غلاف كتاب_الشخصية الليبية
المقالة

الشخصية الليبية

سالم القطعاني

غلاف كتاب_الشخصية الليبية
كتاب الشخصية الليبية، ثالثوث القبيلة، والغنيمة، والغلبة.
المؤلف: منصف وناس.

في ظل ما تشهده ليبيا من أزمات، وفي ما تعانيه من حرب أهلية، يبدو أن إعادة قراءة مفهوم التكوين الشخصي والذهني للمجتمعات أمر بالغ الضرورة، في كيفية السعي إلى تفسير العنف والخراب السائدين، وقد كان لكتاب ” الشخصية الليبية ” ومؤلفه الباحث التونسي ” المنصف وناس ” السبق العلمي في هذه الدراسة العميقة التي أجراها، والتي تركزت على تحليل ثالوث القبيلة، والغنيمة، والغلبة لهذه الشخصية.

ينطلق أولا من جدوى اختياره لمبحث مصطلح الشخصية القاعدية، كون هذه الاصطلاح ليس كالذي يطرحه بعض البحاث عن الشخصية القومية أو الوطنية، أو حتى عن شخصية الأفراد أو الإنسان أو المجتمع، وما تخلقه من إلتباس وغموض، حيث يجدون أنفسهم – أي البحاث- أمام جهاز مفاهيمي متعدد التعريفات ،ولكنه فضل الانحياز علميا للشخصية القاعدية التي يقول عنها بالخصوص أنها “محصلة كل التراكمات التاريخية والاجتماعية والأثنية السابقة ” وحتما، ستترك أثرا ولو جزئيا في طابع هذا الفرد، وعلى الرغم من خصوصية الشخصية الليبية، إلا أن هذا لا يعني انفصالها عن الشخصية العربية الإسلامية وتفاعلها جدليا باعتبارها جزء أساسيا من هذه التركيبة .

في الحقيقة، الكاتب يطرح علينا مفهوم البداوة في ليبيا ، ليس كنمط معيشي يومي، بل أنه حتى وأن غاب النظام الاقتصادي والمادي عنها ، وارتفعت نسب التحضر والتمدن والعمران، فإن هذا لا يطال البنى التحتية لهذه العقلية، التي تحتل فيها القبيلة الهيكل الإجتماعي الأول، لأنها -أي البدواة – أعمق من هذه الاختزالات جميعا ، بل هي ” نظام ذهني وثقافي ورمزي وقيمي شديد التأثير في سلوكيات وأحكام الأفراد” . البداوة الذهنية كانت مفهوم مركزي في هذا البحث الذي صنفها كظاهرة ثقافيه ، لها تمثلات في الواقع والحياة والوجود والإنتاج ،

وتبقى – بما هي ثقافة – عصية على التغير والإضمحلال ، وقد قاد هذا الحال النظام السابق إلى عجزه عن أدلجة قوى ثورية دون إشراك العامل البدوي نفسه، مما أضطره إلى توظيفها سياسيا لصالحه، مسارعا إلى تكوين بدوية سياسية في ليبيا، وتحويل ليبيا لصحروبترولي، مقام على الزبونية والولاءت، والحصول بالنهاية على مشروعية سياسية وثورية أيضا، وهذا ما حدث مع إقرار الديمقراطية الشعبية المباشرة، وكيف تفاعلت معها هذه الثقافة، التي لا تتجانس ومنطق الدولة والقانون والمؤسسات، بقدر ما يهمها الغلبة، لأن البدوي يتعامل بارتجالية مع المنصب على أنه غلبة قبلية ومع الإدارة كغنيمة .

وفي تجربة الانتخابات المحلية وما كان يعرف سابقا بـ “المؤاتمرات” خير دليل على سوء ما وصلت إليه الإدارة المحلية من فساد وإنحطاط، وقد جعل هذا التمكن المحلي، القبائل وأبنائها مشغولة بمدار السيطرة المحلية بعيدا عن مدار الحكم، انتصارا لهذه الثقافة البدوية على الحضر، الأقل ميلا إلى الحشد والتعبئة، تم قمع كل التعبيرات الثقافية غير البدوية مثل المسرح والسينما والرسم والنحت، وتم حرق الكتب والآلات الموسيقية . وانحصر على أثر هذا الشغب والفوضوية، كثير من المناشط الثقافية، وبدا عهد من تآكل المؤسسات.

حتى تأزم الوضع بانتفاضة 2011، قد كان يبدو – حتى ذاك التوقيت – أن كل التاريخ القبلي قد انصهر مع طيلة هذه القطيعة الزمنية، إلا أن للكاتب هنا تحليلا لعديد من مواقف المدن والمناطق.

معتبرا أنها تمت وفق منطق وحسابات قبلية ، في التأيد والرفض إبان الانتفاضة، يقول ” فالمنطق القبلي لا يسمح بالإنحياز إلا للغالب، ولا يغامر بالإنحياز للمغلوب ” فالحرص على هزيمة الخصم، وأخذ الثأر منه هو ما أنبنى على أساسه مواقف مدن ليبيا وغربيها بالخصوص، وأدى فيما بعد، لإستحضار تاريخ مأزوم بالصراعات، وإندلاع الحروب بين المدن.

أيضا، لا تتوقف الغلبة في بواطن الشخصية البدوية على السياسة، بل تمتد لغلبة على صعيد الديموغرافيا والعدد، إجمالا، فإن خصائص الشخصية البدوية كثيرة منها ، الميل إلى الارتجالية، وعدم الاستقرار، وتمكن روح الغلبة والحرص على الهيمنة والواقعية في التعامل مع الآخرين ، السعي إلى السيطرة والاستفراد ورفض المنافسة بل والاستئثار، وكراهة بذل الجهد وقلة الحماس للإنتاج والعمل، تجتمع هذه الخصائص لتكون نتيجة مفادها بلسان حال الكاتب نفسه ” ذاك أن الفاعل داخل أجهزة السلطة لا يعبر فقط عن هويته الفردية، وإنما كذلك عن مرجعيته القبلية، فهو موال لقبيلته وليس مواليا بالضرورة للدولة، وهو حريص على أن يضمن لقبيلته الحد الأدنى من الغلبة الريعية والمالية والخدماتية وخاصة السياسية؟ بدل حرصه على توزيع عادل للثروات الوطنية “.

وظل سؤال التحديث، وسؤال النهوض والنكوص، مقرونا بهذه الثقافة، لا بما هو تغير واجب على مستويات مادية وحسب، بل فكرية وثقافية تكتسح العصبية والسطوة والنفوذ القبلي والبدواة كبنية ذهنية ثقافية محددة لسلوك الأفراد، وهذه معركة أخرى، أخطر من ما يحصل الآن .

__________________

نشر بموقع الأيام.

مقالات ذات علاقة

الشاهد والوثيقة

فاطمة غندور

ياحجاركم يا مجاركم (2-2) *

فاطمة غندور

سؤال العزلة

عبدالقادر الفيتوري

تعليق واحد

أحمد الصالحين 29 يناير, 2018 at 04:16

السلام عليكم
طالعت الكتاب وهو لم يقدم الشيء الكثير للأسف.

رد

اترك تعليق