يصور الفيلم الليبي القصير “العشوائي” تأثيرات ثورة فبراير على المجتمع الليبى، ويرصد ظاهرة بروز الصراعات والتصنيفات الأيديولوجية المفتعلة عقب سقوط نظام القذافي، من خلال حكاية “المعتصم”، شاب ليبي كان خارج البلاد في فترة الثورة ، إلا أنه بعد نهاية الصراع المسلح في صيف 2011 يقرر العودة لأرض الوطن متفائلا ً طامحا ً كي يشارك في إعادة بناء المجتمع والدولة بعد اعوام طويلة من القمع والكبت للحريات، فيجد نفسه ضحية لالتباسات كثيرة حول كيفية تصنيفه ضمن داء تفشى في المجتمع الليبي في فترة الثورة ومابعدها حتى أوصلهم للاقتتال ضد بعضهم البعض، وبعد فترة من ممارسة العنف اللفظي والجسدي في الحياة اليومية، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، و المواقع الالكترونية والفضائيات الجديدة.
و “العشوائي” في الأصل كان حلقة من حلقات مسلسل فوبيا (انتاج العام 2013) تم تحويلها إلى فيلم سينمائي قصير، وفق لرؤية فنية للمخرج أسامة رزق، وباستخدام أحدث تقنيات التصوير والمعالجة الفنية. ذلك ان تقطيع المشاهد، وزوايا اللقطات و استخدام الإضاءة والموسيقى التصويرية مع الحوارات القصيرة المكثفة بدت مناسبة لفيلم سينمائى اكثر منها لحلقة تلفزيونية.
كان أداء نادر اللولبي لدور المعتصم وهو الشخصية الرئيسة في الفيلم القصير مقبول إلى حد كبير رغم الرتابة وفقدان الحيوية في بعض المشاهد في البداية، وهذا لنقص الخبرة والدراسة والتدريب ربما يتم تداركه مستقبلا، إلا أن أداءه تحسن ونجح في الجانب الكوميدي من الفيلم، وتمتع واصف الخويلدي بحضور خفيف الظل في اللقطات القصيرة التى ظهر فيها بالفيلم.التصوير والمونتاج مع الموسيقي التصويرية منح لأحداث الفيلم القصير حيوية وتشويق ، بالإضافة للكوميديا الراقية المقدمة في الفيلم دون ابتذال او ركاكة عند طرح مثل هذا النوع من المواضيع.
يدخل هذا النوع من الأفلام القصيرة ضمن سينما تركز على مواضيع حقوق الانسان والتغيير الاجتماعي، التي تحث المشاهدين على التفكير وطرح القضايا للنقاش على نطاق واسع في المجتمعات. فالأفلام لديها القدرة على الوصول إلى قدر كبير من شرائح أي مجتمع، كما تملك إمكانية إنجاز الكثير مما لايمكن أن تفعله أي برامج حوارية او مطبوعات حول حقوق الانسان، كما يمكن لها أن تلعب دور هام في التوعية حول التعصب الإجتماعي والفكري في المجتمع، و تساهم في التعريف بالتحديات الكبيرة في الفترات الانتقالية التي تمر بها المجتمعات خلال التغييرات السياسية الكبيرة. في هذا الإطار أرى أن فريق عمل “العشوائي” نجح في تسليط الضوء على هذه الظاهرة المستجدة، أي التصنيفات الفكرية والسياسية العبثية في مجتمع ما بعد الثورة في ليبيا، واعتقد أنه لو توفرت الامكانيات المادية والفنية بشكل أفضل وضمن ظروف اكثر استقرارا سنشاهد افلام قصيرة وطويلة تعالج مشاكل وأزمات هذا المجتمع بشكل افضل واعمق، وهو ما آمله.
قام ببطولة “العشوائي” كلا من: نادر اللولبي ومحمد عثمان وواصف الخويلدي ورمضان المزداوي ومهند كلاش ومحمد الصادق، وهو من تأليف الكاتب الليبي سراج هويدي ، ومن إخراج المخرج أسامة رزق، والموسيقى التصويرية لربيع الزموري، تبلغ مدة الفيلم 25 دقيقة .
عُرض الفيلم ضمن عرض خاص في الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الانسان بتونس عام 2014.
شكرا لمؤسسة العين وشركة أرت برودكشن لإنتاجها هذا العمل الفني، و شكرا لفريق العمل السينمائي ومحاولاتهم الجادة لتقديم مايساهم في الارتفاع بوعي المواطن العادي رغم كل الظروف الصعبة التي تشهدها ليبيا خلال العامين الأخيرين. كما اتمنى أن يقدم هذا الفيلم في عروض خاصة لطلاب المدارس والجامعات و في القنوات الفضائية الليبية .
تعليق واحد
مقال نقدي رائع أتمنى أن يعرض الفيلم قريبا