فسانيا – (حوار: كريم المنصوري)
عبدالله عبدالباري أديب ليبي و أحد أبرز القاصين بالجبل الأخضر، هكذا قال عنه أستاذ الأدب بجامعة عمر المختار د.عبدالجواد عباس، يسكن المدينة البيضاء و تسكنه مدينته الأم شحات، مدير لإدارة الوظيفة العامة بوزارة العمل ومستشار للخدمة المدنية.
الحوار معه كالطريقة التي يكتب بها قصصه ونصوصه الأدبية، كلمات قليلة ولكنها كالصواريخ موجهة لإصابة المعنى عبدالله عبدالباري .. كاتب وطني وحر يعيش هموم المواطن العادي وفي الوقت نفسه يقدر ما يعانيه الوطن في الوقت الحالي، وله نظرة خاصة يحكم بها على الأحداث والناس والأشياء ، عبدالباري : أديب يملأ الوجدان بأفكار جديدة عجيبة، إنه يعرف كيف يثير فينا تلك القوى الخفية الكامنة، ويمنحنا عالماً مجهولاً رائعاً نستوعبه من خلال الكلمات التي وكأنها تخرج من كهوف عميقة، وتنزعنا من براثن الواقع المألوف، وكذلك تخرج الكلمات المألوفة في ثوب من الأنغام الخلابة.
لماذا نكتب ؟ ولمن نكتب ؟
نكتب لنتنفس ونكتب للجميع .. للناس القراء .. للجاهل والمتعلم .. للرجعي والتقدمي .. للمؤمن والكافر .. للكبير والصغير .. لمن يتفق معنا ومن يعارضنا .. نكتب لأننا لا نستطيع ولا نعرف إلا أن نكتب .. الكتابة عندنا سلاح مقاومة، فضح وإدانة، رفض للموت المجاني.
من أين تستقي قصصك ونصوصك الأدبية ؟
أول الكلام : القصص والنصوص حكاية لحادثة قصيرة ذات مغزى خاص أو رسم سريعً لانطباع من الحياة عن شخصية من الشخصيات أو جو من الأجواء .. إنها لقطة لا تعتمد على سعة المنظر بقدر ما تعتمد على ما تلقيه عليه من ظلال وأضواء .
وأضاف : الأدب اختيار فني واع يعوضه عن ضيقه وقلة عناصره أن يكون مفهوماً للمتلقي .
هل تعد القصة القصيرة تسجيلا لأحداث معلنة ومعروفة ؟ أم أن الاهتمام بالخيال عند الكاتب هو السائد ؟
عندما يصنع للقصة قفص يسجنها يصبح التغريد بها مأساوياً .
متى تقرر الانسحاب من قصة أو نص أدبي ؟
عندما ينتابني اعتقاد بأن كلامي سيكون غير مفهوم للمتلقي وهذا بالطبع أشد ما يؤلم الكاتب .
كيف تقيم تجربتك مع النشر؟
عملية النشر كالمشي على حصى صغير حاد ومؤلم، بت أكره مسألة النشر لأنها تقتل الإبداع وتخنق المبدع .. النشر في بلادي يحتاج إلى ورقة حظ أو قصاصة واسطة، وجميع إصداراتي كانت على حساب قوت أبنائي استقطاع لبنات أفكاري – أبنائي سبعة وإصداراتي سبعة .. وثلاثة تحت الطبع
من خلال تجربتك مع القراء، ما هي أقوى ملاحظة اخترقت مسامعك ؟
تلك التي خرجت من الذي يود أن يمنطقك في اتجاه يجعلك عبداً لطريق معين .
تختلي بنفسك، تسهر، تكتب، وتواكب ردود الأفعال، لماذا كل هذا الإصرار على الكتابة في مجتمعات عربية ضعيفة الإقبال على القراءة ؟
لو وجدنا جواباً لهذا السؤال لانتهينا من لعنة الكتابة والعذاب .
من أين وكيف أصبت ممس الحروف ؟
منذ صغري، حين كنت متفوقاً في كتابة مادة الإنشاء، ودفعني لبوابتي الأولى أستاذي إبراهيم عودة ” معلم اللغة العربية ” حين قال لي : اقرأ كثيراً كي تكتبنا.
هل الكتابة تبدأ عند الإحساس بقلق إزاء حالة وجودية أم عند الرغبة بحد ذاتها؟
الكتابة أزمة، هكذا أراها، وهكذا أتصورها ، الكتابة بالنسبة لي نقلة نحو عالم يفضح النسق الوهمي، ويحاول تدميره من الداخل .. هذا حلم، لكنني أسعى إلى نقل رؤيتي عبر القصة المتزحلقة التي تبحث عن المشترك الإنساني الذي هو جوهر التفكير ومنبع الرؤى، متى وجدته كتبت.
