طيوب عربية

قراءة ي المجموعة القصصية.. خمس ملاعق صغيرة للغيب

قراءة نصية في المجموعة القصصية الموسومة بـ”خمس ملاعق صغيرة للغيب” للقاص والأديب محمد عبد الوارث

د. نبيلة سالم الطاهر

القاص المصري محمد عبالوارث ومجموعته خمس ملاعق صغيرة للغيب

تتشكل البنية الدلالية لأي خطاب سردي من نسيج الرؤى التي تصدر عن شخصيات النص القصصي أو الروائي، بوصفها فواعل أسهمت في بناء بنية الخطاب السردي والتئام لُحمته.. أما البنية الخطابية فهي ائتلاف العلاقة الكامنة بين عناصر الخطاب الأساسية بوصفها عناصر فنية لا يتركب الخطاب االسردي إلا بها ومنها.. هذه العناصر الحاضرة في كل نصّ سردي قصصي، أو روائي، المتمثلة في: الزمان والمكان والشخصية والحدث؛ فإنها تنظم أنساقًا زمنيّة تحدّد مستويات الخطاب، وتضبط العلاقة بينها.

والجدير بالذّكر إن نصوص المجموعة القصصيّة “خمس ملاعق صغيرة للغيب” لم تغفل فيها الذات الكاتبة عن تضافر هذه العناصر الأساسيّة حيث عملها معًا يجعلها تؤدّي وظيفة دلاليّة ذات بُعدَين: الأول يسهم في البناء الداخلي للخطاب السّردي، والثاني يسهم في البناء الخارجي له، إذ يتشكل المركز الدّلالي للخطاب من بؤرة تركيبه الأصلي.

 تبدو نصوص “خمس ملاعق صغيرة للغيب” متفاوتة الأبعاد الدلاليّة وِفقًا لتفاوت عناوينها بوصفها عتبات نصية أساسية، ومفاتيح إجرائية تمنح النّص انفتاحه على النصي والخارج النصي، كما تمنح المتلقي مجال قراءة متعددة وكشف رؤى النص وما وراءه. ونتيجة لتفاوت عناوينها تتفاوت مضامينها هي الأخرى، فتخدم قضايا اجتماعية تارة وسياسية أو إنسانية تارة أخرى. نقرأ هموم الوطن في قصة “مدارات الشجن”، بينما نقرأ أهمية التربية بوصفها مسؤولية لا واجبًا في قصة “على هامش الانتظار”.

 استمدت الذات الكاتبة جل شخصيات قصصها في هذه المجموعة من أفق قريب للواقع والمباشرة، بعيدا عن الجنوح إلى الخيال؛ لكن ثمة شبكة تربط هذه الشخصيات بعلاقات فيما بينها؛ إذ إن مركز استقطاب الدلالة لكل منها سابق على عالم الخطاب الذي يُخلق ضمن عالم فنّي، فتبدأ هذه الشخصيات في ضوء الشبكة الدلالية بالتكون أولًا، ثم بالاختلاف بين إيجابيّة بعضها وسلبيّة بعضها الآخر. تمامًا كإيجابية شخصية الرجل المسن في قصة “الدائرة الضيّقة”، وسلبية شخصيّة الرجل الشرقي المسافر الذي لم يُعر اهتماما لابنه الصغير إلا بعد فقدانه، في قصة “على هامش الانتظار”.

تأخذ الأمكنة نمطًا معينًا في كل قصة من قصص هذه المجموعة، فتبدو “المدينة” في قصة “قمر ينادي بدرا” تبدو مكاًا أليفها بدلالة الحنين والشوق الجارف ‘ليها من إحدى شخصيات هذه القصة، كما يبدو “المسجد” في قصة “الدائرة الضيقة” مكانًا أليفًا رغم ضيق أفقه وحدودية إطاره. بينما تبدو “صالة الانتظار ” في قصة “على هامش الانتظار” مكانًا ضيقًا غير أليف؛ لأنه بكل بساطة مملٌ، بل صار أكثر ضيقا على صدر الرجل الشرقي المسافر حين فقد ابنه. بينما نقرأ المكان العالي المتسع الذي لا يحده أفق ذاك “الفضاء” الذي مثّل مكان الرحلة، فيبدو مكانًا أليفًا، إذ كل المسافرين بانتظار الصعود إليه.

 لو قرأنا الزمن الكتابي لهذه النصوص القصصيّة نجده يختلف تماما عن زمن حدوث أحداثها، فزمن كتابة القصص متفاوت نسبيا، أحداث القصص أزمنتها متفاوتة مطلقًا.. تختلف بين زمن بصيغة الماضي سواء كان زمن الحَكي حاضرًا أم مسترجعًا، وآخر بصيغة المضارع، وأحيانًا يحدث استباق زمني لما سيحدث مستقبلًا.

 تتسارع أحداث هذه النصوص القصصية أحيانا حتى أن المتلقي لا يستطيع اللّحاق بأزمنتها، أو تخيل تفاصيلها. بينما يقف الزمن أحيانًا عند وصف مكان أو شخصية غيرهما. هذا السرد المتقطع أو الوقفة الزمنية للأحداث ما يعرف باسم “الفلاش باك”، تماما كما نقرأ في قصة “مرافئ السفر” المقطع الذي يقول: “أحمد ساتي النوبي سائق المشروع الذي تقوم شركتي بتنفيذه قرب مدينة “أبو سمبل”، علاقته بالجميع طيبة، إلا أنه ومنذ وصولي من الإسكندرية شابا طامحا! يؤثرني بخصوصية في المعاملة، خاصة أننا كنا نسير في العقد الثالث، هو يسبقني أنا أسبقه لا فرق، ولي لون أسمر يتلاقلى مع سمرته التي كانت أكثر دكنة.”. يتوقف السرد ليعاود رحلة الحَكي والقَص من جديد بأحداث تصل ذروة حبكتها فتنفتح رؤاها على الآخر مانحة المتلقي فرصة المشاركة في الإنتاج النصي بوصفه منتجًا آخر للنص.

مقالات ذات علاقة

عالم بورخيس وحكاياته

المشرف العام

أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

المشرف العام

قاسم إسطنبولي المسرح الوطني اللبناني المجاني الفن حق للجميع

المشرف العام

اترك تعليق