من أعمال الفنان التشكيلي علي الزويك
قصة

وجــــــــــوهٌ ..!!

ZWIK_01

( و )

قَهْوَتِي بِلا وَجْهٍ ..!!؟
وَجْهِي في المِرْآةِ يُنْبِئُ بأنَّنِي لَسْتُ أنا ..!!
الوُجُوهُ التي تَعْبُرُنِي ببرودَتِهَا بطونُ أحذيَةٍ عَتِيقَةٍ ..
وَجْهُ النَّادلِ الشَّاحِبُ يَبْصُقُ ابتسامَةً منزوعَةَ الرُّوَاءِ ..
ووجهُهَا لا يَجِيءُ ..!!؟
وَجْهُ النَّهَارِ يختفي تدريجيًّا ..
وَجْهُ المَسَاءِ يُعَلِّقُ شحوبَهُ على واجهَةِ المَقْهى الكَالِحَةِ ..
وَجْهُ القَمَرِ شَاحِبٌ كوجهِ زنجيَّةٍ ثكلى ..
قَهْوَتِي بِلا وَجْهٍ ..!!؟
وَوَجْهُهَا لا يَجِيْءُ ..!

( ج )

الغِيَابُ والخَوَاءُ وَجْهَانِ لِمَوْتَةٍ وَاحِدَةٍ ..
الشَّحَّاذُ يزجُّ بوجهِهِ في وجهي ويضحِكُ حتى أكادَ أرى أعمَاقَهُ ..
يسألُنِي ببلاهَةٍ : أما عرفتني ؟ ألا تذكُرُ هذا الوَجْهَ !؟
– أَيُّ وجهٍ ..؟!
– وَجْهِي … !
نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ المَزْعُومِ .. كَانَ ثمَّةَ حذاءٌ قديمٌ ينبتُ في رأسِ المِسْكينِ ..
نَاوَلْتُهُ عملةً معدنيَّةً وأدرْتُ وجهي عَنْهُ ..
قَلَّبَهَا بينَ أصابعِهِ .. نَظَرَ إِلَى وَجْهَيْهَا .. قَبَّلَهَا بِشَفتينِ منَ المُفترضِ أن تَكُونَا في وجهِهِ .. حَيَّانِي بفمٍ فاغرٍ كفمِ حوتٍ جائعٍ، وانْصَرَفَ ..
زبونانِ يتجادلانِ : انظرْ للمشكلَةِ من عدَّةِ وجوهٍ ..
لغويَّانِ يختصمَانِ حَوْلَ مَسْأَلَةٍ نحويَّةٍ؛ أحدُهُم يدحضُ حُجَّةَ صَاحِبِهِ قَائِلاً : لا وَجهَ لتأويلِكَ المَعْنَى هكذا..!!
يواجِهُهُ الآخرُ بشراسَةٍ: استحِ على وجهِكَ ..!
على وَجْهِ السُّرْعَةِ تُخْتَتَمُ المُوَاجَهَةُ اللُّغَوِيَّةُ ليَتَوَاجَهَا بِالأَيْدِي .. وَجْهَاهُمَا يَتَحَوَّلانِ إلى سبَّورتينِ لطباشيرَ أحمرَ .. وَجْهًا لوجهٍ كانَا معَ الفضيحَةِ..!!
بَائعٌ مُتَجَوِّلٌ يقتربُ منِّي مناديًا على بضاعَتِهِ: ” لديَّ صابونُ وَجْهٍ .. منشفَةٌ نَاعِمَةٌ للوَجْهِ .. معجونٌ لحلاقَةِ الوَجْهِ .. كريمٌ أصليٌّ للوَجْهِ .. موسى لحلاقَةِ الوَجْهِ .. مِرْآةٌ صغيرَةٌ للوجهِ…..”
صَمَتَ فَتَحَسَّسْتُ وَجْهِي .. انتظرْتُ أن يُعْلِنَ أنَّ لديْهِ وجهًا لترميمِ الوَجْهِ .. أو وجهًا لإنقاذِ الوَجْهِ .. أو وجهًا للشَّهَادَةِ لِلْوَجْهِ بِأَنَّهُ وَجْهٌ .. !
لم يكُنْ ثمَّةَ وَجْهٌ لَدِيَّ لاشتريَ شيئًا يَخُصُّ الوَجْهَ .. وَجَّهْتُهُ بنظرَتِي المُعْتَذِرَةُ إلى بابِ الخروجِ فَيَمَّمَ وَجْهَهُ نَحْوَهُ .. تَأَكَّدْتُ من أَنَّهُ عَادَ كَمَا جَاءَ؛ بِلا وجهٍ ..!!

( و )

