أما قبل…
مُصابٌ بالشعر قبل وبعد في عام 2016 كُرم بجائزةٍ إسبانية في الشعر، أصدر ديوان شعر وكتاب في الفكر جديدين عن دار الرواد – طرابلس الغرب، ومن هذا وما قبل فإن محمد الفقيه صالح يحفرُ بذات الازميل الشعر الذي به يرى ما يرى، وهو منذ السبعينيات في مطلعه الحداثي المُستنير، اليساري الإنساني الوطني من لا يحده هذا الأفق عن أفقه الكون، مشغول ومغموس فيما يشغل الفكر البشري وان لم يُنتج الكثير فإن قليله عُصارة مُكثفة لاطلاع مُوسع وعميق، ونسجه فيما أنتج بسدة كونية ولكن منغمسة في كون وطني شفاف حيث أن الانسان عندهُ يتعين في مكان وزمان ومنهما يغترف المبدع الرؤية وحتى الرُؤيا، وبذا لا يِختزل ولا يختزل ولا يبسط ولا يتبسط، فالشعرُ كما الفكر هما قلبُ البشر وعقله…
(1)
عُرس محمد الفقيه صالح الشاعر الليبي كان بُعيد أيام، بل كان يوم الخميس ليلة الزفة، يوم – وبأقصى سرعة وجهد – بإمكانه العودة إلى طرابلس، لكن ذلك لا يهم فهو لم يقبل بتلك المهمة الرسمية قُبيل عرسه إلا من أجل عيون لوركا (قصر الحمراء… غرناطة).
جنون لوركا كان قد أصاب الفقيه منذ سنوات أولى من الشعر، حين كان الشاعر الفقيه يفك خط الشعر، كان لوركا يُترجم للعربية شذرات، شذرات، وكان الفقيه يشاهد عرس الدم العربي ويشاهد ” عرس يرما لوركا ” على مسرح الكشاف بطرابلس، كان لوركا يقتحم ذاكرة الشعر الليبي دون استئذان وكان الفقيه يهرول ليلحق بالقطار ليلحق بعرسه، القطار الذي سيقله إلى حبه إلى لوركا، ركب قطار غرناطة حين غادر الوفد الرسمي مدريد متوجها إلى طرابلس، الشاعر يهرول في شوارع غرناطة برفقة زميل جره معه، حين وصل إلى بيت لوركا ؛ وجد البيت مغلقا للصيانة حسبما تقول لوحةٌ مُعلقة على الباب، وحين كان يدور ويلف حوله ومعه القلق والإحباط كان جيران البيت انتبهوا:
– ما الذي يريده الغريب؟
– زيارة بيت لوركا!
حينها تقدم عجوز البيت وأدخلهُ: إنه تحت الصيانة، وهذه الفوضى لا تمنع من القول أن لوركا كان يجلس هنا، ويكتب على هذا المكتب، ومن هذه النافذة يُطل على الحمراء… وعاد الفقيه لليلة عرسه، وبقي الشاعر هناك في بيت لوركا الشاعر الذي كان يعرف جدا أن العدو لا يغدر فكان “عرس الدم”. هذا ما جاء في مقالتي: لوركا الليبي التي كتبتها بمناسبة مئوية الشاعر الاسباني الأشهر ونُشرت حينها بمدونتي سريب.
(2)
اليوم محمد الفقيه صالح يحتفي بستين العمر، كأننا التقينا البارحة ولم نعش معا السجن لسنين عشر، كأنما لم نلتق في منتصف السبعينيات من القرن الماضي بل صباح اليوم، وكأنما لم تهزني أشعاره ولم ننتشي بهكذا هزة نحن الصحاب لعقود خلون بل الساعة.
محمد الفقيه صالح سفير ليبيا في اسبانيا حاليا، كما كان نزار القباني السفير السوري في اسبانيا الخمسينيات، أو كما سان جون بيرس الشاعر الفرنسي سفيرا أو كما بابلو نيرودا، محمد شاعرا كان، كائن، سيكون، وكنا في رحابه في رحاب الشعر.
في الذكرى الستين من العمر، في ربيعه الثالث يطل اطلالة الخجول، خجل من قرينه الشعر أن تأخذه عنه صرعة الموظف فيذهل عن هويته، عن الشعر هوية الغموض.
يا صديقي وصديق الشعر تُطل الستون في لحظتنا هذه والبلاد كما الشعر غامضة حد التلاشي، وأنت مُثقل بخفة الكائن الشعر، ونحن جملة وتفصيلا على باب مُشرع على احتمالات منها الأهم والأصعب ما كان حلمنا، وما نتوق إليه الساعة أن تنهض البلاد المُلتبسة في لحظتها بـ (جدل القيد والحرية).
مُتسربل بالشعر وما ولى من عمرنا نسجناه بالتوق وما تبقي أيضا، لك في عامك الستين الأماني الطيبات، لك الأحلام التي تبقي طازجة، لك الشعر و” الريح… مُثقلة بأقواس قزح” أو كما قال لوركا.
أما بعد…
ستون
شعر: محمد الفقيه صالح*
جالس
وسنيني معي، قرب نافذتي
نتأمل ما مرَ أو ما تسرب من ممكن
فأهش الأسى أو أزيج الستار
فتبدو السماء وغيم ينوس على مهل
ثمة الآن ريح تهز الغصون
فيسقط من شجر العمر
يابس أيامه
شمس تشرين تظهر أو تختفي
خلف ما يتصاعد من شجن
والحديقة تبدو محايدة من خلال الزجاج
سأفتح في التو نافذتي
أتوحد بالظل
أغدو أنا والحفيف وزقزقة العصافير والعشب
معزوفة واحدة.
________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل