قصة

طوفان درنة (4)

من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي
من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي

حملقت حولي مستغرباً

” اين انا؟”

لم أعرف مكان سكني، سألت رجلاً ماراً بقربي:

– وين عمارة العوامي؟ 

لم اتلق اجابة، الرجل بدا فاغراً فاه يحدق في ذهول صوب الخراب العظيم والأجساد العابقة برائحة الموت.

ركضت في كل الاتجاهات، البحر أمامي والجبل ورائي، هي طبيعة درنة، لا يمكن ان أخطئها، ولكن اين انا؟؟

ذابت ملامح المدينة واختفت، انشقت غرب وشرق، امامي خريطة اخرى لا اعرفها، لم ايأس ولم اتوقف عن التجوال بحثاً عن عمارة العوامي، عمارة من سبعة طوابق اين يمكنها ان تختفي؟، توقفت امام جسد ملقى على الارض، تأملته كثيراً، شعرت انني اعرف تفاصيله جيداً، بل احفظه عن ظهر قلب، لم املك ان ابعد عينيّ عنه والحزن يملؤني، لم يخرجني من شرودي الا صوت بكاء رجال يعبرون الدرب الذي اسلكه، سألتهم، لم يجبني احد، حاولت ان المس بدني لكن يدي لم تقبض سوى الهواء   وبعضاً من وحل، ما الذي يحدث معي؟! لابد انني عاري ككل الجثث المتناثرة من حولي.  عليّ ان اجد شقتي في اقرب وقت لأستر نفسي، تحركت بسرعة كبيرة تعجبت لها، توقفت عندما رمقت أخي، هو أيضاً يبكي بحرقة:

– ياريت نلقاه ولا نلقى عياله، نتمنى ندفنهم ونتريح عليهم.

ذكر اسمي واسماء ابنائي، هل يعتقد اننا في عداد الاموات؟ حاولت التواصل معه لكنه لم يسمعني، ربما أنا فقدت النطق من جراء الفاجعة، تتابعت الصور في ذهني (امطار شديدة، رياح عاتية، اعصار، احدهم يصرخ: السد انهار، امواج كالجبال،)

تركت اخي والحزن يعتصرني بعد ان احتضنته وحاولت مواساته واخبرته انني حيّ اُرزق ولكن دون جدوى، لم ينتشلني الا رؤيتي لمسجد الصحابة، شعرت بالأمان، اصخت السمع، هناك رجال يتحدثون عن عمارة العوامي:

-هنا كانت عمارة العوامي، عمارة الكواش، عمارة النف، كلها في قاع البحر.

سألتهم عما حل بسكان العمارات التي ذكروها؟

لم يعروني اهتماماً، اخرج احدهم ورقة وقرأ اسماء المفقودين، سمعت اسمي من بين الاسماء، ركضت الى مكان الجسد الذي شعرت انني اعرفه جيداً، وجدت اخي بالقرب منه يردد والعبرات تبلل وجهه:

الحمد لله اني لقيتك، ندفنك ويكون لك قبر، الحمد لله

في ذات اللحظة لمحت ملابس حريرية خضراء تكسوني، ارتفعت شيئاً فشيئاً عن الارض، غمرتني سكينة، شممت رائحة مسك وريحان، تخلصت من الوحل العالق بي ورأيت كأن نوراً ينبثق من فوقي وتحتي،

حينها فقط ادركت الحقيقة،

ولم اتمنى سوى شيء واحد:

“ان اطمئن أخي واخبره انني بخير”

مقالات ذات علاقة

الزعيم

سالم أبوظهير

فـيـما بـعـد

كلام يشبه الكلام

محمد دربي

اترك تعليق