع صوت خشن من طرف الحديقة صائحاً: ماذا تفعلون هنا؟

كان الشرطي “مسعود الزلحاق ” هو المتحدث، فرد ” مؤيد” في ثبات : إننا نبحث عن ربع دينار حديد سقطت منى هنا!

الشرطي : طبعاً فقدتها أمس، عندما حضرت وحشرت نفسك فيما لايعنيك، هكذا كل الأولاد متعبون، مزعجون،.. اتزلحق من هنا أنت وياه ! هيا، فعندى عمل هام.

عزة : هل تبحث عن “أذلة” ؟.

وقبل أن تكمل جملتها، كان ” أدهم ” قد قرصها في ذراعها حتى كادت تصرخ.

*

من هو خليل ؟

اجتمع الأولاد الخمسة و الكلب” عنتر” في حديقة ” أدهم ” في صباح اليوم التالي..

وكان ” أحمد ” قد أحضر معه ورقة عليها رسم متقن بالحجم الطبيعي لنعل الحذاء المطاط ، بنقوشها المتقاطعة.

وقال ” أحمد ” متفاخراً وهو يقدم الرسم للأصدقاء: رسم ممتاز.. أليس كذلك؟ إننى رسام عظيم.

وانتهز “مؤيد” و” أدهم” الفرصة، وأطلقا على ” أحمد” سيلاً كبيراً من النكت حتى احمر وجهه خجلاً، ولكن” عزة ” تدخلت لوقف الحملة قبل أن ينسحب ” أحمد” غاضباً، وقالت: إنها مجرد ” بصارة ” يا” أحمد”، إنما الرسم ممتاز فعلاً، أتمنى أن أرسم مثله.

وقال “مؤيد” وهو يخرج من جيبه دفتراً صغيراً: لقد سجلت هنا كل ما عثرنا عليه من أدلة.

وبعد أن راجعها مع الأصدقاء، أخذ الرسم من ” أحمد ” وأعطاه لـ” أدهم” وطلب منه أن يُخفى الرسم والدفتر وقطعة القماش في فتحة بجوار الحديقة.

واتفق الأصدقاء على أن تذهب “الزهراء و”أدهم” لمقابلة” فاطمة” الطباخة، وأن يذهب “أحمد” و”مؤيد” لمقابلة سائق الأستاذ” فتحي” فقالت “عزة”: وأنا، ألست مغامرة أنا أيضاً أليس لي عمل؟

مؤيد: خذى الكلب “عنتر” واذهبي به في نزهة.

فردت ” عزة” في سعادة : طبعاً استطيع القيام بهذه المهمة، وقد احصل على” دليل ايضاً “.

واتجه “مؤيد” و “أحمد” ناحية حوش الأستاذ ” فتحي ” وكان ” الجاراج ” بجانب الحوش فلما اقتربا منه سمعا صوت شخص يغني ومياهاً تتساقط فهمس “مؤيد”:ان السائق يغسل السيارة ، ويمكننا أن نسأله عن أي شخص وهمي، ثم نعرض عليه المساعدة في تنظيف السيارة، وسوف يُرحب طبعاً. وتقدم “مؤيد” من السيارة قائلاً : صباح الخير، انك تقود سيارة مُدهشة.

السائق : فعلاً ، فهي من ماركة “مرسيدس أم العيون ” أفضل سيارات العالم .

مؤيد : هل عندك مانع ان نساعدك في غسلها؟

إنني أساعد أبي .

السائق: لا بأس ، وشكراً مقدماً.ولم تمض دقيقة حتى كان الولدان والسائق مشتركين في العمل والحديث عن الحريق فقال السائق: كان عملاً مُفزعاً هذا الحريق ، والناس تقول : انه عمل مدبر قام به شخص يريد الانتقام من الأستاذ ” فتحي” …

مؤيد : وهل تعرف احداً على خلاف مع الأستاذ ؟ .

السائق : إن “خليل ” سكرتير الأستاذ هو آخر شخص رأيته يتشاجر معه، وقد طرده من العمل صباح يوم الحادث .

مؤيد : ولماذا طرده الأستاذ ؟ .

السائق : لقد لاحظ الأستاذ أن “مؤيد” يستعمل ملابسه، لأنهما متماثلان في الحجم تقريباً، فقام بينهما عراكاً ضخماً ، انتهي بطرد ” خليل”.

مؤيد : وهل كان “خليل ” ثائراً جراء هذا التصرف ؟.

السائق : طبعاً ، وقد حضر عندي ، وقال ان الأستاذ يستحق طريحة لأنه يسيء معاملة الناس ، ثم انصرف في الحادية عشرة صباحاً عائداً الى والدته؟

وأخذ الولدان يفكران في “خليل” وقد بدا لهما انه الشخص الذي اشعل الحريق انتقاماً من ” فتحي ” .

وفجأة انطلق صوت كالرعد من النافذة صائحاً : خالد ، الم تنته من تنظيف السيارة ؟ هل ادفع لك مرتبك لله !

وتبادل الصديقان والسائق تحية سريعة ، ثم أسرعا بالانصراف وقال “أحمد” : اعتقد ان “خليل” هو الذي فعلها ، وستكون هذه المعلومات مفاجأة لـ “أدهم ” و “الزهراء “

*

فاطمة الطباخة تتحدث

وبينما كان ” مؤيد ” و ” أحمد ” يستدرجان السائق للحصول على هذه المعلومات، كان “أدهم” و ” الزهراء ” قد وصلا إلى الجانب الأخر من الحديقة لمقابلة الطباخة ” فاطمة ” وأخذا يفكران في طريقة لدخول الكوجينة والحديث معها ، ونظر الصديقان ، فإذا بقطة صغيرة تقف على جريدة النخلة حائرة لا تستطيع النزول .

فأسرع “أدهم ” بتسلق النخلة ، وامسك بالقطة وناولها لـلـ “زهراء ” التي قالت : اعتقد انها قطة الطباخة “فاطمة” وستكون سبباً معقولاً لدخول المطبخ والحديث معها.

وتقدما إلى باب المطبخ ، فوجد فتاة تكنس، وصوت “فاطمة” الطباخة يأتي من الداخل مدوياً: لا تتركي ورقة واحدة في الصالة يا ” إعويشة” إنك دائماً مُهملة.

وعندما رأت ” إعويشة ” الصديقين صاحت: خالتي ” فاطمة” لقد عادت القطة!!.

وظهرت الطباخة السمينة عند الباب، فمد “أدهم” يده بالقطة قائلاً: هل هذه قطتك؟ وأسرعت الطباخة الطيبة تضم القطة إلى صدرها قائلة: أين كانت هذه العفريتة؟.

ثم رفعت صوتها ونادت: “جودي”..”جودي”.. لقد عادت ابنتك الصغيرة.

وظهرت قطة ضخمة، وأخذت تلحس القطة الصغيرة في شوق.

وشكرت “فاطمة” الصديقين، وقدمت لهما عصير “البرتقال” ، وسألتهما عن سكنها فقال” أدهم”: إننا نسكن في الشارع المجاور وقد شاهدنا الحريق الذي اندلع هنا.

وتركت “فاطمة” الفطيرة التي كانت تعجنها وهزت رأسها في أسف قائلة: لقد كانت صدمة كبيرة، وساعتها أحسست أنني سأقع لو لمسنى أحد.

ونظر الصديقان إلى الطباخة السمينة، وكان واضحاً أنه ليست هناك قوة تستطيع إيقاع الطباخة التي تشبه دولاب الكوجينة. وانشغلت ” الزهراء” بملاعبة القطط، في حين وقف “أدهم” يستمع في اهتمام، ومضت الطباخة في حديثها، وقد سرها وجود من يستمع إليها.

  • عندما شممت رائحة الدخان، ظننت أن الغذاء قد أحترق، ولكن لم يكن هناك طبخ في تلك الساعة، فنظرت من النافذة، ورأيت النار. وعادت تهز رأسها، ثم استأنفت حديثها: لقد كان يوماً سيئاً من أوله، فقد تركنا الأستاذ “خليل” بعد مشاجرة ، ثم قامت مشاجرة أخرى بين الأستاذ “فتحي” والأستاذ” القديم”، ثم طرد الأستاذ المتسكع الذي كان يحاول سرقة البيض، ثم أختتمت المصائب بذلك الحريق!!.

كانت ” الزهراء” قد تركت القطط، ووقفت مع “أدهم” يستمعان إلى المعلومات الهامة، وسأل “أدهم”: من هو الأستاذ “خليل” ؟.

وردت الطباخة: لقد كان سكرتيراً للاستاذ “فتحي”، وكان شخصاً سيئاً ولا أستبعد أن يكون له صلة بالحريق!!.

وهنا، تدخلت “إعويشة” التي ظلت تستمع صامتة طول الوقت قائلة: لقد كان الأستاذ “خليل” رجلاً طيباً، ولا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجريمة، ولو سألتمونى رأيى، فأنا أعتقد أن الأستاذ “القديم” هو الذى فعلها.

