تاريخ

ساعتان في الوسعاية بمدينة طرابلس المحروسة (1265 هـ/ 1849م)

برج الساعة
برج الساعة

الحمد لله حق حمده، وصلَّى الله وسلَّم على خير خلقه.

أودَّ في الأسبوع الأول من رمضان المبارك أن أتوجَّه إلى أصدقاء هذه الصفحة المتواضعة ومتابعيها الأفاضل بأطيب التحيات والأمنيات، وصادق الدعوات بالتوفيق وقبول القربات.

وقد استوقفتني الليلة هذه الإشارة الطريفة في إحدى يوميات (الجزء الرابع) من (اليوميات الليبية)، وأنا أتصفحها لبعض المراجعات في (الجزء السادس)، وهي توثق لرفع ساعةٍ عامَّة في (الميدان/الوسعاية) بمدينة طرابلس المحروسة (لضبط الأوقات)؛ لذا آثرت أن أضعها بين أيديكم الكريمة. ومن الجلي في هذا المساق أنَّ أيام هذا الشهر الجليل كانت – ولا تزال – في مقدمة الدواعي لمراعاة التوقيت. ويعرف هذا الفرع من علم الفلك المتعلِّق ببعض العبادات في تراثنا العربي الإسلامي بعلم (المواقيت) – على وجه الخصوص، وقد عُنِيَ الأستاذ الجليل محمد العربي الخطّابي، (وهو باحثٌ في التراث العربي المخطوط/ ومحافظٌ سابق للخزانة الملكية / الحسنية بالرباط)، بالتعريف بهذا (الفرع الإسلامي) من علم الفلك، في (كتابٍ مجموع) يضمُّ عدداً من النصوص المختارة بعنوان (علم المواقيت: أصوله ومناهجه)، الرباط 1407 هـ / 1986م. وجاء في التقديم الدراسي للكتاب: “إنَّ علم المواقيت من العلوم الإسلامية الضرورية، وهو يعتمد في أساسه على الرياضيات والفلك والجغرافية الرياضية، إلَّا أنَّه وثيق الصلة بالفقه الإسلامي إذ به يتعلَّق ضبط أوقات الصلوات ومعرفة جهة القبلة وما إلى ذلك”.

وقد نبغ فيه الفقيه المالكي العالم الفلكي عبد الرحمن التاجوري (من رجال القرن 10 هـ/ 16م)، وفي هذا الصدد لم يُنشَرْ من آثار التاجوري المخطوطة، مع تعدُّدها / وتوفُّر نُسَخها الكثيرة الموزَّعة في مختلف المكتبات شرقاً وغرباً، سوى نصٍّ واحدٍ في المغرب – فيما أعلم – ضمن الكتاب المذكور.

ولئن كان عطاء التاجوري (الفقيه / الفلكي) ينتمي إلى المعطيات العلمية المعتادة في عهده المشار إليه، فإنَّ هذه الساعة العامة الجديدة التي توثقها اليوميات الليبية في أواسط القرن (13 هـ/ 19م) تُعَدُّ في مقدمة الخطوات أو المبادرات الحركية التي شهدتها طرابلس المحروسة نحو تحديث ضبط الوقت (بالساعات) الآلية الجديدة المألوفة، ومنها هذه (الساعة العامة) التي نصبت في ميدان المدينة المعروف (بالوسعاية)، وذلك فضلاً على: (ساعة الجيب) المعروفة ، و(ساعة الشكماجة المنزلية) المذكورتين أيضاً في اليوميات الليبية.

وقد تلت هذه الساعة الأم المجهولة تلك (الساعة العامة) الشهيرة التي كتب لها الذيوع في الذاكرة الثقافية، وقد خصَّها مؤسِّسها الوالي المستنير علي رضا باشا بذلك البرج المميّز الذي غدا من أبرز المعالم الطبوغرافية الأثرية التي تستقبل أنظار الداخلين إلى اليوم، بحنينٍ حميم، إلى أزقة المدينة القديمة. كما شهدت مدينة طرابلس في العقود اللاحقة أيضاً مزيداً من العناية بحراك الساعات والتوثيق، وبرزت إحدى الأسر الكريمة في الضبط والساعات. ومنها الفلكي المربِّي الجليل الأستاذ (علي حيدر الساعاتي) الذي أُطلق اسمه على المدرسة الشهيرة. وأتمنَّى على الباحثين الشباب حقاً مواصلة هذا (الهاجس الساعاتي) في تاريخنا الاجتماعي / الثقافي، بالمزيد من النصوص والإضاءت والمعطيات المفيدة.

مقالات ذات علاقة

قصائد شعر بعنوان “الجورجية أو المور الطرابلسي”

المشرف العام

«العرافة الليبية».. أسطورة في عالم الدين والفن

لينا العماري

التحفة اللوبية في اللغة الطرابلسية

بدرالدين المختار

اترك تعليق