أخيراً زرْتُ مدرستي الأولى بعد طول غيابٍ .. قابلتني على بابِهَا طفولتي .. عانقتني بودٍّ دفئٍ غامرٍ .. مسحت على شعري .. أعادت تسريحته .. نتفت شواربي .. لوَّنتِ الندفَ البيضاءَ السارحة على صدغيَّ .. تضاءلََ الرجلُُ الذي كان يقف على باب المدرسة قبل لحظات
أضحى طفلاً جميلاً يقف خجولاً بمريوله المدرسيّ الأزرق وفي عينيه تتلألأ دمعة متوجسة ..تحسَّستْ ظهري تلمُّساً لحقيبتي الصغيرةِ المعبَّأةِ بالكتبِ والأقلامِ والألوانِ والأحلامِ .. مسَحَتْ على رأسي .. كفكَفَتْ دموعاً تمرَّدَتْ على سلطةِ عينيَّ .. سحبتني من يدي .. هدَّأَتْ بيدِ حنوِّها رجفاتِ قلبي المتعثرِ برفيفِهِ .. قادتني لطابورِ الصباح .. أوقفتني بينَ الصغار في وجلٍ بهيٍّ .. رفعَتْ العلم بيديِّ النحيلتينِ .. ربطَتْ طرفَهُ في أعماقي .. أجرَتْ على لساني المتلعثمِ نشيدَ الكبرياء .. أطلقَتْ عقالَ صمتِهِ فمضى يشدُو بمعزوفة الشموخ .. ربَّتَتْ على قلبي مودعةً فيهِ خريطةَ الوطن .. أدخلتني الفصلَ .. أجلستنِي بينَ الصبيَةِ المتوجِّسينَ مثلي .. وأعادَتْ على مسامعِ رجولتي المكابرةِ أبجدياتِ أولِّ يومٍ مدرسي .. وحكَتْ لي عن الفرحِ والمرحِ والطفولةِ والأحلامِ .. فبكيْتُ .. بكيْتُ حتى جَفَّ قلبي ..! .