كتبت: هاجر الطيار
أقيمت في رواق منتدى المناضل بشير السعداوي، وبحضور نخبة من أهل الثقافة والأدب، يوم السبت الموافق الثامن والعشرين من اكتوبر 2017 في العاصمة الليبية طرابلس، الأمسية الثالثة والاربعون من الأمسيات التي يعقدها المنتدى تباعا مساء السبت من كل اسبوع. وقد كانت أمسية هذا الأسبوع محاضرة للدكتور البهلول اليعقوبي تحت عنوان “الأخلاق في العلوم والتكنولوجيا”.
بدأ الدكتور اليعقوبي بتعريف الاخلاق، ملخِّصاً شرحه عن الموضوع بقول المختصين بأن الاخلاق هي السلوك الإنساني كما ينبغي ان يكون وفقا للمثل العليا التي توجب على العقل ان يسيره لا لغاية بل لانها وسيلة واجبة. ثم بعد أن أجاب على السؤال: “لماذا يجب ان نهتم بالأخلاق؟” عرَّج على ماهيَّة الأخلاق، وطبيعة السلوك الإنساني. وتحدَّث عن تطوُّر الأخلاق عبر التاريخ، موضِّحاً أنه مع من يقول بأن القيم الاخلاقية تتغير مع الزمان والمكان، مدللا على ذلك بعدة أمثلة من تاريخ البشرية وواقعها المعاش .
ثم تحدث عن الأخلاق والقانون ومدى التقارب والتباعد بين المفهومين من مكان الى آخر، ومن زمان الى آخر. وضرب أمثلة حول إجازة القانون لأمور تعتبرها كثير من المجتمعات غير أخلاقية. كما اوضح الدكتور اليعقوبي الفرق بين الأخلاق والأخلاقيات، وكيف أن الأخلاق تعود لمبادئ الشخص من ناحية الصح والخطأ، أما الأخلاقيات فهي القواعد التي يقدمها مصدر خارجي في أماكن العمل، أو يقدمها الدين.
وتابع حديثه حول أنماط وأنواع الأخلاقيات مثل الأخلاقيات اللاهوتية وأخلاق المهنة وأخلاقيات الحكومة وأخلاقيات العمل والأعمال. و في إطار الأخلاقيات العلمية والتكنولوجية ربط الدكتور بين العلم وأهميته للمجتمع ووجوب مراعاة ما يتسق والأخلاق في تطبيقه. وأكد على أهمية حرية البحث العلمي من جهة، والخطوط الحمراء التي يجب أن تراعى من جهة أُخرى، والتي من أهمها الحفاظ على كرامة الانسان واحترام آدميته.
وأعطى الدكتور اليعقوبي أمثلة عديدة على قضايا أو مشاكل أخلاقية تتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالأخلاقيات في مجال الطب. ومن الإشكاليات التي تحدث عنها المحاضر في هذا الشان الإجهاض، وزراعة الكلى عن طريق شرائها واستغلال حاجة البعض المادية، وعدم توفر الأدوية الجديدة أو ارتفاع ثمنها، وتكاليف التطبب، واستغلال الطبيب للمريض أحيانا، والإخصاب، وتأجير الأرحام، والموت الرحيم، ومصادر الخلايا الجذعية، والشيفرة الوراثية وعلاقتها بخصوصية الأفراد، والمشارطة على البرء، وتغيير الجنس، وما يتوقع أن يحدث من مشاكل في حال نجاح عمليات زرع رأس بشري.
ثم انتقل المحاضر الى أخلاقيات استعمال الأسلحة، بما في ذلك والأسلحة الكيماوية والجرثومية. كما عرَّج على أخلاقيات تكنولوجيا المعلومات، وغزو الفضاء، والاحتباس الحراري. وفيما يتعلق بإطار العمل الدولي والاقليمي في مجال الأخلاقيات، فقد تحدث عن لجنة اليونسكو المختصة بهذا الشأن، وكذلك عن اللجنة التي أشرف على تكوينها على المستوى العربي، وإنجازاتها من ندوات وكتب ونشرات، ودورها في نشر ثقافة الأخلاقيات في الوطن العربي، واللجنة الليبية وما كان لها من اختصاصات تعطيها الصلاحية بقفل مستشفيات وعيادات في حال مخالفتها، ومراقبة نقل وتخزين المواد الضارة. وأشار إلى أن التشريعات الخاصة بهذه اللجنة لم تعد مفعَّلة الآن بسبب الظروف الراهنة.
وبعد انتهاء المحاضرة، قدَّم عالم الاجتماع الدكتور علي الحوتي وجهة نظر مختصَّة من جانبه، حيث شرح مضامين محاضرة الدكتور اليعقوبي حول الاخلاق من زاوية علم الاجتماع، فأثرى الموضوع والنقاش الذي دار عقب المحاضرة.
وفي ختام الأمسية التي أدارها باقتدار، الإعلامي والشاعر الأستاذ عبد القادر العرابي، وسجلتها مشكورةً “إذاعة الوطنية”، أجاب الدكتور اليعقوبي على الأسئلة التي طرحها الحضور، ودار نقاش مستفيض وشيِّق حول موضوع المحاضرة الهام.
وقد كان من أبرز الشخصيات التي تحضر أمسيات المنتدى لأول مرة، الدكتور عبد الرحيم الكيب رئيس الوزراء الاسبق، والدكتورة فريدة المصري، وسواهما من الشخصيات الكريمة.