قَلَقُ القَصَائِدِ حِينَ تَقْسُو مِقْصَلَةْ * وَالرُّوحُ فِي هَذِي المَجَاهِلِ مُذْهَلَةْ
بَلِيَتْ عَلَى حَبْلِ المَجَازِ حُرُوفُنَا * لَا دِفْءَ فِي هَذِي اللَّيَالِي المَاحِلَةْ
هل جَفَّفَتْ شمسُ الغِيَابِ هِيَامَنَا * أَرْوَاحُنَا بِنَدَى الهِيَامِ مُبَلَّلَةْ
هَذِي الدُّرُوبُ تَفُحُّ سُمَّ خَوَائِهَا * وَتَزُفُّ لِلْقَلْبِ المُعَنَّى مَقْتَلَهْ
لَا ضَوْءَ يَهْدِي لِلْغَرِيبِ سَبِيلَهُ * ويَدُلُّ قَلْبًا.. أَلْفُ وَهْمٍ ضَلَّلَهْ
لَا حُلْمَ فِي هَذِي المَتَاهَاتِ الَّتِي * يَنْثَالُ فِيهَا السَّأْمُ مِنْ ثَغْرِ الوَلَهْ
هَذِي المَرَايَا أَلْسُنٌ شَمَتَتْ بِنَا * فِي كُلِّ رُوحٍ بِالمَوَاجِعِ مُثْقَلَةْ
مَنْ فَسَّرَ الجُرْحَ العَمِيقَ غَمَامَةً * مَنْ تَرْجَمَ المَوْتَ المُرِيعَ، وَأَوَّلَهْ
مَنْ فَجَّرَ الحُزْنَ الزَّنِيمَ مَوَاجِدًا * وَاخْتَطَّ مَجْرًى لِلْغِيَابِ، وَجَدْوَلَهْ
عَيْنَانِ تَلْتَحِفَانِ وَجْهَ قَصِيدَةٍ * وَيَدٌ تُبَاشِرُ ذَا الفَرَاغَ لِتَجْدُلَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذَاكَ الَّذِي فَوْقَ الغَمَامِ مُحَلِّقٌ * يَتْلُو تَرَاتِيلَ الجَمَالِ المُذْهِلَةْ
يَجَتَزُّ من رَهَفِ المَشَاعِرِ قُبْلَةً * وَيَحِيكُ من وَهْجِ الجَوَانِحِ قُنْبُلَةْ
حُبًّا يُهَادِي التَّائِهِينَ يَقِينُهُ * يَضْوِي لِقَافِلَةِ الضِّيَاعِ أَنَامِلَهْ
وَيَفُتُّ لِلْجَوْعَى حُشَاشَةَ قَلْبِهِ * وَيُذِيبُ رُوحًا لِلْعِطَاشِ مُسَلْسَلَهْ
يَهْدِي قُلُوبَ التَّائِهِينَ بِبَسْمَةٍ * وَيَدُلُّهَا دَرْبَ اليَقِينِ .. بَأَنْمُلَةْ
وَيَطُوفُ حَوْلَ الحُبِّ رُوحًا هَائِمًا * تَحْدُوهُ نَفْسٌ بِالجَمَالِ مُجَلَّلَةْ
طَارَتْ حَمَامَاتُ المَجَازِ بِشِعْرِهِ * خَفْقَاتُهُ جُنْحَانُ تِلْكَ الأَخْيِلَةْ
في تِلْكُمُ الرَّعَشَاتِ بَرْقٌ، غَيْمَةٌ * هَمْسَاتُ عُشَّاقٍ، وُعُودٌ، بَسْمَلَةْ
ضحكاتُ صُبْحٍ، شمعةٌ وقصيدَةٌ * شطآنُ دفءٍ، وشوشَاتٌ، عندلَةْ
مَطَرٌ يُشَاغِبُ رَبْوَتَيْنِ وَجَنَّةً * وَيُسِيلُ فِي ثَغْرِ الحَدَائِقِ سَلْسَلَهْ
سَهْبٌ تَبَسَّمَ عن ثَنَايَا حُلْمِهِ * حَقْلٌ يُنَاغِي أَلْفُ طَيْرٍ سُنْبُلَهْ ..
صُبْحٌ تَنَفَّسَ فَاسْتَفَاقَ لِهَمْسِهِ * مَرْجٌ ضَحُوكٌ، رَاحَ يُغْرِي بُلْبُلَهْ
فَجْرٌ تَثَاءَبَ مُسْكِرًا بِأَرِيجِهِ * بَشَرًا، عَصَافِيرًا، تُثِيرُ قَرَنْفُلَهْ
ترديدُ لهفٍ في غِنَاءِ عشيقةٍ .. ونشيدُ عَوْدٍ في أغاني قافِلَةْ
رَاعٍ يَسُوسُ نِيَاقَ كَلْمٍ شَاعرًا * يُدْنِي الضَّعِيفَ وَيَسْتَرِدُّ الجَاُفِلَةْ
وَيَهُشُّ غَنْمَ الغَيْمِ سِحْرُ مَجَازِهِ * بِعَصَاهُ يَأْسُرُهَا هَوًى، تَنْصَاعُ لَهْ
ذَا الشَّاعِرُ المَسْكُونُ لَهْفًا بِالمَدَى * بِالرَّكْضِ خَلْفَ الأُمْنِيَاتِ المُقْبِلَةْ
فَإِذَا شَدَا فَالتِّينُ طَعْمُ نَشِيدِهِ * مَنًّا وَسَلْوَى بِالرَّحِيقِ مُقَلْقَلَةْ
وَإِذَا هَمَى فالرَّعْدُ آيَةُ شِعْرِهِ * وَإِذَا اشْتَكَى يَتْلُو بِآيِ الزَّلْزَلَةْ
مِنْ عَبْقَرِ الشُّعَرَاءِ رُوحُ قَصِيدِهِ .. كَم أَوْجَزَ الْمَعْنَى الجَزِيلَ، وَهَلْهَلَهْ
من غَيْمَةِ التَّحْلِيقِ رِيشُ بَيَانِهِ .. مِنْ نَفْثِ سِحْرِهِ رُوحُ شِعْرٍ مُرْسَلَةْ
مَعْنًى يُبَايعُ بِالخَيَالِ قَصِيدَهُ .. يُخْفِي صُوَاعَ الشِّعْرِ بَيْنَ الأَخْيِلَةْ
من عَبْقَرِ الأَحْلَامِ أَذَّنَ شَاعِرٌ .. صَلَّى صَلَاةَ الشِّعْرِ قَبْلَ الْحَيْعَلَةْ
لا بَيْتَ لِلشِّعْرِ المُجَنَّحِ لا سَمًا * فَالشِّعْرُ يَبْنِي فِي الجَوَانِحِ مَنْزِلَهْ
يَبْنِي قُصُورًا للخِيَالِ فَخِيمَةً .. ويَرُودُ في دِفْءِ الأَضَالِعِ موْئِلَهْ
من أينَ يأتي الشِّعْرُ لولا حلمُنَا * بِغَدٍ أَنِيقٍ قد رَسَمْنَا أَوَّلَهْ
لَوْلَا خَيَالٌ يَسْتَطِيلُ بحلمِنَا * سَنَمُوتُ لَوْلَا الْحُلْمُ، لَوْلَا الْأَخَيِلَةْ
لِنَقِيتَ مِنْ مُتَعِ الحَيَاةِ قُلُوبَنَا * فَلَنَا فَرَادِيسُ الجَمَالِ مُفَصَّلَةْ