سأل “أدهم” مندهشاً: “القديم” ؟ اسمه “القديم”؟.

وردت “فاطمة”: نعم، وهو على مسمى، فهو يلبس ملابس قديمة، وحذاء بالياً، ولكنهم يقولون إنه عالم عظيم في المخطوطات والكتب القديمة.

أدهم : ولكن لماذا تشاجر مع الاستاذ “فتحي”؟

فاطمة: الله أعلم، فهما صديقان، وعالمان، ولكنهما لا يتفقان على رأى، وقد تشاجرا في ذلك اليوم، وخرج الأستاذ “القديم” غاضباً وأغلق خلفه الباب بعنف وعصبية اهتزت له الأطباق في مطبخى، ولكن لا تصدق ما قالته” إعويشة”، فهو لا يستطيع إشعال عود كبريت، إن الذي فعلها هو “خليل”.

والتفتت”فاطمة” إلى ” إعويشة” وطلبت منها أن تستمر في الكنس، عندما حاولت “إعويشة” الدفاع عن “خليل”، وشعر الصديقان بالعطف على الفتاة المسكينة.

عاد ” أدهم” إلى الحديث فسأل”فاطمة”: متى رأى الأستاذ “فتحي” المتسكع وهو يسرق البيض؟

فاطمة: في الصباح، وكان المتشرد قد جاء إلى المطبخ، فطردته، وأظنه دار ولف حول الحديقة، ثم دخل عشه الدجاج ليسرق البيض، حيث شاهده الأستاذ “فتحي”، وطرده، وهدده بإحضار رجال الشرطة للقبض عليه.

أدهم : هل يمكن أن يكون المتسكع هو الذي أحرق الكشك في الحوش؟.

فاطمة: ممكن ، فكثيراً ما سرق من مطبخى قطع اللحم، وأرغفة الخبز، ورجل له مثل هذه الأخلاق، يمكن أن يقدم على مثل هذه الجريمة!!.

وارتفع صوت غاضب من مكان ما من المنزل، ودخلت القطة”جودي” منفوشة الشعر فقالت “فاطمة” “إنه الأستاذ ” فتحي “، ويبدو أنه تعثر في “جودي”، فثارت ثائرتها كالمعتاد!!.

واقتحم الأستاذ “فتحي” باب المطبخ، وأخذ يصيح في وجه الطباخة: لماذا تحتفظين بمثل هذه المخلوقات القذرة هنا، سوف أغرقها إذا بقيت في منزلى.

فردت “فاطمة”: إذا أغرقتها تركت العمل فوراً وتفطن” فتحي” إلى وجود “أدهم” و” الزهراء”، فعاود الصياح قائلاً ” من هذان الطفلان؟

اطلبي منهما الانصراف فوراً، ولا تملى مطبخك بالأولاد المتعبين والقطط الشريرة.

ثم خرج كما دخل تائراً فتمتمت “فاطمة”: إنك تستحق ما حدث لك، ولولا أن الكشك احترق، لأحرقته بيدى.

وقال” أدهم” وهو يستعد للانصراف مع “الزهراء”: شكراً لك على ما قلتيه لنا يا خالتي “فاطمة”.. لقد كان مُسلياً للغاية.

وودعت “فاطمة” الصديقين، بعد أن منحت كلا منهما قطع من البيتزا المنزلية فلما أصبحا في الطريق قال” أدهم”: لقد حصلنا على معلومات هامة، ومن الواضح أن هناك ثلاثة أشخاص يمكن أن يكون أحدهم هو الذي أحرق الحوش، وإذا كانت معاملة الأستاذ “فتحي” للآخرين بهذه العصبية، فلا شك أن هناك مائة شخص على الأقل يتمنون الانتقام منه.

*

موقف مثير

التقى الأصدقاء الأربعة في حديقة حوش ” أدهم”، ولم تكن “عزة” قد عادت هي والكلب”عنتر” وتبادل الأصدقاء المعلومات، فاتضح أن عندهم أربعة أشخاص يمكن أن يكون أي واحد منهم هو الذى أحرق الكشك، وهؤلاء الأربعة هم: “المتسكع” و”خليل” و”القديم” و”فاطمة” الطباخة.

قال”مؤيد” : إن المشكلة معقدة، واللغز غامض، ولا أدرى كيف نحله، وهناك أشخاص آخرون يمكن اتهامهم.

” أحمد” اقترح أن نتبع تحركات كل من الأربعة المشتبه فيهم، ونستبعد من نتأكد أنه لم يكن في مكان الحادث ساعة وقوع الحريق.

أدهم : وأنا أقترح أن نبدأ بالمتشرد المتسكع، فلنبحث عنه، ونعرف إذا كان يرتدى حذاء من المطاط ذا نعل منقوشة أو لا.

مؤيد: ولكن كيف سنعثر عليه؟

ولم يكد” مؤيد” ينتهي من جملته، حتى سمعوا نباح الكلب” عنتر” فأدركوا أن “عزة” قد عادت. وعندما أصبحت بينهم بدأ “مؤيد” يروى لها ما حدث، ويشرح ما حصلوا عليه من معلومات، ولكن “عزة” لم تكن تستمع إليهم، كانت عيناها تلمعان، وخداها أحمرين من الجري، فقاطعت ” مؤيد” قائلة بانفعال: لقد عثرت على “ذليل”..”ذليل”.

مؤيد: أي “ذليل”، أقصد أى دليل؟

عزة ة: لقد وجدت المتشرد المتسكع.. أليس ذلك أكبر “ذليل”؟

صاح الأصدقاء في نفس واحد: صحيح يا “عزة”! وجدت المتشرد المتسكع ؟

عزة : نعم وجدته.

أحمد : وكيف عرفت أنه المتسكع المقصود؟

عزة : إن الأوصاف التي قلتها لنا، تنطبق عليه، فهو يرتدى معطفاً أصفر قديماً، وطاقية مُمزقة.

أحمد: بالضبط، هذا هو المتسكع الذى نبحث عنه.

ووصفت ” عزة ” للأصدقاء كيف وجدت المتشرد المتسكع، وأين، وقالت إن الكلب “عنتر” هو الذي وجده واثنى الأصدقاء على “عزة” ووصفوها بأنها مغامرة عظيمة، وقرروا أن يتجهوا فوراً إلى مكانه.

وبعد أن غادروا المساكن، ووصلوا إلى آخر منطقة ” الهضبة المشروع”، قادتهم ” عزة” إلى كومة من الرمال كان المتشرد المتسكع ينام بجوارها فتسلل “أحمد” على أطراف أصابعه، واقترب من المتشرد، وتفحصه جيداً، ثم عاد إلى الأصدقاء مسرعاً وقال: إنه فعلاً المتسكع الذى رأيته في الحديقة تلك الليلة، ولكنه يطوى قدميه تحته، ولا يمكننا أن نعرف نوع حذائه إلا إذا دفعناه إلى المشى.

وقرر”مؤيد” أن يقوم بهذه المحاولة فأخذ يزحف حتى اقترب من المتشرد تماماً، ثم انحنى على الأرض، وقرب وجهه من قدمى المتشرد ليرى الحذاء، وفي تلك اللحظة فتح المتشرد عينيه، ونظر إلى “مؤيد” في دهشة قائلاً: ماذا حدث لك؟ هل عضك ثعبان؟

وقفز “مؤيد” واقفاً، فاستمر المتشرد يقول:هل ظننت أننى رجل من العالم الآخر؟ ابتعد عنى فإننى أكره أمثالك ممن يتدخلون في حياة الناس.

وعاد المتشرد إلى نومه كأن شيئاً لم يحدث، وكاد” مؤيد” أن ينحني مرة أخرى ليرى الحذاء، عندما سمع صفيراً خافتا، فأدرك أن شخصاً قادماً، فعاد مسرعاً إلى أصدقائه فقال له “مؤيد : الشرطي مسعود الزلحاق قادم.

وأسرع الأصدقاء يختبئون في الناحية الأخرى من التل، يراقبون الشرطي مسعود الزلحاق الذي اتجه رأساً إلى المتشرد المتسكع، وأخرج رسماً من جيبه لنعل الحذاء فقال”أحمد بصوت هامس: إن مع الشرطي مسعود رسماً مثل رسمي، إنه أذكى مما كنا نتصور.

وانحنى ” الزلحاق ” كما فعل “مؤيد” ليشاهد نعل حذاء المتسكع المتشرد، وكانت مفاجأة ثانية للمتشرد الذى فتح عينيه أن يجد الشرطي الزلحاق منحنياً أمامه هذه المرة ، فقفز في رعب صائحاً: ماذا حدث في هذه الدنيا، ماذا تفعل يا سيدي الشرطي؟.

