الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
تجسيرا للمسافات الحضارية والتبادل المعرفي بين ذوي الثقافات المتنوعة نظم مجمع اللغة العربية بمدينة طرابلس صباح يوم السبت 27 يناير الجاري ضمن البرنامج العلمي والثقافي للمجمع لعام 2024م لقاءً أدبيَا حمل عنوان (نصوص شعرية مالطية مترجمة) استضاف فيه سفير دولة مالطا في ليبيا السيد ” تشارلز صليبا”، اللقاء كان من تقديم الدكتور “سعدون السويّح” بحضور لفيف من الدبلوماسيين والأدباء والشعراء والمهتمين حيث افتتح اللقاء الدكتور “عبد الحميد الهرّامة” رئيس مجمع اللغة العربية بعبارات ترحيبية احتفاءً بضيافة السفير، وتطرق السفير صليبا بواسة المترجمة السيدة “رندة” إلى عمق الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية التي تربط بين ليبيا ومالطا قائلا أن كلا البلدين ليبيا ومالطا دولتين متجاورتين فقد تشاركنا لحظات من تاريخنا لاسيما إبّان الفترة التي حكم فيها الأغالبة مالطا وليبيا خلال القرن التاسع وكان لوجودهم أي الأغالبة في جزيرة مالطا الذي امتد لحوالي 100 عام تأثير كبير على الثقافة المالطية ولغتها وهندستها المعمارية فترك بصمة دائمة لاتزال واضحة حتى اليوم، وأضاف السفير صليبا أن القُرب الجعرافي أدى إلى تأصيل التواصل ليس فقط في مجال التجارة إنما بلغ أيضا على اللغة المحلية لسكان الجزيرة وعلى مجمل العادات والتقاليد، كما تطرّق السفير صليبا إلى مسألة أهمية البُعد الثقافي في توطيد وتوثيق العلاقات الليبية المالطية، واستشهد السفير بمثال على أصالة الروابط التاريخية بين الشعبين مشيرا لإقامة شريحة واسعة من المالطيين تجّارا وبنّائين وصيّادين وخبّازين ونجّارين واندماجهم وسط المجتمع المحلي الليبي خصوصا داخل مدينة طرابلس القديمة منذ القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين فكانوا جزءا لا يتجزّا من التنمية الاقتصادية والثقافية في ليبيا.
توطئة تاريخية
ثم تلى ذلك مشاركة الدكتور “سعدون السويّح” بمعيّة المترجم “محمد الصالحين” بكلمة مقتضبة سلط فيها الضوء على ملامح من اللغة المالطية مُبرِزا أهم خواصها وتراكيب جُملها النحوية والصرفية فضلا عن صلتها التاريخية باللغة العربية، وأوضح الدكتور السويّح أنه عقب فتح جزيرة صقلّية عام 827 م خضعت مالطا كذلك لحكم الدولة الأغلبية، واستمر الحكم الإسلامي في الجزيرة الصغيرة حتى عام 1091م فمالطا وصقلية يربطهما تاريخ مشترك، وأضاف الدكتور السويّح بأن “روجر الثاني” ملك صقلية كان شديد التأثر بالثقافة العربية والإسلامية علاوة على إجادته للغة العربية، وقد عاصره آنذاك الإدريسي وكتب حسب المصادر بتكليف منه كتاب الشهير الموسوم (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) عام 1038م، وأشار الدكتور السويّح إلى أنه برغم حكم روجر الثاني غير أن النفوذ والوجود العربي الإسلامي على الجزيرة ظل حتى آواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وبيّن الدكتور السويّح أنه لم يبق في مالطا آثار مادية للإرث العربي الإسلامي بيد أن الذي بقي في مالطا هو الأثر الكبير على اللغة، مضيفا بأن أبرز معطى فقدته اللغة المالطية من الناحية الصوتية تبعا للتطور هو علاقتها باللغة العربية الفصحى وبالقرآن الكريم، مما جعلها لغة تتطور وفق ألياتها الخاصة من تلقاء نفسها، ولفت الدكتور السويّح إلى التطور الدلالي لبعض الكلمات والمترادفات في المعجم اللغوي للمالطية. بينما خاض الدكتور السويّح رفقة السفير صلييا في طرح مقاربات طريفة بين المفردات المالطية ونظيرتها العربية وأوجه التشابه بينهما.
مختارات من الشعر المالطي
فيما اختتم اللقاء الأدبيّ بقراءة نخبة مختارة من نصوص وأشعار الشاعر المالطي المعروف “أوليفر فريجيري” التي تولى ترجمتها إلى اللغة العربية الدكتور “سعدون السويّح” مؤكدا بأن ترجمته نثرية محضة لم يُراعي فيها الوزن والقافية بقدر اعتماده على الموسيقى الداخلية للنصوص، وأشار الدكتور السويّح في المقابل إلى أن الشاعر أوليفر يعد من طلائعي ومؤسسي الحداثة الشعرية في المشهد الشعري المالطي علاوة على كونه روائي أيضا يكتب القصائد النثرية المطوّلة، وقصائد الهايكو القصيرة والمكثّفة.