لمن ولماذا يحكي القاص أنين قلمه وابتسامات قلبه ونبض ذاته؟
للحكاية متلق مفترض، له نحكي وبه نستنجد.
هل سبق وأن عرفت وجع الكتابة أم تأتيك الحروف طائعة وتحني لك الجمل هاماتها؟
بصراحة تأتي الجمل وكأنها خرجت من مكان مجهول، وعادة ما أكتب وأنا أتوجع، وطعم الوجع دليلي .
قاصاً ثم شاعراً ، هل تدين لأحد بالفضل؟
كلما سُئلت هذا السؤال تمنيت الفرار، كمن يُطلب منه فجأة الصعود لخشبة مسرح لأول مرة ليلقي خطبة لم يستعد لها رغم مرور كل هذه السنين من عمري، أبدو كما لو لم أستعد بعد لإلقاء هذه الخطبة القصيرة عمن أدين لهم بالفضل.. أولهم أستاذ اللغة العربية ” إبراهيم عودة ” ومدينتي ملهمتي .. ووطني التربة الخصبة ومعظم من قرأت لهم وهم كثر
تعدد مدارس القصة الحديثة.. فهل تصنف نفسك ضمن واحدة منها، عربية أو غربية؟
أنا لست تربية مدارس في كتابة القصة، حاولت دوماً الهروب من التنميط، والعودة للطفل الخيالي الذي كدت أفقده للأبد.
أستاذ عبدالله، كأني بالسرد التراثي وإسقاطاته يستخفيان بذكاء في قصصك؟
لا أخفيك سرًّا، أنا لم أحقق ما أصبو إليه من استخدام تقنيات السرد التراثي بشكل ينسجم مع معطيات القص الحديث، المسألة ليست لعبة، وأنا رجل متحفظ، إنما كانت هناك ومضات هنا وهناك جرت على سن قلمي، والمسألة هاجس بالنسبة إلي، وأشعر دائماً أنني سأعود إلى عربة اللغة التي تحملني للماضي وسحره في فكرةٍ ما مناسبة، غير أنها لم تظللني بعد.
ماذا يعني كونك قاصاً في زمن العبوات الناسفة والطّاقة النّوويّة؟
أنا ضد كل أنواع الغطرسة والتسلط. ضد التسلح بكل أشكاله النووية وغير النووية حينما تكون غايته العدوان وتخريب فرص تعزيز السلام العالمي. أنا مع الأمن والسلام والعدالة والحرية و الديمقراطية للشعوب المغلوبة على أمرها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، ولكل شعوب كوكبنا الأرضي في شكل عام .
أين يجد عبدالله نفسه في القصة أم في الشعر؟
أنا قاص لأن نشأتي الأولى كانت في ميدان القصة، ولكنني وجدت نفسي متورطاً في كتابة النثر .
أيهم أحب إلى قلبك من جملة إصداراتك ؟
بسؤالك هذا كمن تخيره من الأقرب إلى نفسه من بين أبنائه.
( في كلمة واحدة ) ماذا تعني لك ؟
ليبيا : أمي – البيضاء : الطمأنينة – شحات : ملهمتي – البحر : ارتواء – القصيدة : أنثى – القصة : بوح – الطمأنينة : القصد – الفكر : الذات – الرهينة : هي
بصمة أخيرة تضعها في مسك ختام هذا الحوار؟
عبدالباري: أتمنى أن أتمكن من إنجاز ما أصبو إليه من قصص تلوح لي بعض ملامحها، وتخطر لي في بعض أوقات التأمل والفراغ، غير أنها لا تزال متأبية على التمظهر في شكل واضح، أو أنها على الأصح ما زالت تؤجل لسبب أو لآخر لحظة التخلق والتجسد الفعلي على صفحة الكمبيوتر التي تنتظر لحظة الشروع في الكتابة، علماً بأن هذه اللحظة وما يليها من استنفار للمشاعر والأحاسيس، ومن تركيز لقوى الإدراك، تلعب دوراً كبيراً في تخليق العمل الفني وفي إضافة عناصر جديدة إليه لم تكن جلية ظاهرة في الذهن أو في الذاكرة حتى تلك اللحظة المباركة، وذلك هو سر من أسرار الخلق الفني ومن المؤشرات الأكيدة على عملية الإبداع. وشكراً لك الإعلامي كريم بقدر رحابة صدركم لنا.