ورد ” الزلحاق” في ضيق: أريد |أن أرى نعل حذائك..

فأسرع المتشرد المتسكع يحاول خلع حذائه، وقال للشرطي في دهشة: تفضل، تفرج على كل شئ فيه، وإذا أعجبك فخذه لأنه ضيق على.

وشعر الشرطي بالخجل، فوضع الرسم في جيبه، وقال: لا داعى لذلك، ومن الأفضل أن تأتى معي .

وشعر المتشرد بالخوف، وبدلاً من أن ينطلق مع الشرطي، أطلق ساقيه للريح جارياً بسرعة لم تكن متوقعة من عجوز مثله، فأسرع ” الزلحاق” يطارده وفى هذه اللحظة سقطت الأحجار، التي كان “أحمد” يقف عليها فوقع على الأرض محدثاً صوتاً عالياً، فتوقف “الزلحاق” عن الجري، ونظر حوله فرأى الأولاد جميعاً فصاح: ماذا تفعلون هنا؟ هل تتجسسون على؟ وكان الأولاد قد أسرعوا يحيطون بـ” أحمد” الذي أخذ يتأوه ويتألم ، فأسرع الشرطي إليه، ولم يكد يمد يده عليه حتى قال” أحمد” متألماً: لا تلمسنى، لقد كسرت ساقى اليُسرى، وذراعى اليُمنى، وانخلعت أكتافي… صرخت “عزة” في فزع، وأسرع الكلب “عنتر” يهاجم الشرطي الذي صاح في جنون: هرب المتسكع المتشرد بسببكم، ثم يهاجمني هذا الكلب الشرس، ماذا أفعل الآن بكم؟.

وانحنى الشرطي على ” أحمد” فتأكد أن إصاباته كلها ماهي إلا بعض خدوش بسيطة، فصاح بالأولاد: هيا اتزلحقوا من هنا، لقد أضعتم جهدي ووقتي.

ثم انصرف متضايقاً غاضباً، بعد أن فقد الأمل في مطاردة المتسكع المتشرد.

أخذ ” أحمد” يتأوه ويتألم من جديد قائلاً في مسكنة: اذهبوا بي إلى البيت، لقد أصبت بإصابات خطيرة.

وأسرعت “الزهراء” و”عزة” بمساعدته على الوقوف، وانطلق “مؤيد” و”أدهم” مسرعين في الاتجاه الذى اختفى فيه المتشرد لعلهما يعثران عليه.

*

اتفاق مع المتسكع

لم يبتعد المتشرد كثيراً، فقد تعب من الجرى سريعاً، وهكذا استطاع الصديقان العثور عليه بعد أن سألا أحد الأشخاص .

ولم يكد المتشرد يرى الصديقين حتى صاح غاضباً: ماذا تريدان منى، ابتعدا عنى فقال”مؤيد”: هل تصيح في وجهنا يا سارق البيض؟.

المتشرد: إننى رجل شريف لم أسرق شيئاً من الأستاذ ” فتحي”!.

مؤيد: ماذا كنت تفعل إذن في الحديقة؟.

المتشرد: لم أفعل شيئاً، إننى فقط شاهدت أشياء غريبة.

ومد المتشرد ساقه، ونظر الصديقان إلى قاع حذائه في انفعال، ولكن النعل كانت ممزقة ومثقوبة، ولم تكن من المطاط فقال

” مؤيد” هامساً: ليس المتشرد هو الشخص الذى اختبأ في الحفرة، كما أن ملابسه ليست رمادية أيضاً.

وقال “المتشرد” للصديقين: ماذا يعجبكما في حذائي، إنه ممزق ويؤلم قدمي، ومن الأفضل لكما أن تبحثا لى عن حذاء مناسب، ثم قولا للأستاذ “فتحي” ألا يصيح في وجهى مرة أخرى، فقد رأيت ليلة الحريق أشياء كثيرة وخاصة منه هو…

ونظر “مؤيد” في ساعته، وكانت ساعة وجبة الغذاء قد حانت، وخشى أن يغضب والده، فوعد المتشرد بأن يبحث له عن حذاء، واتفق معه على الحضور في اليوم التالي، ثم انصرف الصديقان.

وفي المساء اجتمع الأولاد الخمسة، وتبادلوا المعلومات التي حصل عليها كل منهم، واتفقوا على استبعاد المتشرد من قائمة المشتبه فيهم، ووافق ” أدهم” على أن يحضر حذاء من والده ” للمتسكع”.

ثم قسموا العمل بينهم فاتجه “مؤيد” و”أدهم” و”عزة” إلى منزل الأستاذ “فتحي” لمقابلة “فاطمة” الطباخة مرة أخرى، وبقى “أحمد” و”عزة” معاً

*

رسالة من أعويشة

وفى الطريق قال “مؤيد”: يجب أن نتأكد من أن الخالة “فاطمة” لم تحرق الكشك، إننى أشعر أنها لايمكن أن تفعل هذا، ولكن في أعمال البحث والمغامرات يجب استعمال العقل، لا العواطف.

وعندما وصل الأصدقاء إلى حوش “فتحي”، كانت ” أعويشة” تجلس وحدها على باب الكوجينة ،وقد بدا أنها كانت تبكى فسألها “مؤيد” عن الطباخة فقالت إنها داخل البيت فعاد يسألها:

مؤيد: هل كنت يا ” أعويشة ” موجودة ساعة الحريق؟

أعويشة : نعم، وماذا يهمك أنت؟.

وأندهش “مؤيد” لردها الجاف، وقبل أن يعاودا الحديث ظهرت الخالة” فاطمة ” ورحبت بالأطفال، وجلسوا يتحدثون، واستطاع “فاطمة” أن يحول الحديث إلى ليلة الحريق، فتنهدت “فاطمة” قائلة: لولا مرض الروماتزم اللعين، لاستطعت عمل شئ، ولكن المرض أقعدني في ذلك اليوم، فلم أستطع الحركة إلا بعد أن دمر الحريق الكشك.

مؤيد: وهل تعرفين أين يسكن “خليل”؟

وأخذت “فاطمة” تهز رأسها محاولة تذكر العنوان، ثم قالت: إنني كثيرة النسيان، ومع هذا دعوني أتذكر “خليل” .. “خليل” آه.. لقد تذكرت.. وحبس الأولاد أنفاسهم ، ولكن قبل أن تذكر “فاطمة” العنوان، سمعوا صوت أقدام ثقيلة خارج الكوجينة، ثم دخل الشرطي ” الزلحاق” واتجه إلى حيث تجلس “فاطمة” دون أن ينظر إلى الأطفال وقال: صباح الخير يا خالة” فاطمة”، لقد رويت لي كل شئ يتعلق بالحريق، لكن هناك شيئاً أحب أن أسألك عنه، ما هو عنوان “خليل”؟

عادت “فاطمة” تهز رأسها متعجبة ثم قالت: شئ غريب يا حضرة الشرطي، لقد كنت أحاول تذكر العنوان الآن، فهؤلاء الأولاد يريدون معرفته أيضاً!.

التفت “الشرطي” إلى الأولاد غاضباً وقال: أنتم هنا أيضاً، هيا ” أتزلحق” أنت وهو من ياه!

وانسحب الأصدقاء وقد غلبهم اليأس، فلو استطاع الشرطي أن يعرف العنوان الآن، فسوف يسبقهم إلى “خليل”.

وعندما كادوا يغادرون الحديقة، سمعوا صوت “اعويشة” تناديهم، فاتجهوا إليها، وقالت الفتاة المسكينة وهى تبكي: أرجوكم أن تذهبوا للأستاذ “خليل”، وقولوا له أن يأخذ حذره، فالناس كلهم يتهمونه بإشعال الحريق- والشرطي يطارده، وأنا متأكدة أنه رجل طيب القلب، فهو قريبي.

قال”مؤيد” مسرعاً: نحن على استعداد لحمل الرسالة، ولكن ما هو عنوان “خليل”؟ هل تعرفينه؟

ووضحت “اعويشة” للأصدقاء عنوان “خليل”، ثم أسرعت إلى االكوجينة ملبية نداء “فاطمة”.

*

خليل يتحدث

وذهب الأصدقاء الثلاثة إلى حديقة “أدهم” حيث التقوا “بأحمد” و”عزة” و الكلب “عنتر”، وروى “مؤيد” بسرعة ما حدث في كوجينة “فاطمة”، وكيف حصلوا على عنوان خليل” ثم قال:

سوف أذهب أنا و ” الزهراء” و” أدهم” لمقابلة “خليل”،

وعلى” أحمد” و “عزة” و”عنتر” البحث عن عنوان الأستاذ “القديم”.

وانصرف “مؤيد” مسرعاً، يتبعه” أدهم” و”الزهراء” حيث أحضر كل منهم دراجته، فقد كان حوش “خليل” بعيداً.

