عدنان بشير معيتيق
في عمل الفنانة حميدة صقر لا بدّ أن يتشارك الفنان والمشاهد
لتولد اللوحة التشكيلية
الفنانة التشكيلية الليبية حميدة صقر تتحرى حركية الفرشاة وتعمل على “اللوحة الإسكتش” بألوان أحادية “مونوكرمية”، وتبقى الأعمال عندها غير مكتملة لقناعة الفنانة أن العمل الفني لا يمكن أن ينتهي فهو دائم البناء والتحول بتغير الذائقة الفنية للمتلقي، ومحاولة منها للوصول إلى اقرب النتائج كتلك التي كان يقدمها الرسام التعبيري التجريدي آرشل غوركي الأميركي والأرميني الأصل، حيث تصبح اللوحة مادة نصف مصنعة قابلة للتطوير (للحذف والإضافة) حسب المخيلة والخبرة البصرية للجمهور الفني.
في عمل الفنانة حميدة صقر لا بدّ أن يتشارك الفنان والمشاهد لتولد اللوحة التشكيلية. المشاهد يكمل البناء الفني للوحة بخياله الخصب وخبرته الفنية والمعرفية الأخرى. فوجود المتلقي الجيد هنا ضرورة ملحة وإلا سوف تبقى هذه الأعمال غير مهمة بالنسبة للكثير من الناس، فالمحسنات التشكيلية لا يدركها إلا جمهور الفن التشكيلي القريب جدا من التغيرات التي طرأت على فن منتصف القرن العشرين منذ ظهور التعبيرية التجريدية، والفنانة تعتمد على الإيحاء وحركة الفرشاة بسرعتها وأثرها المتروك على أسطح اللوحات المرسومة عندها، فهي تركز على طريقة الأداء والتعبير في العمل الفني أكثر من الموضوع المرسوم وجمالياته التقليدية.
وحيث إن التعبيرية التجريدية نفسها قد أصبحت من الأساليب التقليدية لمرور أكثر من سبعين عاما على ظهورها، إلا أنها ما زالت تحبو في عالمنا العربي وخصوصا لدى الجمهور غير المتخصص والبعيد عن الممارسة التشكيلية، فلا تزال المحاكاة المباشرة للأشكال والسعي إلى مطابقة الصورة بالأصل المعيارين الغالبين في القيمة الفنية للعمل الفني.
خطوط تكاد لا تستقر على الورق، خفة في التلوين والتكوين المرسوم بحيث تتزن كل المفردات المقدمة بالعمل الفني رغم عدم اكتمال خطوطه وتقطعها في أحيان كثيرة وانحسار الألوان في مناطق معينة، فهي مكتملة المظهر، لوحة فنية بمقاييس التعبيريين، والفراغ مثلا يعتبر رسما وهو مكمل للنص التشكيلي ويذكر بأثر الإنسان ويوحي بإضاءات في اللوحة ويشير إلى الزمن كبعد آخر. فالفنانة تتبنى أسلوب المدرسة التعبيرية بكل شروطها وتقترب كثيرا في بعض الأحيان من التعبيرية التجريدية في أعمال أخرى.
رسم ملامح المكان وتلوين الأجواء المحيطة بلون واحد، وحدة، خوف، ترقب، تأمل، انتظار لزمن جديد وحنين لزمن قديم، زحام وجري لشخوص بلا ملامح وجوه عابرة وجوه مفجوعة، نساء بحلي يحيطهن نفس اللون المونوكروم، جثث أطفال ونساء في عتمة الحبر الأسود وتتبع كل هذه الأشياء خربشات سريعة حادة تتخللها إضاءات منهمرة من عدة زوايا، تظهر تم تختفي في مناطق من هذه الأعمال بفعل فراغات متروكة للون القماش الأبيض أو لون أبيض متناثر بشكل عشوائي يخفف من السواد في عالم لوحات الفنانة.
الرسم عند حميدة صقر بمثابة الخروج من الصمت إلى الكلام فالأسود في زوايا اللوحة صامت لا حياة فيه بفعل كثافته وما إن تحرك ناظريك إلى مركزاللوحة حتى يبدأ التخفيف من وَطْأة السواد وتتكشف الأشياء المرسومة وكأنها أصوات تتعالى رويدا رويدا لتبلغك عن أماكن وجودها وما يعتمل في دواخلها.
الفواتح والخواتم في النص التشكيلي عند الفنانة صقر بالغة الإتقان. الانطباعات الأولية والنتائج النهائية لتكوين الفكرة وما بينها من حبكة تشكيلية تتخمر في مخيلة المتلقي بشكل جلي لقصص بعيدة عن الغموض وليست قريبة من المباشرة أيضا.
يتصارع النور الكامن في هذه المفردات مع قتامة سواده في حركة ديناميكية متوافقة مع تكوينات طازجة بفعل حركة الخطوط المتصلة وكأنها تبدأ ولا تنتهي إلا بانتهاء العمل الفني في نفس واحد دون توقف.. تصنع مناخات حديثة المظهر لتتواصل مع المتلقي بكل يسر وتمد جسور إلى ثقافات الآخر.
يبقى اللعب على أحادي اللون له مذاقه الخاص عند الفنانة حميدة صقر ولكن التنوع في التجارب الفنية مطلوب وخوض غمار مغامرة الألوان وأطيافها يفتح للمبدع أبوابا أخرى على عوالم جديدة، لم تطأها قدماه من قبل، فتعدد الألوان يزيد من جمال سمفونية النص التشكيلي لتصبح أكثر تأثيرا على المتلقي ولكنها أكثر صعوبة في تنفيذها، فتعدد الألوان يحتاج إلى سيطرة تامة وخبرة كبيرة في كيفية الجمع بين الأضداد وخلق حالة انسجام مع عدد وافر من الألوان من ألوان متجاورة وألوان حارة وباردة، وأخرى صريحة وغيرها من نتائج الخلط والمزجـ في حالات البلل للورق والقماش، خفة وكثافة.
من مواليد مدينة طرابلس الليبية سنة 1978، متحصلة على درجة البكالوريوس من كلية الفنون والإعلام في قسم الرسم والتصوير بطرابلس، ليبيا، سنة 1999- 2000. ومتحصلة كذلك على درجة الماجستير في الفنون التشكيلية (رسم وتصوير) من أكاديمية الدراسات العليا، طرابلس ليبيا 2005.
تكمل دراسة الدكتوراه في الفنون بإيطاليا. تعمل عضوا في هيئة التدريس بجامعة طرابلس. أقامت عدة معارض وشاركت في عدة ملتقيات فنية على مستوى الوطن في ليبيا ومعارض فنية جماعية في إيطاليا حيث تدرس وتقيم حاليا. وتحصلت على العديد من الجوائز في ملتقيات ومهرجانات فنية ومنها جائزة الفنان الإسباني دييغو فيلاثكيث ونشرت عنها العديد من الصحف العربية والمحلية والأوروبية وكانت لها عدة لقاءات تلفزيونية محلية وإيطالية.