بعد ظهور ملامح الفن الحديث في بدايات القرن العشرين اصبحت هناك ذائقة بصرية اخرى تنمو وتترعرع الى جانب تلك الذائقة الكلاسيكية التقليدية المرتبطة بالشروط الدينية وقصصها في البداية عند كل الحضارات بدون استثناء الصينية واليابانية والهندية والاسلامية والمسيحية مع فارق الاختلافات الثانوية من حيث البيئة المحيطة والثقافة المرتبطة بكل حضارة، ومن بعدها تحولات مجتمعات بسيطة زراعية الى شروط حياة الاقطاع والطبقية المجتمعية ورجال الدولة وأبطالها القوميين بعد ظهور المجتمعات الصناعية، ومن ثم كان الاتجاه الى القواعد الاكاديمية التي تبلورت في احسن صورها نتيجة تراكمات معرفية منذ الاف السنين في دروس الرسم واكتشافات الضوء والظل والبعد والمنظور… والكيمياء والتعامل مع المواد الخاصة بالرسم من الأحجار الملونة الى الألوان الزيتية والاكريليك والاحبار وحتى الوان الطابعات والشاشات الالكترونية والواجهات الضخمة العملاقة في فنون العمارة التي تمثل الواجهة الأولى لفنون ما بعد الحداثة والتاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا….وعلم النفس والتشريح والاكتشافات العلمية الحديثة من التحليل الطيفي للألوان الى نظريات الضوء الحديثة وقبلها النسبية وبعدها الكم وصولا الى النانو وغيرها، اصبحت ذائقة جديدة تتلقى و تقيم الاعمال الفنية بحساسية اخرى ليس الاولى البدائية المتكئة على الماضي القديم بنمطية التقليد والتكرار وحتى “التفكير الدغماتي”، وربما الكثير من هذه الحالات تخلو من أي معرفة حقيقية بمفاصل التغيرات الكبرى في تاريخ الفنون وفلسفاتها التي سببت هذه التغيرات. من نتائجها الفنون المعاصر الموجودة في الوقت الراهن بالفن الجديد والذي تنوعت اشكاله من فن الرسم الى النحت والتركيبات والتجهيز في الفراغ والفيديو والكمبيوتر وفنون الشوارع بحساسية أخرى تستوجب ذائقة أخرى غير التي كانت في السابق.
كما اعترف الناقد الانجليزي في مطلع الستينات وهي سنوات الذروة للفنون المعاصرة بقوله : “اصبحت اجد بصعوبة تذوق الموجات الجديدة من الفن في تلك الايام ” لان هناك بدات دماء جديدة تضخ في شرايين الفن الجديد وافكار اخرى وحساسية شابة غير التي تربى عليها الناقد ريد.
لذا من هذا الكلام يجب الاعتراف بالذائقة الجديدة في كل مناحي الحياة من بينها الفنون وخصوصا الفنون البصرية والتي تداخل فيها فن الرسم والنحت بكل الفنون الأخرى وبالاستعانة بالتقنيات الحديثة المتاحة للفنان.
الفن البدائي والاوت سايدر ” اللامنتمى” والمنفلت من كل قواعد الاكاديمية بداية من الفرنسي هنري روسو ومرورا بمواطنه جان دوبوفيه وصولا الى الامريكي جان ميشال باسكيات, كل هذه كانت حركات ثورية أصبحت ظاهرة في وقتها والان تكرست كأساليب واتجاهات تبعها الالاف من الفنانين وخلقت ذائقة جديدة لجمهور جديد معاصر , فاصحب هواة جمع الاعمال الفنية يفضل اقتناء لوحة من مجموعة النيويوركي ميشال باسكيات على اقتناء لوحة من ليوناردو دا فينشي مثلا , لان الذائقة المعاصر ذائقة مذعورة, خائفة, على عجل دائم ومتغيرة الأفكار والمفاهيم بل حتى المبادئ.
الحساسية الجديدة عند الفنان الليبي الفنان الراحل محمد عبية تنحو في هذه الاتجاهات المعاصرة والتي تجد مريديها من عامة الناس البسطاء الى النخبة المثقفة بل نخبة الفنانين والنقاد بحالة السهل الممتنع. كما مهد لجيل جديد من الفنانين الليبيين للظهور بعده , فجرءة الفنان عبية فتحت الطريق للتجريبيين الجدد من الليبيين في اشكال جديدة للمبنى في اللوحة واجواء لونية أخرى.