وفي الطريق قال “أدهم”: لقد خرج اثنان من دائرة الشبهات، هما المتشرد المتسكع والطباخة” فاطمة”، وبقى اثنان، هما “خليل” و “القديم”.

وبعد حوالي ربع ساعة وصل الأصدقاء إلى حوش “خليل”، واتفقوا على أن يتقدم “أدهم” ويطلب كوباً من الماء من أهل الحوش، ليكون هذا سبباً للحديث والسؤال عن “خليل”.

ودخل الأصدقاء الحوش فالتقوا بسيدة عجوز، رحبت بهم، وقدمت لهم ما طلبوه ثم سألتهم من أين جاءوا، فلما عرفت عنوانهم قالت: لقد كان ولدى يعمل في هذا المكان، عند الأستاذ “فتحي” هل تعرفونه؟

مؤيد: نعم، وقد كنا عند بيته عندما اندلع الحريق في الكشك الذي بالحديقة.

السيدة: حريق!! أي حريق؟ إنني لم أسمع عنه مطلقاً، في أي يوم كان هذا الحريق؟.

مؤيد: يوم الخميس.

السيدة: يوم الخميس؟ إنه نفس اليوم الذي ترك فيه “خليل” العمل عند الأستاذ “فتحي”، وقد تركني بعد وجبة الغذاء وخرج، ولم يعد إلا بعد صلاة العشاء.

وتبادل الأصدقاء النظرات، فهذا يعنى أن “خليل” عاد إلى حوش الأستاذ “فتحي” حيث اختفى في الحفرة، ثم أشعل النار، وعاد إلى منزله.

وأخذ “مؤيد” يفكر في طريقة لمعرفة نوع الأحذية التي يستعملها “حامد” وفى هذه اللحظة دخل “خليل” فحيا الأطفال وسألهم: ماذا تفعلون هنا؟

الزهراء: كنا نتنزه على دراجاتنا، وأصابنا العطش فدخلنا لنشرب.

الأم : إنهم يسكنون قريباً من حوش الأستاذ “فتحي”.

خليل: هل تعرفونه؟ إنه رجل سيئ الطبع، كنت أعمل عنده ثم تركت العمل بسبب سوء معاملته.

أدهم: لقد انلع حريق في كشك الحوش، في اليوم الذي تركت العمل فيه.

خليل: وكيف عرفتم أنني تركت العمل في ذلك اليوم؟

أدهم : أخبرتنا والدتك، ولكنها لا تعرف شيئاً عن الحريق.

حامد: على كل حال، “إنه يستحق ما حدث له، وإنني أتمنى أن أرى النار تلتهم كل ما يملك.

الزهراء: وهل كنت هناك ساعة الحريق؟

خليل: ليس مهماً لك أن تعرفى.

وفي أثناء الحديث، كان”مؤيد” يدور حول “خليل” لعله يجد تمزيقاً في ثوبه الرمادي، فالتفت إليه خليل قائلاً: ماذا تفعل؟ إنك تدور حولي كالنحلة.

وأسرع “مؤيد” يعتذر قائلاً: آسف، لقد كنت أنتظر حتى تنهى حديثك لأنقل إليك رسالة من “اعويشة”، إنها تقول لك: “خذ حذرك ثم التفت “مؤيد” إلى” أدهم” و”الزهراء” قائلاً” هيا بنا.

وخرج الأصدقاء بعد أن ألقوا بالتحية على الأم وابنها، وانطلقوا مسرعين.

وفي الطريق أخذوا يتبادلون الحديث، واتفقوا على أن “خليل” يمكن أن يكون الشخص الذي أشعل الحريق، برغم عدم وجود أي تمزق في ثوبه الرمادي، وقرروا أن يحاولوا مقابلة الأستاذ “القديم” باعتباره من المشتبه فيهم.

وبينما “مؤيد” يدور بدراجته حول قمة شارع ضيق، إذا به يصدم شخصاً لم يره، فسقط الرجل على الأرض، وهو يسبب ويشتم، وعندما نظر إليه الأصدقاء.. كانت مفاجأة: إنه الشرطي مسعود الزلحاق.. وقبل أن يمد يده إليهم انطلقوا مسرعين.

*

عودة المتسكع

وصل الأصدقاء إلى حديقة حوش ” أدهم” حيث اعتادوا أن يلتقوا بـ”عزة” التي كانت قلقة عليهم ، أما “أحمد” فكان يجلس وحده يتأوه وبتألم وقد شغلته إصاباته البسيطة عن كل شيء وروى الأصدقاء، ما تم في منزل “خليل” وجاء الدور على “عزة” فقالت :

لقد عثرت على عنوان الأستاذ” القديم” ، كانت مسألة بسيطة فقد وجدته في مفكرة التليفون، وذهبت فقابلت شقيقته

التي ترعى حوشه، فقالت لي إنه عالم عظيم متخصص

في المخطوطات القديمة، خاصة في أوراق التاريخ الليبي

التي تركها العثمانيين والطليان .

قال “مؤيد” إن الأدلة التي عثرنا عليها ، وهي قطعة القماش الرمادية ،

وأثار الحذاء لم تساعدنا كثيرا، ويجب أن نجد وسيلة لمعرفة صاحب الحذاء ذي النعل المطاط ، وهو إما ” خليل” أو “القديم ” بعد أن استبعدنا المتشرد المتسكع وفاطمة الطباخة من قائمة المشتبه فيهم .

وبينما هم يتحدثون صفر المتشرد ودخل متسللا من باب الحديقة فرآه أدهم وناداه فقال المتسكع المتشرد ابعدوا الكلب عني هل أحضرتم الحذاء ؟

أشار أدهم إلى الحذاء الذي أحضره بعد استئذان والدته ، فمد المتشرد يده ليأخذ الحذاء قائلا حذاء غال سوف يناسبني بكل تأكيد .

وقبل أن تصل يد المتشرد المتسكع للحذاء قال عاطف انتظر لحظة أريدك أن تجيب عن بعض الأسئلة هل رأيت احد يختبئ في حديقة حوش الأستاذ ” فتحي” ليلة الحريق ؟

المتشرد المتسكع : نعم رأيت شخصا مختفيا بين الوشكات .

مؤيد : هل تعرفه ؟

المتشرد بعد تردد : نعم ، انه الأستاذ ” خليل ” وكان يهمس لشخص آخر مُختبئ معه ولم أتبينه .

وقبل أن يوجه الأصدقاء إلى المتشرد أسئلة أخرى

كان قد ارتدى الحذاء الجديد مسرورا وانطق مسرعا وبرغم أن الحذاء كان واسعا قليلا فإنه كان مريحا . قد حاول عنتر ان يتبع المتشرد ولكن ” أحمد ” امسكه بشدة فاخذ ينبح في الضيق .

قال ” مؤيد ” بعد فترة صمت : ان الشبهات تحيط بـ ” خليل” تماما ولكن من هو الشخص الذي كان معه في الحديقة ؟ هل الاستاذ ” القديم ” ؟ على كل حال سوف أذهب أنا والزهراء لمقابلته .

وكان حوش الأستاذ ” القديم ” قريبا فوصل مؤيد والزهراء بعد دقائق قليلة وقذف محب بكرته داخل حديقة ” القديم ” ثم دخل هو والزهراء متظاهرين بالبحث عنها .

ولحُسن الحظ كان” القديم ” يقف في نافذة مكتبه غاضبا فقد طارت إحدى أوراقه الثمينة من النافذة إلى الحديقة وكانت فرصة . فقد امسك “مؤيد ” بالورقة وحملها إليه قائلا : هل هي ورقة هامة يا أستاذ ؟

عتيق : هامة جدا ، لأنها قديمة جدا ، ولكن عندي أقدم منها .

مؤيد : وهل نستطيع مشاهدتها يا أستاذ ؟

القديم : تفضلا ، يسرني أن أجد من يهتم بهذه المخطوطات متلي .

وأسرع ” مؤيد ” و ” الزهراء ” بالدخول ، ولكنهما التقيا في الصالة بالسيدة العجوز ” مبروكة ” أخت الأستاذ ” القديم ” فكادت تمنعهما ولكن “مؤيد ” قال لها : لقد دعانا الأستاذ ” القديم ” .قالت : ” مبروكة ” في دهشة : مدهش ، لقد قاطع الناس جميعا فقد تشاجر مع الأستاذ ” فتحي ” مسكين القديم إنه كثير النسيان وعصبي أحيانا ولكنه لا يؤذي أحدا أبدا .

الزهراء : هل شاهد الأستاذ القديم الحريق الذي اندلع في كشك الأستاذ فتحي ؟

مبروكة : لقد خرج لنزهته المعتادة في المساء ، ولكنه عاد قبل اكتشاف الحريق .

ونظر ” مؤيد” إلى ” الزهراء ” وفكر كلاهما في نفس الفكرة ، فقد خرج ” القديم ” وأشعل النار ثم عاد قبل أن يكتشفها أحد .

