مهدي جاتو
على أطراف مدينة غات ، ارتفعت تباب شقها الطريق إلى منطقة ( البركت ) وعلى يسار السبيل شرقاً ، افترشت الطبيعة فراش من الملح الأحمر ، ورغم قسوة الملح التي قضت على معظم النبوت في تلك المنطقة ، إلا أن ألعشبه اللحوحة ( إبستو) أبت إلا أن تمزق ذاك الفراش وتطل برأسها وتمد فروعها عالياً إلى الشمس ، رغم انعدام سائل الحياة في أراضيها ، وفي امتداد الأفق القريب ، تطاولت أشجار نخيل بائسة وضع الزمن آثار بصماته عليها ، فكانت تتمايل مع هبوب الريح حتى تتراءى للناظرين بأنها ستهوي من عليائها ، إلا أن شموخها وكبريائها يحولان دون وقوعها فتستمر جذورها في الصمود رغم وجود الملح في الجوار.
تلك كانت منطقة تسمى (تنجرابين) حوت بيوت متناثرة ، ومن بعدها اشتبكت المزارع وكأنها غابة مصغرة ، وفي الجانب الشرقي المسمى (قبس) ، تناثرت بيوت الطين وبعض الأعشاش المحبوكة بالقصب الذي يلف حول الخباء على شكل دائرة ويغطيه من فوق بقلنسوة تشبه تلك التي يضعها الآسيويين على رؤوسهم في المزارع .
هناك جلست العجوز ( حبسو ) التي أقعدها رحيل الزوج عن الدنيا وغياب الأبناء سعياً وراء لقمة العيش في بلاد الأغيار ، نظراً لشح المياه وقلة الموارد .
جلست وهي تمد ساقيها وتمسك بمروحة يدوية مصنوعة من سعف النخيل ، كانت تستخدمها لتهوية نفسها من حر القيض وفي ذات الوقت تنش بها الذباب الملحاح الذي يرفض مغادرة وجهها ، ورغم بلوغها من العمر عثيا إلا أنها تتمتع بنعمة البصر وهذا ما ساعدها في صناعة المشغولات اليدوية مثل المروحة و الأطباق التي تُصنع بجريد النخيل .
في الأفق ومن فوق سلسة جبل اكاكوس سحبت الشمس خيوطها النارية وظل قرصها المهيب المُحمّر معلقاً في رحلة المغيب ، وفي الجانب الآخر بدأ يتضح القمر بنوره الهادئ ، فبدت السماء وكأنها تودع قرص الشمس باكية وتحتفي بقرص القمر كاحتفاء العاشقين بيوم الميلاد .
كانت تسير بأرجلها الأربع ، وترفع ذيلها المسموم عالياً ، أنثى عقرب تميل بلونها إلى السواد ، وكأنها تبحث عن ضحية أو مأوى ، وكانت تسير بين الأعشاش بعشوائية وبانحناء فارّةً من العراء الممتد حتى عروق الرمل المترامية الأطراف هنا وهناك .
دست نفسها في خباء العجوز الجالسة وهي تراقب الأفق وكأنها تتلوا صلواتها لأله المغيب ، أحست العجوز بخشخشة ، فالتفتت وهي تثبت نظرها حيث الصوت المنبثق من أعواد القصب المتكون منه العش الذي تقطنه ، مع أنها شكت بوجود كائن ما لكنها استمرت في وضع إبرتها في الطبق الذي بين يديها وهي تغمسها في كوز الماء تسهيلاً لأداء مهمتها ، فعاودت العقرب الحركة ، فبدأ نبض العجوز في ازدياد لعدم قدرتها عن الحراك ، أدركت العقرب هذا العجز ، فخرجت من مخبأها لأول مرة ، ووقفت قبالها في تحد رهيب ، سارت ببطء وهي تلف من حول الضحية بحذر المحارب وبسكينة القطط قبل الانقضاض ، لكن العجوز استخدمت مكر الثعالب فاستكانت بالجمود التام وبقطع الأنفاس ، حتى كاد أن ينقطع النفس ، وقامت بتلاوة بعض الأذكار فترّجت الرب ، أن يخلصها من محنتها . لم تتزاحم الكلمات كثيراً في ذهنها أنما اختصرتها بتقه وحدثت نفسها بالتسليم المطلق بقولها ( لا حول ولا قوة إلا بالله ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
اقتربت العقرب ولكنها جمدت بلا حراك وهي تراقب العجوز ( حبسو) التي بدأت بالحوار التالي قائلة : هيا افعلي ما تريدين أن تفعلي ، إذا كنت حاملة لرسالة الأقدار فنفذي أوامرها دون تردد فأنا جاهزة للرحيل ، هيا ..هيا .. أرجوك لا تعذبيني ..كفاني انتظار، إذا كانت بغيتك الروح فخدي أمانتك وغادري ، لا لوم عليك ولا عتب وهذا عهد مني لك بأنني سأسامحك عندما نقف أمام الرب.
قطعت العقرب تأملها في عين العجوز محركة ذيلها في صمت ، طافت حولها وهي تتخير المكان المناسب لأداء مهمتها لوضع اللدغة المميتة ، اللدغة الخلاص ، اللدغة التي بها يتم الفكاك من وزر الدنيا . فاعتلت الفخذ وزحفت حتى وصلت القدم العارية وهي تلوح بذيلها ، بينما العجوز تمتمت بكلمات مبهمة ، هبطت العقرب وغادرت المكان كما جاءت بكل هدوء فرفعت العجوز يديها إلى السماء شاكرة.
