سيرة

للتاريخ فقط (22)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.

الشاعر عبدالحميد بطاو

الحلقة: 22/ الذين يمجدون، يمجدون من تلقاء أنفسـهم

في بداية عام ـ 1974م ـ اعلنت ادارة الثقافة عن مسابقة في مجالات القصة القصيرة والمقالة الادبية والبحث الادبى والشعر تحت اسم (الملتقى الأدبي الأول بليبيا)، فاخترت المشاركة في مجال الشعر، وأرسلت للجنة المختصة ثلاثة نصوص هى ـ الحنين الدامى ـ وعيناك ثورة ـ و ـ لاتسـلنى.

وفي بداية شهر ابريل من نفس العام ابلغونى بأنه تم قبول مشاركتى وفزت بالجائزة الاولى في مجال الشعر، ولا بد من حضورى لطرابلس لكى القى قصائدى الفائزة في أمسية من أمسيات الملتقى وأستلم جائزتى، وحددوا منتصف ابريل لافتتاح هذا الملتقى وهكذا ذهبت لطرابلس.

وقد أقيم الحفل في قاعة مجلس النواب، التي كانت غير بعيدة من ميدان البلدية بطرابلس (هدم هذا المبنى فيما بعد)، كان رئيس لجنة تقييم كل المواد الادبية المرحوم (خليفه التليسى)، حيث كان أول تعارف بينى وبينه، ومن يومها صرت دائمًا أعتبره الأب الروحى لي فقد، وجدته متحمسًا لي بشكل أثلج صدرى، كما تعرفت في هذا الملتقى الصاخب الذى استمر ثلاثة ايام على الكثير من الشعراء والأدباء مثل (احمدابراهيم الفقيه) و(محمداحمدالزوى) و(إبراهيم الكونى) و(رضوان بوشويشه).. وقد قضيت ثلاثة أيام في هذا الملتقى الذى كان صاخبًا وجميلا واستمتعت بكل وقتى فيه وتم توزيع الجوائز واستلمت الجائزة الاولى في مجال الشعر، من الرائد عمر المحيشى، عضو مجلس الثورة أيامها (كانت الجائزة ثمانون دينارًا).

وعدت بعدها الى درنة وانا اشعر بزهو على هذا الفوز الذى حققـته، وهذه القامات السامقه و الوجوه المبدعه التي تعرفت عليهم بمافيهم ـ خليفه محمدالتليسى ـ.

منذ منتصف عام 1975م كنا يوميًا تقريبًا وبعد العصر نجتمع بصالة عرض أثاث بشارع الفنار، كان مديرها يعشق الشعر والشعراء ويكتب الشعر في بعض شطحاته وهو المرحوم (المرتضى العلوانى) الشهير (برمزى) كان هذا الاجتماع يضم كل من الشاعر ـ على الخرم ـ و ـ ميلاد الحصادى ـ وـ مصطفي بدرـ والمرحوم ـ عبدالعظيم شلوف ـ و ـ عبدالرازق غفير ـ و ـ عبدالمحسن البنانى ـ و ـ عبدالله كحيل ـ و المرحوم ـ محمد فضل الله الحصادى ـ وصار رواد هذا المكان يقال عليهم (جماعة صالون رمزى).

كنا في كل أمسية نقرأ قصائدنا على بعض وننتقدها كما نناقش الكثير من القضايا الأدبية وصار أغلبية رواد (الصالون) يحرضوننى على جمع قصائدى في ديوان يصدر بإسمى، وكان الصديق الشاعر على الخرم يجهز هو أيضًا مجموعة من قصائده ليصدر ديوانه الثانى، حيث سبق له أن أصدر ديوانه الأول بإسم (سلة أنغام).

وهكذا جمعت باقة من قصائدى بما فيها قصائد السجن لتكون ديوانى البكر وساعدنى الفنان التشكيلى (محمد اسويسى) في اختيار القصيدة التي سيصد رالديوان باسمها، حيث اختارلى قصيدة (تراكم الأمورا لصعبه)، وجهز الصديق على الخرم مجموعة من قصائده واختارلها عنوان (في انتظار الانسان)، ولم نفكر في الاستعانة بالدولة حيث صممنا ان تكون تكلفة الطباعة على حسابنا الخاص، فاتصلنا بمطبعة متواضعة بدرنة بشارع (حشيشه)، مطبعة المرحوم فرج البكـوش، واتفقنا مع الخبير المصري العامل بالمطبعه على طباعة مئتين نسخة من كل ديوان بسعر دينار عن النسخة الواحدة، وهكذا كان لزامًا علينا ان نتحصل على موافقة (رقابة المطبوعات) ببنغازي، وذهبنا لبنغازي حيث التقينا بمدير رقابة المطبوعات في ذلك الحين الاستاذ (صالح البرشه)، والذى تحمل المسؤولية بشجاعة واعطانا الموافقه، وهكذا باشرنا معًا أنا والخرم التعامل مع مطبعة البكوش هذه، وسددنا المبلغ وصرنا نتلهف على صدور الديوانين بعد أن جهزنا الأغلفة بصورة يدوية متسرعة وراجعناها بمتعة الى ان استلمناها من المطبعة منتصف عام ـ 1976م.

