من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
قصة

عصافير

من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني

 

وهم جالسون في المقهى في يوم خريفي جميل يتخلله المطر سأله صديقه، كيف هي طيورك، أجابه كما هي، لا تريد أن تبيض على الرغم من بدء موسم التزاوج والتفريخ منذ شهرين. وشرع يشرح لباقي رفاقه على الطاولة قصة طيوره

اشتراهم أخي قبل خمسة أشهر، وبعد مدة قرر أن يستبدلهم، ولأنَّ وجودهم أصبح مألوفا ولأكون صادقا معكم أحببتهم، لهذا رفضت أن يستبدلهم أو يبيعهم.. ولكن أخي أصر على ذلك، فما كان منه وليحقق رغبتينا مجتمعين سوى أن يطلب مني ثمن زوج آخر يشتريهما ويبقي على هذا الزوج

أعطيته النقود وقام بشراء زوج يرضيه ومضت الأيام، لكنها لم تمضي كثيرا، ربما أسبوعين أو ثلاث، هاجم قط قفص الطائران الأخيران اللذان اشتراهما، فأمسك أحد الطائرين وهرب الآخر. عرفنا ذلك من ريش الطائر المتناثر

ولا أخفي عليكم أني استأت لأكل القط لأحدهما وهرب الآخر، ولكنني شعرت بكثير من الراحة والرضا أنَّ الزوجان الأولان لم يحصل لهما شيء

وعندما بدأ موسم التزاوج تحمست لفكرة تكاثرها ورؤية صغارها، كأنما هم أفراد عائلتي وليس مجرد طيور. كنت أعطيها كل طعام يقال أنه جيد للتزاوج ويفيد الذكر والأنثى. جرجير، فواكه، خضروات، وحتى بيض مسلوق بقشوره

ضحك رفاقه وضحك هو

و لكن لم يتزاوجا أو يضعا بيضا.

أخبرني أحدهم من ضرورة شراء زوج آخر من الطيور لكي يزيد نشاطهم وتحفز بعضها البعض، فالطيور تحب الجماعة ورد التغريد لبعضها البعض. ولأجل أن تبيض أنثاي الجميلة وأرى فراخا من انتاجي اشتريت زوجا آخر.. ولكن لا بيض ولا فراخ

لقد وصلت بي رغبة تفريخها أن أقسم لو باضت، وأفقس بيضها فراخا، سأقيم وليمة صغيرة ابتهاجا بهذه المناسبة

مجددا ضحك رفاقه وضحك هو

تكلم صديقه الذي سأله أول الأمر – سوف أحضر لك مخصبا صناعيا، كل مربي الطيور يقولون إنه جيد. تمنى أن يأتي المخصب بنتيجة ومن ثم انتقلوا لمواضيع أخرى. وأخذ يتأمل المطر خلف الزجاج ويسرح بقلبه وببصره في الأفق البعيد

* * *

بعد مضي المدة اللازمة لجرعة المخصب الصناعي وهي ثلاثة أشهر، والتي تخللتها عمليات تزاوج منتظمة وكثيرة بين أزواج الطيور كان يشعر معها بنشوة الفرح، باضت كلا الأنثيين، ونامت على البيض

أخذ يحسب المدة اللازمة لفقس البيض، ويخمن لون الفراخ التي ستأتي، وبدء يفكر جديا في شراء قفص كبير ليستوعب الطيور بعد تكاثرها

مضت المدة اللازمة لفقس البيض، ولكن لم تسفر أي بيضة عن فرخ. كانت جميع البيوض غير مخصبة

خاب أمله كثيرا، ولكنه سرعان ما تجاوز خيبته لأن الإناث باضت من جديد. تأمَّل ورجى الله أن تسفر البيوض هذه المرة عن فراخ، كأنما هذه الفراخ من صلبه.

ما دامت طيوره ملكه، فصغارها ملكه أيضا، كما أبناءه من صلبه ملكه، ففي النهاية كل شيء يتعلق بالملكية

ولكن حتى هذه المرة، لم تسفر البيوض عن فراخ

وفي حالة من الخيبة تطورت إلى حزن، ومن ثم لغضب، تناقش مع أخيه الصغير حول هذه الطيور التي لا تنتج فراخا

تكلم أخوه – يجب أن نبيعها ونشتري مكانها طيورا أخرى

– ولكني أحبها، لقد أصبحت جزءا من حياتي.. لها الآن معنا ما يقارب التسعة أشهر

– إنها طيور، وليست قططا أو كلابا، حتى تحبها كل هذا الحب

– كلها أرواح

– لقد أخبرتني قبل مدة، إن لم تفقس البيوض فراخا، يمكنني أن أبيعها

– كنتُ محبطا

– ما نفعها وهي لا تتكاثر، فقط تأكل وتتبرز. سوف أبيعها

لم يتحدث بشيء أو يكمل المناقشة، كان جزء منه يريد التخلص منها، ومن ثقل أمنية أن يرى فراخها

تكلم أخوه مجددا – بعد ثلاثة أيام سوف آخذها للسوق وأبيعها وآخذ مكانها طيورا أخرى

لم يتكلم أو يرد، ولكن جزءا كبيرا من عاطفته كانت مع الإبقاء عليها، لذلك خمن أنه على الأرجح لن يسمح ببيعها أو استبدالها

في اليوم التالي استيقظ، فوجد أحد الزوجين مريضا، ولم تمضي ساعة حتى توفي الذكر

شعر بالحزن، ولكن حزنه تخللته راحة، ارتاح من وطأة حيرته في مصيرها، هل يبقيها أم يستبدلها، ارتاح من عاطفته اتجاهها، والأهم، والذي كان سببا في استغرابه من نفسه، أن أكبر راحته كان مبعثها من عدم انتقالها لغيره، فبموت هذا الطائر حتى آخر ذكراه ملكه

مجددا إحتار من نفسه كيف لفكرة كهذه أن تقفز لعقله، ولكنه مضى ساعيا لتنفيذها

في اليوم التالي استيقظ الجميع ووجدوا باقي الطيور ميتة. أخرجها من القفص ليدفنها وهو راض عن جودة السم الذي وضعه لها.

 

مقالات ذات علاقة

فاجعة

سعد الحمري

قصتان في لون الريح

محمد دربي

نافذة بوقرين

محمد دربي

اترك تعليق