ياسين محمد بن حسين
تثاءَبت الشمسُ في أعقابِ الغروب. مالَت ببُطءٍ خلفَ الأُفق،مُجسِّدةً مشهدَ انكسار. راقبتها وهي تنحني بُضعف. رأيتَ الوهنَ فيها،دليلُكَ على ذلك أنها محدودبةَ النورِ كانَت. نورُها يميلُ نحوَ غيهبِ الأُفقِ،ذلكَ المكانُ الذي لطالما حلمتَ بالذهابِ إليه.
ها قد حانَت اللحظةُ التي تنتظِرُها منذُ حلمٍ بعيد. هلَّلَت نبضاتُكَ فرحاً. تسارعَت دقَّاتُ قلبك. نظرتَ حولكَ لترى إن كُنتَ حقًّا هُناك.
البحرُ يُلقي بأمواجهِ عندَ قدميك. أشخاصٌ كثُرٌ من حولِك،تتداخلُ وجههم،كما أصواتهم. صياح، همس، سُباب، توسُّلات، ضحِكاتٌ تجوبُ التَّرقُّبَ الطاغي على المكان.
حلَّ الظلام،لكن هُناكَ كشَّافات في المكان،إذاً هُناكَ نور،هُناكَ مشهدٌ تستطيعُ أن تُشاهِدَه. ها قد تراءى لكَ ما كنتَ تريدُ رؤيتهُ. أتى ليُكمِلَ المشهد. من بعيدٍ أتى على صهوةِ موج،ليجعلَ المشهدَ حقيقِيًّا. هديرُ مُحركاتهِ يعلو أكثرَ فأكثر. على الشاطئ توَقَّف. انطفأت محركاته.
الكشَّافاتُ أيضاً أصابها العُقم،عاقِراً كانت ولم تُنجِب في الليلِ نوراً. ها قد حانَ وقتُ التسلُّل تحتَ جُنحِ الظلام. تداخلت الأصوات،لكنَّ صوتاً واحِدة يطغى على جميعِها. غليظاً كانَ كحبالِ المراسي،وصاحِبهُ كعودِ كبريت.
_ هُناكَ متسعٌ للجميع،لا تتدافعوا،البحرُ يحمِلُ ما لا يُحمَل،اطمئنوا.
ازداد الحماس،وازداد الهرجُ والمرجُ. أحدهم يدفعك،وآخرُ يشتُمُك،وآخرُ يخِزُكَ بمرفقهِ في جانِبك. طِفلٌ يتسلَّلُ من بينِ أقدامِك. رجلٌ أربعيني يدفعُكَ جانِباً بشمالِهِ، ويسحبُ خلفهُ امرأةً تقاربهُ في العمرِ والبؤس. توالَت عليكَ الدَّفعات. لم تستطِع التَّماسُك.
وجدتَ نفسكَ تبتعِدُ عن الشاطئ شيئاً، فشيئاً. ابتعدتَ كثيراً،حتى عجزتَ عن الرؤية. العجزُ يجعلُ الرؤيةَ ضبابية. وفي هُنيهةِ صحوة،انتزعكَ الوعيُ من اللاوعي.
رجعتَ من حلُمٍ بعيد.
ازدادَ تثاؤبُ الشمسِ أمامك. رأيتَ نورها وهو يجُرُّ أذيالهُ هارباً نحوَ غيهبِ الأُفقِ. فرَّ من سمائك،نحوَ ذلكَ المكان الذي لطالما حلمتَ بالذهاب إليه منذُ حلمٍ بعيد.