ودخل” مؤيد” إلى مكتبة الأستاذ القديم الذي رحب به وأخذ يُلقى عليه محاضرة في أهمية المخطوطات وظل “مؤيد” يستمع في صبر ثم قال : ولكن لماذا يا أستاذ تشاجرت مع الأستاذ ” فتحي” وهو عالم مثلك ؟

القديم : إنه رجل شديد الذكاء ، ولكنه سريع الغضب ، ولا يحب أن يعارضه أحد .

اما الزهراء فقد وجدت نفسها وحيدة في الصالة ، وأمامها الدولاب الذي يضع فيه الأستاذ القديم أحذيته فوجدتها فرصة مناسبة للبحث في الدولاب ، لعلها تجد الحذاء ذا النعل المطاط المنقوشة.

وفتحت ” الزهراء” الدولاب وأخذت تبحث بسرعة ، ولكنها لم تجد أي حذاء له نعل مطاط وكادت أن تيأس ولكنها أخيرا وجدت حذاء له نعل مطاط ، وأسرعت تنظر إلى النقوش التي في النعل هل هي نفس النقوش التي في النعل .

هل هي نفس النقوش التي كانت في الحفرة ، والتي رسمها ” أحمد ” ؟ ولم تستطع ” الزهراء ” التأكد وكان الوقت يمضي سريعا وخشيت أن يراها أحد فلم تجد حلا إلا أن تضع الحذاء بين طيات ثيابها تحت البلوزة ثم لحقت بـ ” مؤيد” حيث وجدت الأستاذ عتيق مازال يُلقي محاضرته ونظر ” مؤيد ” إلى صدر ” الزهراء ” وكاد يسألها عن سبب هذا الانتفاخ المفاجئ ، ولكن نظرة منها أسكتته .

وأنهى الأستاذ ” القديم ” محاضرته قائلا : إن المخطوطات التي ضاعت في الحريق نادرة ، صحيح ان ” فتحي ” قد امن عليها ، وسوف يحصل على ألاف الدنانير قيمة التأمين ، ولكن ما قيمة النقود بجانب المخطوطات ؟

وانهي الصديقان المقابلة ، وخرجا إلى الطريق فأحرجت ” الزهراء ” فردة الحذاء وناولتها ” لمؤيد ” الذي صاح : مدهش علينا أن نسرع بالعودة لمقارنتها بالرسم .

*

المفاجأة المثيرة

التقى الأصدقاء في حديقة ” أدهم ” فعرض عليهم ” مؤيد ” فردة من حذاء الأستاذ ” القديم ” فأكدوا جميعا أنها تحمل نفس النقوش التي كانت في الحفرة ، ولكن ” عزة ” هزت رأسها قائلة : إنكم مخطئون عنها ليست نفس النقوش .

وتضايق الأصدقاء لهذه الملاحظة ، وأسرع ” أدهم ” بإحضار الرسم الذي رسمه ” أحمد ” لآثار الحذاء وكانت صدمة لهم أن وجدوها تختلف عن نعل حذاء الأستاذ ” القديم ” .

فقال “مؤيد ” أهنيك يا ” عزة ” أن ذاكرتك قوية حقا ولأن علينا أن نستعرض الموقف ونرى ما سنفعل بعد ذلك ، إنني لا أستبعد أن يكون ” خليل ” و” القديم ” قد اتفقنا على إحراق كشك الحوش ، فأن المتشرد رأى ” خليل ” يتحدث إلى الشخص في الحديقة لعله كان عتيق وعلينا الآن أن نرد للأستاذ ” القديم ” فردة الحذاء ، ثم نقابل ” أعويشة ” لنعرف لماذا حذرت خليل !!

أدهم : اتفقنا ، بالمناسبة كيف حالك الآن يا أحمد ؟

أحمد : على مايرام وسوف أريكم الإصابات حالا .

محب : لا وقت الآن لرؤية أي شيء ، هيا بنا لمقابلة أعويشة .

وأسرع الجميع لمقابلة أعويشة وكانت فرصة طيبة ، أن وجدوها وحدها في االكوجينة.

وسألتهم أعويشة : هل أبلغتهم رسالتي إلى ” خليل ” ؟

مؤيد : نعم ، ولكن لماذا هذا التحذير ؟

اعويشة : سأقول لكم ولكن أرجوكم ألا تخبروا أحدا .

مؤيد : نعدك بهذا ! اعويشة : أن خليل لم يشعل الحريق فقد كنت معه منذ الساعة السابعة إلى العاشرة ليلتها .

مؤيد : ولماذا كنت معه ؟ وماذا كنتما تفعلان ؟

اعويشة : لقد طلب مساعدتي له في اخذ ملابسه لأن الأستاذ “فتحي” عندما طرده لم يجد وقتا لأخذ الملابس ، فعاد في المساء قبل حضور الأستاذ ” فتحي” ففتحت له باب الكوجينة ليدخل منه ولكن ما كاد يدخل حتى دخلت فاطمة الطباخة ، فأسرعنا نختبئ في الحديقة وظللنا هناك حتى خرجت فاطمة فأسرعت افتح له إحدى الشبابيك فقفز منها إلى الداخل حيث احضر ملابسه ، ثم عاد حيث كنت انتظره في الحديقة فشكرني ثم غادر المكان .

مؤيد : دون أن يشعل الحريق ؟

اعويشة : دون أن يشعل شيئا على الإطلاق .

وهكذا اتضح للأصدقاء إن الشخص الذي كان مع “خليل ” في الحديقة كما روى المتشرد هو اعويشة فقال مؤيد : شكرا لك اعويشة ولكن الم تشاهدي شخصا أخر يدخل الحديقة في ذلك المساء ؟

اعويشة : نعم ، رأيت الأستاذ ” القديم “

قالت “عزة ” منفعلة : إذا فالأستاذ ” القديم ” هو الذي أشعل النار ، فقد اتضح لنا الآن انه ليس “المتسكع “، ولا “خليل” ولا “اعويشة ” ولا ” فاطمة ” لم يبق إلا ” القديم ” .

أحمد : نعم ، القديم هو الذي أشعل النار .

وانصرف الأصدقاء بعد هذه المفاجأة ، واتفقوا على أن يقوم ” مؤيد ” و” أحمد” بإعادة فردة الحذاء إلى منزل الأستاذ ” القديم ” ليلا ، والبحث عن الحذاء الذي كان يرتديه ” القديم ” ليلا والبحث عن الحذاء الذي كان يرتديه القديم ليلة الحريق .

انتظر” أحمد ” حتى صارت الساعة التاسعة ، وهو الموعد المتفق عليه للذهاب إلى حوش ” القديم ” ، فحمل فردة الحذاء ، وانطلق إلى هناك وكان ” مؤيد ” ينتظره في مكان قريب ليأتي عندما يطلق له ” أحمد ” إشارة بألا أحد يراقبهما .

مر ” أحمد ” أمام حوش ” القديم ” ولما تأكد أن لا أحد يراقبه أطلق إشارة التحذير وهي تقليد لنعيق البومة ” أووووو .. أوووووو

ولم يكد ” أحمد ” يطلق الصيحة حتى كانت يد غليظة قد امتدت وأطبقت عليه ، وكانت يد الشرطي ” مسعود الزلحاق ” .

أطلق الشرطي” مسعود الزلحاق ” ضوء مصباحه القوى على ” أحمد ” فشاهد فردة الحذاء في يده فسأله في خشونة : ما هذا ؟

أحمد: فردة حذاء كما ترى .

الشرطي : وماذا تفعل بها ، هنا ؟

أحمد : لا أعرف ، لقد أعطاها لي شخص ما و……. اتركني ، فأنا لم ارتكب خطأ !

وقلب الشرطي ” مسعود الزلحاق ” فردة الحذاء ، ورأى النعل ، فأدرك انه عثر على دليل هام وقال ” لأحمد ” في تهديد قل لي حالاً ، ومن أين أتيت به ، وحذاء من هذا ؟ ولكن ” أحمد ” بدلا من أن يجيب عن السؤال ، استجمع قوته كلها ، وثنى جسمه وأفلت من يد الشرطي” مسعود ” ، وأسرع يجري في الظلام واختفى .

دار” أحمد ” حول الحوش ثم استجمع أنفاسه المتقطعة وصاح مقلداً البومة ((أووووو ….أووووو))

*

في مصيدة الخوف

ولم يكد ” ـأحمد ” ينتهي من صيحته ،حتى امتدت يد أخرى في الظلام ، فسدت فمه، وقبل أن يسقط على الأرض من شدة الخوف والفزع سمع مؤيد يقول له :

اسكت، هل أحضرت الحذاء؟ وشرح ” أحمد ” لـ ” مؤيد ” ما حدث ، ففكر” مؤيد ” قليلا ثم قال : لن نعود دون إن نحصل على الحذاء المطلوب من منزل الأستاذ ” القديم ” .