وفي سبتمبر من عام 1981م طلب منى (على الخرم) ضرورة مرافقته للمشاركة في مهرجان الشعر العربى الأول بطرابلس، بناء على دعوة أمين رابطة الأدباء والكتاب (محمدأحمدالزوى)، ومن يومها أصبح الزوى رحمه الله من خيرة أصدقائى، ومن يومها أيضًا بدأت علاقتى الرسمية مع الرابطة، حيث كنت أشارك في كل مهرجانات الحرية التي أقيمت بأغلب المدن الليبية، وحتى بعض المهرجانات في بعض الدول، أقول هنا أنني على مدى أكثر من أربعين عامًا ومن خلال هذه المهرجانات وقد شاركت في أغلبها (لم أكتب أو ألقى أى قصيدة تمجيد أو مديح لنظام القذافي أو في شخص القذافي)، وكنت ألقى قصائدى من الذاكرة كعادتى دائمًا وأيضًا وهذا هو المهم لم يطلبوا منى أو يلزموني بكتابة شعر معين بأى مناسبة من المناسبات التي شاركت فيها (كان من يمجد يمجد من تلقاء نفسه هذه الحقيقة لابد أن نقر بها) وقد حدث أن استدعينا لزيارة القذافي عام 1985م مجموعة معينة اختارونا بصورة خاصة كما افهمونا كان من بيننا ـ على الفزانى ـ ومحمدالشلطامى ـ و ـ عبدالباسط الدلال ـ و ـ على الخرم ـ و ــ فرج العربي ـ و ـ أمين مازن ـ و ـ كامل عراب ـ و ـ على صدقى ـ وفوزيه شلابي ـ وفاطمه محمود ـ ومفتاح العمارى ـ كنا في حدود العشرين، يقودنا أمين رابطة الادباء والكتاب في ذلك الحين المرحوم محمدأحمدالزوى.. حيث اجتمع بنا في خيمته التي داخل معسكر العزيزية عند العاشرة مساء، وبعد الحوارات والعشاء قاد (الزوى) أمسية الشعر والقى كل منا قصيدة، واخترت من قصائدى قصيدة كتبتها في أول الثمانينات كان القذافي يتجسد أمامى بكل جبروته وأنا أكتب النص حيث اقول في آخرها:

حينما ساومونى
رفضت جميع الأيادى
التي ارتفعت بالمناديل نحو عيونك
فضلت فيك الدموع
واجـهونى
بأنـك كـنت بغـيـًا
يعض السكارى نهودك
يرقد في حضنك التافهون
حينما واجهتنى عيونك
أيقنت أنك فوق المزاعم فوق الظنون
وأيقنت أن الذين احتـووك اغتـصـابـًا
سينهزمون.. سينهزمون… سينهزمون

وصفق كل الحاضرون للقصيدة وعدنا للفندق، وبت ليلتها بالفندق أتصنت وأترقب بانتظار طارق الليل كما يحدث عادة في مثل هذه الامور ولم يحدث معى أى شيء، ومرة ثانيه كانت عام 2010م دعينا في سرت للمشاركة في مهرجان الادب العربي الافريقى، ومن ضمن بروتوكول المهرجان اختيار بعض الشعراء ليزوروا القذافي في بيته ولم اكن أعلم بذلك حيث زارنى في الغرفة بعد العصر الأخ خليفه أحواس أمين رابطة الأدباء والكتاب الليبيين في ذلك الحين وطلب منى مرافقته وحينما وصلت الى باب الحافلة التي ستقل الوفد سألته:

اين ستمضون…؟

قال لي:

لقد تم اختيارك ضمن هذاالوفد الذى سيذهب لزيارة القائـد في بيته.

ولكننى امتنعت، فاستغرب احواس وقال لي منفعلا:

هذه فرصة لا تضيعها، ستلقى شعرك في حضرة القائد ويراك الناس في التليفزيون

فقلت له بصراحة ووضوح:

إن الشعر الذى يريده القائد ليس عندى منه شيء، لذا ارجو إعـفائى

وعدت لحجرتى بالفندق وانتظرت ان استدعى للتحقيق أو يعتقلون (خاصة أن هذا حدث في سرت في قطرت الضبع كما يقولون)، ولكنني عدت الى درنة سالمًا كان حاضرًا هذا الحوار بينى وبين احواس الشاعر ـ أحمدالشريف ـ، الذى قال لي: لقد كبرت في عينى ياصديقى

فقلت له: هذه قناعتى قبل كل شيء.

وفعلا ليس عندى القصائد التي تقال في مثل هذا المقام.

ومن هذه الامثلة لابد لنا أن نقتنع ان الشعراء الذين كانوا يتملقونه باشعارهم ومعلقاتهم كانوا يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم ولم يجبرهم أحد على ذلك (وأنا أقول ما أقوله الآن لا أبغى تلميع نفسى طمعًا في منصب أوسعـيًا وراء جـاه فأنا وقد تجاوزت عامى السبعين وتقاعدت ولم تعد تغرينى المناصب ولا أصلح لأى وظيفة كما تجاوزت أيضًا كل محـطات الطموح والطمع) وليس أمامى إلا أن أكمل ما تبقى لي من أيام بين أولادى وأحفادى أضحك من قلبى وأزهو بنفسى لأنني لا يوجد في تاريخى ما يخجل أولادى بعدى وهناك شهود أحياء على كل ماذكرته من وقائع والله خير شاهد.

ياه.. آسف أخذنى الغرور والزهو فلم أواصل بقية أحداث تلك الأيام.. سوف أتحدث في الحلقة القادمة على الانتقالة الخامسة وهى برغبتى هذه المرة، وكيف وجدت نفسى بعد هذه الانتقالة في جهة عمل أخرى كانت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون.

مقالات ذات علاقة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟

حواء القمودي

اليوم الأول في المدرسة

سعيد العريبي

عبدالسلام المسماري .. شهيد الوطن وصوت الحق

المشرف العام

اترك تعليق