في الصباح اختفى قرص النور وأشتعل قرص النار ، دخلت عليها جارتها فوجدتها في ذات المكان القابعة فيه منذ الأمس وهي تبسط ذراعيها على فخذها وبصرها شاخص ، والابتسامة تعلو شفتيها .
تلك كانت منطقة تسمى (تنجرابين) حوت بيوت متناثرة ، ومن بعدها اشتبكت المزارع وكأنها غابة مصغرة ، وفي الجانب الشرقي المسمى (قبس) ، تناثرت بيوت الطين وبعض الأعشاش المحبوكة بالقصب الذي يلف حول الخباء على شكل دائرة ويغطيه من فوق بقلنسوة تشبه تلك التي يضعها الآسيويين على رؤوسهم في المزارع .
هناك جلست العجوز ( حبسو ) التي أقعدها رحيل الزوج عن الدنيا وغياب الأبناء سعياً وراء لقمة العيش في بلاد الأغيار ، نظراً لشح المياه وقلة الموارد .
جلست وهي تمد ساقيها وتمسك بمروحة يدوية مصنوعة من سعف النخيل ، كانت تستخدمها لتهوية نفسها من حر القيض وفي ذات الوقت تنش بها الذباب الملحاح الذي يرفض مغادرة وجهها ، ورغم بلوغها من العمر عثيا إلا أنها تتمتع بنعمة البصر وهذا ما ساعدها في صناعة المشغولات اليدوية مثل المروحة و الأطباق التي تُصنع بجريد النخيل .
في الأفق ومن فوق سلسة جبل اكاكوس سحبت الشمس خيوطها النارية وظل قرصها المهيب المُحمّر معلقاً في رحلة المغيب ، وفي الجانب الآخر بدأ يتضح القمر بنوره الهادئ ، فبدت السماء وكأنها تودع قرص الشمس باكية وتحتفي بقرص القمر كاحتفاء العاشقين بيوم الميلاد .
كانت تسير بأرجلها الأربع ، وترفع ذيلها المسموم عالياً ، أنثى عقرب تميل بلونها إلى السواد ، وكأنها تبحث عن ضحية أو مأوى ، وكانت تسير بين الأعشاش بعشوائية وبانحناء فارّةً من العراء الممتد حتى عروق الرمل المترامية الأطراف هنا وهناك .
دست نفسها في خباء العجوز الجالسة وهي تراقب الأفق وكأنها تتلوا صلواتها لأله المغيب ، أحست العجوز بخشخشة ، فالتفتت وهي تثبت نظرها حيث الصوت المنبثق من أعواد القصب المتكون منه العش الذي تقطنه ، مع أنها شكت بوجود كائن ما لكنها استمرت في وضع إبرتها في الطبق الذي بين يديها وهي تغمسها في كوز الماء تسهيلاً لأداء مهمتها ، فعاودت العقرب الحركة ، فبدأ نبض العجوز في ازدياد لعدم قدرتها عن الحراك ، أدركت العقرب هذا العجز ، فخرجت من مخبأها لأول مرة ، ووقفت قبالها في تحد رهيب ، سارت ببطء وهي تلف من حول الضحية بحذر المحارب وبسكينة القطط قبل الانقضاض ، لكن العجوز استخدمت مكر الثعالب فاستكانت بالجمود التام وبقطع الأنفاس ، حتى كاد أن ينقطع النفس ، وقامت بتلاوة بعض الأذكار فترّجت الرب ، أن يخلصها من محنتها . لم تتزاحم الكلمات كثيراً في ذهنها أنما اختصرتها بتقه وحدثت نفسها بالتسليم المطلق بقولها ( لا حول ولا قوة إلا بالله ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
اقتربت العقرب ولكنها جمدت بلا حراك وهي تراقب العجوز ( حبسو) التي بدأت بالحوار التالي قائلة : هيا افعلي ما تريدين أن تفعلي ، إذا كنت حاملة لرسالة الأقدار فنفذي أوامرها دون تردد فأنا جاهزة للرحيل ، هيا ..هيا .. أرجوك لا تعذبيني ..كفاني انتظار ، إذا كانت بغيتك الروح فخدي أمانتك وغادري ، لا لوم عليك ولا عتب وهذا عهد مني لك بأنني سأسامحك عندما نقف أمام الرب .
قطعت العقرب تأملها في عين العجوز محركة ذيلها في صمت ، طافت حولها وهي تتخير المكان المناسب لأداء مهمتها لوضع اللدغة المميتة ، اللدغة الخلاص ، اللدغة التي بها يتم الفكاك من وزر الدنيا . فاعتلت الفخذ وزحفت حتى وصلت القدم العارية وهي تلوح بذيلها ، بينما العجوز تمتمت بكلمات مبهمة ، هبطت العقرب وغادرت المكان كما جاءت بكل هدوء فرفعت العجوز يديها إلى السماء شاكرة .
في الصباح اختفى قرص النور وأشتعل قرص النار ، دخلت عليها جارتها فوجدتها في ذات المكان القابعة فيه منذ الأمس وهي تبسط ذراعيها على فخذها وبصرها شاخص ، والابتسامة تعلو شفتيها .