دخل الصديقان من نافذة الصالة ، وأسرع ” مؤيد ” من المكتبة حيث ظن أن ” القديم” يُخفى الحذاء الذي كان يلبسه يوم الحريق ، في حين وقف ” أحمد ” في الصالة، فرأى الدولاب الذي أخذت منه ” الزهراء ” القردة الضائعة ، فتقدم وفتح الدولاب واخذ يبحث، ولم تمض لحظات حتى شاهد” أحمد ” الأستاذ ” القديم ” يعبر الصالة ويدخل المكتبة فأدرك أن ( مؤيد) قد وقع ،لأنه لم ينذر في الوقت المناسب ولم يكد الأستاذ “القديم ” يُضئ الغرفة ،

وتقع عينه على (مؤيد) حتى صاح : النجدة .. لصوص .. لصوص. أسرعت “مبروكة ” مُرتعبة عندما سمعت صوت ” القديم ” فشاهدته يسحب ” مؤيد ” ويصعد به إلى غرفة في الدور الثاني حيث أغلق عليه بابها .

عاد الأستاذ ” القديم “إلى الصالة مستنجداً، فإذا بمفاجأة أخرى في انتظاره ، لقد وجد ” أحمد ” يقفز من باب الدولاب جارياً إلى فوق لينقذ صديقة . أسرع ” القديم ” خلف ” أحمد” ،واستطاع أن يلحق به ، ففاجأه ” أحمد ” بالجلوس فجأة على السلم ، فوقع ” أحمد ” عليه .

اخذ ” أحمد ” يتأوه ويتألم ” آه يارسي.. آه يا ظهري لقد تكسرت كل عظامي “.

أسرعت “مبروكة ” وهي لا تكاد تصدق عينيها إلى ” أحمد ” تظاهر بأنه سيموت.

واضطر”القديم” أمام ” أحمد” أن ينسى ما حدث، وينحني عليه ليساعده في حين كانت” مبروكة ” تؤنبه قائله: هل هؤلاء هم اللصوص اللذين قلبت الدنيا صياحاً من أجلهم ، ألا تحجل من نفسك؟

” القديم ” : إني.. لم.. اقصد .. إصابته.. إني..

ولكن ” مبروكة” صاحت : اصعد فوراً، وأطلق سراح الولد الآخر.

ونفذ ” القديم ” تعليمات “مبروكة” ، وأطلق سراح “مؤيد”، ولما وقف الصديقان أمامه سألهما: أريد فقط أن اعرف ، ماذا دفعكما لدخول مسكني في الظلام؟

رد ” مؤيد ” بصراحة : الحقيقة ، كنا نريد أن نعرف ماذا   كنت تفعل في حديقة الاستاذ ” فتحي ” ليلة الحريق!!

لقد قال لنا ” خليل ” إنه رآك هناك.

القديم: لقد ذهبت لإحضار بعض مخطوطات كان ” فتحي ” قد استعارها مني ،وقد أحضرتها وهي عندي هنا ، وقد شاهدتها بنفسك هذا الصباح .

*

برهان أخر

استمر الأستاذ ” القديم ” يشرح تفاصيل زيارته لبيت ” فتحي “ليلة الحريق ، وكان واضحاً حديثه انه لم يشعل شيئاً .. فقال ” مؤيد ” خجلاً:

المعذرة يااستاذ ” مؤيد” .. وبالمناسبة لقد أخذنا فردة حذائك هذا الصباح لنقارنها بالآثار التي كانت في الحديقة ، وقد انتهت الحكاية بوصول الفردة إلى الشرطي “مسعود الزلحاق “.

القديم : يا للمصيبة ، هل وصل حذائي للشرطة !!

لقد أدركت الآن لماذا ظل الشرطي “مسعود الزلحاق”

طول النهار يدور حول مسكني .

انصرف ” مؤيد ” و” أحمد ” وذهب كل منهما إلى مسكنه ، فقد كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلاً.

وفي الصباح التقى الأصدقاء الخمسة مرة أخرى ، فشرح ” مؤيد ” ما حدث ثم قال : لقد اتضح الآن أن اى واحد ممن اشتبهنا فيهم لم يشعل الحريق ،لا ” خليل ” ولا ” المتسكع ” ولا ” القديم ” ولا ” فاطمة ” ولا ” أعويشة ” ، ولكن لابد أن هناك من أشعله فمن هو ؟

أحمد : اقترح أن نعود مرة أخرى إلى الحديقة ، لعلنا نعثر على أدلة أخرى .

انطلق الأصدقاء ، إلى الحديقة ، ووقفوا حول الحفرة ،وكانت آثار نعل الحذاء النقوش مازالت موجودة ، فأخذوا ينظرون إليها ، وفجأة قالت ” عزة ” هل لاحظتم ما لاحظت ؟ إن آثار الأقدام تُبين أن من كان في الحفرة قد جاء من المنزل أولا ثم نزل في الحفرة ، ثم خرج منها ، واتجه إلى الحقول.

تختخ : إنها ملاحظة ذكية ، ولكني تعبت من هذا اللغز ن ومن الأفضل أن نريح أدمغتنا قليلاً ، ونخرج في نزهة .

ووافق الأصدقاء ، وذهبوا لإحضار دراجاتهم ، عدا ” عزة ” التي فضلت أن تخرج مع الكلب ” عنتر ” في نزهة وحدهم وكانت السماء قد امطرت ليلاً ، وهو شيء نادر الحدوث في شهر سبتمبر ، وخرجت ” عزة ” إلى الحقول المحيطة بمنطقة ” الهضبة المشروع ” ومعها كرة ، أخذت ترمي بها بعيداً، فيذهب الكلب ” عنتر ” لإحضارها . وذات مرة وهي تنحني لإحضار الكرة كانت في انتظارها مفاجأة..لقد رأت آثار نعل من المطاط المنقوش تنطبق تماماً على الآثار التي في الحفرة في حديقة الأستاذ ” فتحي ” .. تلك الآثار التي تعبوا كثيراً لمعرفة صاحبها ؛ فخفق قلبها بشدة و اخذت ” عزة ” تتحدث إلى الكلب ” عنتر ” وهي منفعلة :

هل ترى يا ” عنتر ” إنها لآثار التي نبحث عن صاحبها منذ أيام ، لقد أمطرت السماء امس ليلاً ومعنى هذا أن هذه لآثار جديدة .. فماذا نفعل ؟

نظر ” عنتر” إلى ” عزة ” وهز ذيله ثم تقدم يشم الآثار قد علقت تماماً بأنف ” عنتر ” فلم يجد صعوبة في تتبعها بسرعة حتى الأماكن الجافة التي كانت تختفى فيها . لقد سار صاحب الآثار فترة طويلة حتى اقترابه من طريق المطار الرئيس ،ثم عاد مرة أخرى .. إلى حوش الأستاذ ” فتحي ” كانت مفاجأة للفتاة الصغيرة ، فوقفت حائرة إمام باب الأستاذ ” فتحي ” تسأل نفسها: لماذا دخل هنا ؟ وفجأة فتح الباب وظهر الأستاذ ” فتحي ” فبدت عليه ا الدهشة لوجود ” عزة ” أمام بابه ، فسألها في خشونة : ماذا تفعلين هنا ؟ ردت ” عزة ” مرتبكة : معذرة ياسيدى .. لقد كنت أتبع هذه الآثار فقادتني إلى باب حوشكم ، إنها مُهمة لنا جدا ” فتحي : أنتم ، من أنتم ؟ وما أهمية هذه الآثار لكم ؟

عزة : نحن الأولاد الخمسة ، وهذه الآثار لحذاء الشخص الذي أحرق الكشك في تلك الليلة ، وسوف نمسكه . قال ” فتحي ” وهو يتظاهر بالظرف : من الأفضل أن تدخلي ، ولكن اتركي هذا الكلب خارجا .

عزة : لا أستطيع ، وإذا تركناه ، فلن يكف عن ضرب الباب بقدميه .

ودخلت “عزة ” ودخل الكلب خلفها ، وجلس الجميع فقال ” فتحي ” بصوت حاول أن يجعله مرحا : والآن أيتها الفتاة الظريفة أخبريني ماهى الحكاية بالضبط؟

وروت ” عزة ” للأستاذ ” فتحي ” كل شيء عن الأولاد الخمسة ، ( والأدلة ) والآثار ، ولم تنس شيئا مطلقاً ، ثم سألته في النهاية : والآن قل لي أين الرجل الذي دخل مسكنه هذا الصباح ، ويلبس حذاء من المطاط ؟ رد ” فتحي ” يبطء : لقد زارني شخصان اليوم ، الأستاذ (عتيق ) لاستعارة كتب ، و” خليل ” يرجوني لأعيده إلى عمله .

لوزة : إذا فواحداً منهما هو الذي أحرق الكشك ، وأرجو ألا تُخبر أحداً بما قلت لك يا أستاذ ” فتحي ” أبداً .