الفنان الليبي موسى ابوسبيحة ملون جيد من الموجة الجديدة من الفنانين الليبيين , يتمتع بحساسية عالية في ترجمة مواضيعه الاجمل الى نصوص ملون بنبرة معاصرة جدا رغم مواضيعه التقليدية في الظاهر, غير ملتزم بما يراه الناس العاديين بل دائما يركن الى مرايا الروح وما تمليه عليه ذائقته الشخصية الجديدة فكانت لوحته “غرفة فينسنت” والتي كان اللون الأصفر فيها بطلا اسطوريا بدون منازع عند صاحبها الأول الهولندي فينسينت فان غوغ , أصبحت عند ابوسبيحة تخلو من هذا اللون الرئيسي تماما وكأنه يطرد لعنة الأصفر التي قضت على فينسيت في حقل القمح حيث انتحر, مستعينا بلون اخر وهو الأخضر وكانه يقول ان فنان غوغ رسم غرفته من شدة تأثير لون الحقول الأصفر وانا ارجعه الى اصله وارسم بدلا عنه الاخضر لون الحقل الأصلي في بداياته الزاهية, فالفكرة مفاهيمية بالدرجة الأولى قبل ان تحاكي جماليات اللون وظلاله وشروط التكوين الأخرى والتي جاءت هامشية فلم يركز على المنظور ولا على شروط النقل الحرفي للصورة المرسومة بل كان المنظور الروحي العميق هو الغالب على العمل عند الفنان.
الاعمال الفنية للفنان بوسبيحة في اغلبها تتماهى مع عوالم اول الانطباعيين الفرنسي كلود مونيه وتلامس حدود عوالم الانجليزي المعاصر جدا ديفيد هوكني ولو على استحياء في اغلبها من حيث قوة اللون ونظارة الملمس وطزاجة الفكرة وعمقها، ومن جانب اخر يعمل على اقحام الفكرة في بعض اعماله الاخرى التي لا تحتمل أفكار , فتقترب من الكومكيس والرسومات التوضيحية وتبتعد عن اجواء هوكني العميقة وفضاءات مونيه الانيقة. مما يجعل الفنان تقع في الخطاب المباشر في بعض هذه الاعمال والتي اتمنى ان تكون مرحلة عرضية لا تستمر طويلا.
موسي ابراهيم ابوسبيحة
مواليد 1974.1.15م
مكان السكن العاصمة طرابلس (ليبيا)
تخرج من جامعة طرابلس كلية الفنون والاعلام 1997م
تخصص الرسم والتصوير.
العمل في مجال الاعلام جريدة الداخلية كرسام.
اشتغل في مجال رسوم الاطفال (الكوميك) بمجلة الأمل للأطفال لمدة عشر سنوات.
المعارض:
معرض شخصي يحمل اسم (ماء وشجر) بدار حسن الفقيه للفنون وكان عن الطبيعة 2006م.
معرض جماعي يحمل اسم (العشرة) بمشاركة عشرة فنانين بدار حسن الفقيه للفنون 2008م.
معرض جماعي يحمل اسم (رؤي) بمشاركة مجموعة من الفنانين بدار حسن الفيقه للفنون 2010م.
معرض جماعي يحمل اسم (تقاطع) بمشاركة مجموعة من الفنانين بدار حسن الفقيه للفنون 2013م.
معرض جماعي يحمل اسم (هوية.. للوحات الصغيرة) بمشاركة مجموعة من الفنانين بدار الفنون 2015م.
معرض جماعي يحمل اسم (باليته) بمشارك جماعة ليبيا للرسم في الطبيعة بدار حسن الفقيه 2016م.
اسس مجموعة (ليبيا للرسم المباشر) سنة 2015م، ولازالت المجموعة تمارس نشاطها الجماعي في تصوير الطبيعة.
المعرض التأسيسي الأول لرسامي حوض البحر المتوسط الذي اقيم بدينة مصراته 2017م.
2020