آه يحدث فقط في مدينة الضباب، حيث تتداخل أنفاس الظلام مع أنوار الشوارع المتلألئة، تعيش الضباع، تلك الكائنات الجشعة التي لا تعرف للرحمة سبيلاً. تتجول في الأزقة كأنها ملوكٌ بلا تاج، تتصارع تحت غطاء الضباب الكثيف، مغرقة المدينة في دماء الأبرياء الذين يُداسون تحت أقدامهم.
كلما اندلعت عاصفة من الصراع، كانت صرخات الضعفاء تُعزف كأغنية حزينة تتردد بين جدران المدينة. كانت الدماء تُرسم لوحات على أسفلت الشوارع، بينما كانت الضباع تتقاتل على الفتات، تُحلق كالعواصف، لا تعرف سوى الانقضاض على بعضها البعض.
لكن عندما تتصالح الضباع، يأتي الصمت كظلامٍ مُخيف. تُطوى شمس الأمل، وتبقى أرواح الأبرياء خلف القضبان، أسرى لعقدٍ سريٍّ لم يُكتب على ورق، بل جُرح في قلوبهم. يجدون أنفسهم محاصرين، كأشجارٍ عتيقةٍ تُخنق بأحبالٍ غير مرئية، ينظرون إلى المدينة من خلف القضبان، حيث لا تُسمع همساتهم ولا تُرى آلامهم.
في تلك اللحظات، ينسج الضباب أقمشةً من الصمت، تُخفي تحتها قصص المعاناة والألم. كل زاوية في المدينة تحمل ذكرى من ضحية، وكل زقاق يُخبر عن إنسانٍ كُسر تحت وطأة صراع الضباع. يُصبح الحزن جزءًا من النسيج الاجتماعي، كالمطر الذي يسقط ليغسل أثار الصراع، لكنه لا يمسح جراح الأرواح.
ومع كل صباح جديد، يخرج الضباب لينشر غلافه البارد، وكأن المدينة تعيد إنتاج أوجاعها في حلقة لا تنتهي. تتصارع الضباع مجددًا، بينما يبقى الأبرياء، المأسورون خلف القضبان، ينتظرون يومًا يُعطى فيه صوتهم فرصة للصدح، ويتحرر فيه الحب من سجن الكراهية.
في مدينة الضباب، يصبح الأملُ غريبًا، والحريةُ حلمًا بعيدًا، لكن على الرغم من ذلك، لا يزال قلب المدينة ينبض بحياةٍ تنتظر الفجر.