فتحي : أعدك بذلك ، وأتمنى أن تنجحوا في معرفة الفاعل ، حتى استطيع الانتقام منه .

خرجت لوزة فنظرت إلى الآثار مرة أخرى ، ثم أسرعت إلى الحديقة تنظر عودة الأصدقاء وهي تفكر : هل كان من الخطأ أن تخبر “فتحي ” بكل ماحدث ؟

ولم يكد الأصدقاء يصلون حتى أسرعت ” عزة ” تروى لهم مافعلته ،وهم يستمعون إليها في دهشة وإعجاب ،ولم تكد تنتهي من

حديثها حتى ظهر إمامهم في الحديقة شخصان ، والدة ” أدهم “و الشرطي “مسعود الزلحاق

وتقدمت والدة ” أدهم ” من الأولاد وقالت في صوت غاضب : ما هذا الذي اسمعه عنكم ، ماذا كنتم تفعلون في منزل الأستاذ ” القديم ” ليلا ؟

“وأنت يا” عزة ” مالك أنت والآثار …والأستاذ ” فتحي ” وكل هذه الأشياء التي سمعتها ؟

تساقطت دموع ” عزة ” وهي تسمع والدتها وقالت : من الذي قال لك ؟ لا احد يعرف كل هذا ؟ لا احد يعرف كل هذا إلا نحن والأستاذ ” فتحي ” إذن فهو الذي قال للشرطي ” مسعود الزلحاق ” وانتفخ ” الشرطي ” مسعود الزلحاق ” وهو يقول : نعم ، لقد حدثني تليفونياً ، وروى لي ما قلتيه له.

وزاد بكاء” عزة ” وهي تقول : إذن فقد انتشر السر ، لقد وعدني ولم يحافظ على وعده ،إنه رجل شرير ..شرير. واخذ الشرطي مسعود” يؤنب الأطفال على تدخلهم في أعماله ، ثم أنهى حديثه قائلاً : إن هذا عملي وحدى . وحدي .. وأي تدخل منكم في المستقبل سيعرضكم لمتاعب ضخمة ..جداً.. جداً .

وانصرف الشرطي ، والسيدة ، وتركا الأطفال في ذهول.

ثم انطلقت عاصفة اللوم منهم ،انصبت على رأس ” عزة ” المسكينة ، واتهمها الجميع بأنها ضيعت جهودهم .

لكن ” أحمد ” الذي كان صامتاً اخذ يُطيب خاطرها قائلاً : لا تحزني يا” عزة ” فكل إنسان يُخطئ .

وعادت أم ” أدهم ” بعد أن أوصلت الشرطي، وطلبت من الأطفال أن يذهبوا فورا للاعتذار للأستاذ “فتحي ” وحاول الأصدقاء الرفض ، ولكن السيدة أصرت على ما طلبت .

*

اكتشافات غريبة

دخل الأصدقاء غالى مكتب الأستاذ ” فتحي ” حيت كان يجلس ، فقال لهم متضايقا : لماذا حضرتهم ؟

وأسرع أـدهم يرد : لقد طلبت منا والدتي أن نعتذر لك .

وقبل أن يرد صاحت ” عزة ” : ألم تعدني ألا تخبر أحدا لقد أخلفت وعدك .

ولم يهتم ” بالرد عليهم وسمع الجميع في تلك اللحظة صوت طائرات تمر فوق الحوش ، فقال ” فتحي ” : أنها طائرات نفاثة ، وهذه ثاني مرة تمر فوق

حوشي هذا الأسبوع فقد شاهدتها هنا وعددتها وكانت سبع طائرات .

وأسرع الأصدقاء إلى النافذة محاولين رؤية الطائرات إلا ” أحمد “الذي وقف في مكانه ، واخذ ينظر إلى الأستاذ ” نظرات حادة .

وبعد أن غابت الطائرات، دارت ثم عادت مرة أخرى فقال ” مؤيد ” : هيا إلى الخارج وسنراها أفضل … إلى اللقاء ياأستاذ .

فرد ” فتحي ” : لي اللقاء ، وأنصحكم ألا تدخلوا في أمور الكبار ، أن ” خليل ” هو الذي احرق الكشك، سوف يلقي جزائه ، لقد جاء لزيارتي هذا الصباح وكان يلبس حذاءً من المطاط .

وعندما خرج الأصدقاء اخذوا يتبادلون الأحاديث إلا ” أحمد ” الذي ظل صامتا فسألته ” الزهراء “: لماذا أنت ساكت يا” أحمد ” ؟

فرد ” أحمد ”   في صوت شارد : إنني أفكر في شيء غريب جدا جدا جدا ….

فسأله ” مؤيد ” : ما هو هذا الشيء الغريب جدا ..جدا …جدا ؟

قال ” أحمد ” هل سمعتم ما قاله” فتحي ” ؟

لقد قال انه شاهد هذه الطائرات هذا الأسبوع وكان عددها سبعا .

قال” مؤيد ” في ضيق : وماذا يعني هذا؟

ورد ” أحمد ” في صوت بدا خطيراً : أن هذه الطائرات حلقت فوق سماء منطقة الهضبة المشروع في المرة الأولى يوم الحريق في الساعة الخامسة ، وهو الوقت الذي زعم الأستاذ ” فتحي ” من قبل أنه كان فيه فيوسط طرابلس ومعنى هذا أنه كان هنا في منطقة الهضبة المشروع ولم يكن في وسط طرابلس في تلك الساعة !!

سكت الأصدقاء جميعاً ، وأخذوا ينظرون إلى ” أحمد ” في ذهول ، ومرت فترة ضمت طويلة قبل أن يقول ” مؤيد ” شيء غريب فعلا …جدا .

فقال” أحمد ” في صوت فخور : وهكذا أيها الأولاد الخمسة ،عندنا شخص جديد مشتبه فيه وهو الأستاذ ” فتحي ” نفسه !

“عزة ” ولكن هل يمكن أن يحرق ” فتحي ” مخطوطاته الثمينة بيده ؟

أحمد : ممكن طبعا ، فهو لم يحرقها ولكن باعها ، ثم أشعل النار في بعض الأوراق ليحصل على قيمة التأمين ، وهناك أشخاص لا أخلاق لهم يتصرفون بهذه الطرق الدنيئة .

الزهراء : ولكن المشكلة أننا لا نستطيع أن نخبر أحدا بهذا أبدا .

أحمد: المهم أن نثبت كيف استطاع ” فتحي ” إقناع الناس انه كان في وسط طرابلس في حين انه كان فيضاحية الهضبة المشروع وخاصة أن السائق أحضره من محطة جامع القاسي فعلا .

مؤيد : تعالوا نذهب إلى المحطة لعلنا نعثر على دليل يفيدنا .

واتجه الأصدقاء إلى المحطة ، فرأوا الأيفكوات قادمة من بعيد ثم تقف في علي نواحي جزيرة دوران مسجد الصحابة الشهير بجامع القاسي وهي المحطة المحاذية لمحطة سيارات الهضبة المشروع ثم استأنف السير .

قال مؤيد : لقد فهمت كل شيء ، لقد خرج ” فتحي ” في الرابعة عصرا متظاهرا بأنه ذاهب إلى وسط طرابلس ودخل الحديقة دون أن يراه أحد ، فأختفي في الحفرة التي بالحديقة ، في انتظار فرصة مناسبة لإشعال الحريق ، وهناك شاهد ” خليل ” و ” اعويشة ” ثم “القديم” فانتظر حتى انصرف الجميع وأشعل النار ثم أسرع إلى المحطة السابقة على لمحطة الهضبة المشروع وهي محطة منطقة صلاح الدين وانتظر هناك فترة ثم ركب سيارة الهوندايا التراجيت بدينار من هناك وعاد إلى الهضبة المشروع مرة أخرى حيث تظاهر بالحزن والغضب لأن الحريق قد التهم مخطوطاته الثمينة .

وأخيرا قالت ” عزة ” : إن رجلا يخلف وعده يمكنه أن يفعل إي شيء .

وفجأة ارتفع صوت الكلب ” عنتر ” فقالت “عزة ” يبدوا ان ” عنتر ” يطارد قطة .

وظهر الكلب الأسود ، وفي فمه شيء لم يتبينه الأصدقاء من بعيد ، فلما اقترب ” عنتر ” اتضح أنه يحمل فردة حذاء أسرع يلقيها أمام” عزة “.

انحنت” عزة ” وأمسكت بفردة الحذاء وقلبتها ونظرت إلى النعل ثم صاحت في فرح : إنها فردة حذاء مطاط ، وبالنعل نقوش كالتي رسمها ” أحمد ” عند الحفرة . وهي أيضا نفس النقوش التي تبعتها هذا الصباح حتى مسكن الأستاذ ” فتحي ” .