في التِّلفازِ إعلانٌ عن مسرحيَّةٍ بائسةٍ : ” مسرحيَّةُ ( ثلاثَةُ وجُوهٍ )، بطولَةُ الوَجْهِ الجديد : أبو الوجوه ..”
يا الله ..! لا وَجْهَ لهذا ولا لِمَنْ هُمْ مَعَهُ ..! تَخَيَّلْتُ حُضُورًا بلا وجوهٍ، كالممثَّلينَ تمامًا ..!!؟
قارئٌ ذو فضولٍ ثَخِينٍ يُدْنِي وَجْهَهُ منِّي مُتَسَائِلاً : أأنتَ مؤلِّفُ كتابِ ( التَّرَبُّصُ بوجِهِ القمرِ )* ؟ هَزَزْتُ لَهُ رأسًا بلا وجهٍ مؤكَّدًا أَنَّنِي هُوَ .. نَظَرْتُ لِلْقَمَرِ، كانَ وَجْهُهُ شَاحِبًا كوجهِ زنجيَّةٍ ثَكْلَى ..
إذًا أنتَ صَاحِبُ ديوانٍ ( توقيعاتٌ على وَجْنَة القَمَرِ ..)* ؟
لقد عِرْفُتُكَ من وَجْهِكَ ..!!
” اغربْ عن وَجْهِي ..” لفظتُهَا بخجلٍ خوفًا من أن ينظرَ إلى وجهي فلا يجدُهُ .. أشاحَ بوجهِهِ عنِّي ..
بائعُ الكتبِ المستعملةِ يُدْنِي شَفَتِيهِ منِّي، ويدلقُ في سمعي صوتًا كدمدمَةِ رعدٍ: ” مَعي رواياتٌ مدهشةٌ: هذهِ روايَةُ ( وجْهٌ في الذَّاكرَةِ ) لساره كريفن .. هل قرأتَ لها ..؟
وهذهِ روايةُ ( وَجْهُ النَّائِمِ ) للرِّوائيِّ السُّعوديِّ عبد الله ثابت، هل تعرفُهُ؟
وهذهِ روايةُ ( وجهُ المرايا ) لأحمد سعيد .. سَتُعْجِبُكَ ..
أقترحُ عليكَ رِوَايَةَ ( وجهُ الزَّمَانِ ) لطاهر العدوان، لاشكَّ أنَّكَ سَمِعْتَ بها.
وهذهِ روايةٌ مختلفةٌ ( للجُوعِ وجوهٌ أخرى ) للرِّوائيَّةِ اللِّيبيَّةِ وفاء البوعيسى، هيَ من بلَدِكَ، أَلَيْسَ كذلكَ..؟
أم تفضِّلُ روايَةَ رعبٍ وإثارَةٍ، إليكَ رِوَايَةَ ( وجه الخوف ) للرِّوائيِّ الأمريكيِّ دين كونتز ..؟
لم يعجبْكَ شيءٌ منها ..!؟ حسنًا خذْ هذِهِ؛ رِوايَةَ ( بَصْقَةٌ في وَجْهِ الحَيَاةِ ) لفؤاد التكرلي.. “.
أرَدْتُ أن أَبْصَقَ في وَجْهِهِ لكنِّي توقَّفْتُ حينَ بَدَا لي وجْهُهُ بريئًا كضحكةِ مولودٍ ..
اِسْتَغَلَّ صَمْتِي فَأَرْدَفَنِي بِعُرُوضٍ أُخْرَى:” أمم ..! لَعَلَّكَ سَتُعْجَبُ بروايَةِ ( أيقونةٌ بلا وَجْهٍ ) للكاتِبَةِ السُّوريَّةِ هيفاء بيطار.
أم أَنَّكَ تستمرئُ ( وجهُ القَمَرِ ) روايَةَ الشَّبَابِ وَاليَافِعينَ لطارق البكري..!؟”
لم يَرَ في وجهيَ المفترضِ أَيَّ رغبَةٍ للشَّراءِ، فلملمَ وجوهَ رِوَايتِهِ وَطَوَاهُنَّ في كيسٍ أسودَ مُرَصَّعٍ بعدَّةِ وجوهٍ لكتَّابٍ وكاتبَاتٍ يبدو أنَّ لهم علاقةً بالوجوهِ ..!

( هـ )

وَجْهِي في المِرْآةِ يُنْبِئُ بأنَّنِي لَسْتُ أنا ..!!
الوُجُوهُ التي تَعْبُرُنِي ببرودَتِهَا بُطُونُ أَحْذِيَةٍ عَتِيقَةٍ ..
كلُّ الوجوهِ بلا وجوهٍ.. !!
العَالِمٌ أَجْسَادٌ تَبْحَثُ عن وجوهٍ ..
وَجْهُ السَّاعَةِ عابسٌ كوجهِ مغتصَبةٍ..
وَجْهُ المكانِ مقفرٌ كوجِهِ خريفٍ ..
وَجْهُ النَّادِلِ الشَّاحِبُ يَبْصُقُ ابتسامَةً منزوعَةَ الرُّوَاءِ ..
وَجْهُ النَّهَارِ يختفي تدريجيًّا ..
وَجْهُ المَسَاءِ يُعَلِّقُ شُحُوبَهُ على واجهَةِ المَقْهى الكَالِحَةِ ..
وَجْهُ القَمَرِ شَاحِبٌ كَوَجْهِ زِنْجيَّةٍ ثَكْلَى ..
قَهْوَتِي بِلا وَجْهٍ ..!!؟
وَوَجْهُهَا لا يَجِيءُ ..
وَجْهِي فِي المِرآةِ يَتَشَظَّى .. إلى عشراتٍ .. مئاتٍ .. آلافٍ .. آلافِ الوجوهِ وجهي .. وليسَ بَيْنَهَا وجهي ..
مرايا لا نهايَةَ لهَا تَتَنَاسَلُ مِنَ المِرْآةِ .. تَتَضَاءَلَ أَحْجَامُهَا .. تَتَقزَّمُ الوُجُوهُ فِيها، تَتَوَارى .. وَجْهِي فِي آخَرِ نُقْطَةِ مِرْآةٍ مَحْضُ نُقْطَةٍ مُعْتِمَةٍ.. أَثَرٌ بَاهِتٌ لَوَجْهٍ يَتَلاشَى ..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ( التربُّص بوجه القمر ) مجموعةٌ قصصيَّةٌ للقَاصِّ.
* ( توقيعاتٌ على وجنة القمرِ) ديوانُ شعرٍ للشَّاعِرِ.

مقالات ذات علاقة

طوفان درنة (4)

أسماء مصطفى

صــنة فــايحـــة

محمد ناجي

قصة كلب…. حقيقية

يوسف الشريف

اترك تعليق