وقال ” أحمد ” وهو يمسح ظهر كلبه : كلب ذكي لقد شم رائحة الآثار في الصباح ، ولم ينسها ، وقد تتبعها حتى عثر على الحذاء …. والأن يا ” عنتر “هل تستطيع العثور على فردة الأخرى ؟

وفهم ” عنتر ” المطلوب منه ، فأسرع يجري وخلفه الأصدقاء حتى وصلوا إلى مكان قرب محطة السكة الحديد وفي حفرة صغيرة وجدوا الفردة الأخرى .

*

صديق جديد

جلس الأصدقاء في الحديقة العامة ، يتناقشون وأخذ ” مؤيد ” يلخص كل الحوادث التي مضت حتى العثور على الحذاء فقال : وعندما علم ” فتحي” إننا نتبع الآثار أسرع بإخفاء الحذاء بعيدا عن الحوش ولكن ” عنتر ” استطاع العثور عليه ، أن بحوزتنا كل الأدلة ولكننا لا نستطيع أن نخبر أحدا خاصة العريف ” مسعود الزلحاق”، وسمع أصدقاء حركة خلفهم فالتفتوا إليها فرأوا رجلا أنيقا كان يقرأ في صحيفة خلفهم دون أن ينتبهوا له .

التفت الرجل إليهم وحياهم ثم قال معذرة ، فقد سمعت حديثكم كله وعرفت كل شيء ، وأنا تقريبا مغامر مثلكم ، وأحب أن انضم إليكم للقبض على المجرم .

كان الرجل ضخما ، ومنظره يبعث على الثقة، فرد له الأصدقاء التحية وبدءوا يتحدثون معا

قال الرجل : أحب أن اسمع القصة مرة أخرى من البداية إلى النهاية فمن منكم يستطيع أن يرويها لي .

قال مؤيد : إنني رئيس الأولاد الخمسة وسأروي لك كل شيء بالتفصيل .

واخذ ” مؤيد ” يروى الحكاية من بدايتها ، والرجل ينظر إليهم في إعجاب ومحبة وعندما وصل ” مؤيد ” في حكايته إلى قصة الطائرات ، وكيف كشف ” فتحي ” نفسه بما قال ، التفت الرجل الضخم إلى ” أحمد ” قائلا : يا لك من ولد ذكي .

وانتهى ” مؤيد ” من الحكاية كلها فقال الرجل : عمل عظيم ، وإنني سعيد بالتعرف على الأولاد الخمسة والكلب ” عنتر ” وأعتقد إنني استطيع مساعدتهم قليلا .

فقال ” مؤيد ” : كيف ؟

الرجل : أولا لابد من إبلاغ الشرطة بكل شيء .

مؤيد : ولكن العريف “الزلحاق” أقصد الشرطي “مسعود الزلحاق “

لن يصدق كلمة مما نقول .

وضحك الرجل الضخم وقال : العريف “مسعود الزلحاق ” …. ها …. ها …. اسم لطيف لا تحملوا هم العريف ، وكل ما عليكم أن تحضروا غداً في الساعة العاشرة إلى قسم الشرطة ، ودعوا الباقي لي .

*

نهاية اللغز

وفي العاشرة صباحاً كان الأصدقاء الخمسة وكلبهم “عنتر” أمام قسم الشرطة وكانت معهم كل الأدلة التي حصلوا عليها (قطعة القماش الرمادية ورسم آثار الحذاء، والحذاء نفسه)

قال “مؤيد”: إن الدليل الوحيد الذي لم نستفد منه هو قطعة القماش الرمادية.

وفي تلك اللحظة ظهر الشرطي ” مسعود الزلحاق “، فانتظر الأصدقاء

أن يصيح بهم كالمعتاد: اتزلخق أنت وياه من هنا، ولكن كانت

دهشتهم شديدة حين تحدث إليهم في أدب شديد، وطلب منهم دخول القسم فقال

“مؤيد”: إننا ننتظر صديقاً لنا.

قال الشرطي “مسعود ” في أدب: نعم، وسوف يحضر حالاً.

ووصلت سيارة صغيرة إلى باب القسم، وظن الأصدقاء أن الرجل الضخم

فيها ولكن نزل منها ضابط شرطة.

ثم وصلت سيارة أخرى كبيرة فخمة، فوقف كل رجال الشرطة.. الجنود..

والضباط احتراماً لراكبها، ونزل الراكب.. فإذا هو صديقهم؛ وسمعوا الضابط يقول: لقد حضر مفتش المباحث الجنائية.

وشعر الأصدقاء بسرور بالغ، فصديقهم رجل هام جداً وأسرعوا إليه فاستقبلهم بتحية حارة، ثم دخلوا معه إلى القسم .

جلس الأصدقاء بجوار المفتش “حسن”، وبعد قليل دخل وكيل النيابة فتبادل مع المفتش بعض الحديث، ثم قال المفتش للأصدقاء: لقد فهمت كل شيء، وأنتم الذين استطعتم معرفة حل هذا السر، فالأستاذ “فتحي” كان يريد الحصول على قيمة التأمين، واختار يوماً تشاجر فيه مع عدد كبير من الناس ليلقى بالشبهة عليهم، ولكنكم استطعتم كشف خطته، وأنني أهنئكم، وأعتقد أن العريف “مسعود” عنده نفس الشعور.

ورد الشرطي “مسعود” قائلاً: فعلاً.

فقال “مؤيد”: إننا نقدر الشرطي ” مسعود” والجهود التي يبذلها للمحافظة على الأمن.

ورد الشرطي بكلمة شكر، وإن كان يشعر بالضيق، لأنهم سبقوه إلى حل اللغز.

قال المفتش: سأذهب الآن لاستجواب “فتحي” والقبض عليه، فهل تحبون أن أوصلكم في السيارة إلى بيوتكم.

ووافق الأصدقاء شاكرين، وركبوا السيارة الكبيرة وهم غاية في السعادة، والناس جميعاً ينظرون إليهم في إعجاب.

وفي الطريق قال” أدهم”: إننا نرجوك أن تتحدث إلى والدتنا، فسوف تحترم ما تقوله عنا.

رد المفتش: إن هذا يسعدني فأنتم أولاد أذكياء، ولكنى سأذهب أولاً إلى حوش الأستاذ “فتحي” ثم أعود إليكم.

وانتظر الأصدقاء في الحديقة، وبعد نصف ساعة تقريباً عاد المفتش، فاستقبلوه بفرح شديد وسألوه عن ” فتحي” فقال: لقد اعترف بعد أن وضحت له كل الأدلة، وهو الآن في طريقه إلى السجن.

وجاءت والدة ” أدهم” تحمل الشاي للمفتش،

فحياها وقال: إنني أتقدم بالشكر لهؤلاء الأولاد الأذكياء على المساعدة الهامة التي قدموها لنا.

ثم التفت إلى الأصدقاء قائلاً: وسيسرني أن التقى بالأولاد الخمسة وكلبهم “عنتر” دائماً.

قالت “عزة”: ولكن يا سيدي، هناك “ذليل لم نعرف صاحبه حتى الآن، إنه قطعة القماش الرمادية.

ضحك المفتش، وهو يضع يده على كتف “مؤيد” قائلاً: إن هذه القطعة الرمادية من ثوب الصديق “مؤيد”.

وأدار “مؤيد” جسمه، فظهر تمزيق في الركن الأسفل من بنطلونه.

وابتسم المفتش وهو يقول: الحمد لله أنكم لم تلاحظوا ذلك، وإلا وضعتم “مؤيد” في قائمة المشتبه فيهم.

ووقف المفتش، ونظر الأولاد إليه في أعجاب وقالت “الزهراء”: ولكن كيف عثرنا على قطعة القماش في السور القريب من الحفرة ؟.

فرد “المفتش”: لأن “مؤيد” كان أول من دخل من فتحة السور، فتمزق بنطلونه وتعلقت قطعة القماش حتى عثر عليها “أحمد”.

ودع الأصدقاء المفتش، ثم عادوا إلى الحديقة فقالت”الزهراء”: يا له من أسبوع حافل بالمغامرات، لقد حللنا اللغز، وبهذا ينتهي دور الأولاد الخمسة.

رد “أحمد”: سيظل الأولاد الخمسة وكلبهم يؤدون واجبهم، فسوف تظهر ألغاز أخرى كثيرة وما علينا إلا الانتظار.

إنهم ينتظرون.. وسوف يعترض طريقهم لغز آخر بلا شك.

ولكن – طبعاً – سوف تكون هذه قصة أخرى.

__________________________________

هامش:

تحوير في الغاز المغامرون الخمسة وهى قصص بوليسية قدمها في السابق الأديب المصري ( محمود سالم )

مقالات ذات علاقة

رواية ديجالون – الحلقة 12

المختار الجدال

ذات مــسـاء

الحبيب الأمين

حب إلى تجرهي

شكري الميدي أجي

اترك تعليق