إهــداء: إلى روحي الصحفيين الراحلين محمد طرنيش، ومفتاح أبوزيد
تغمدهما الله بواسع رحمته في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. وكل يوم.
• أولاً/ مقدمة:
شهدت المجتمعات الإنسانية تطورات عديدة من أجل تحقيق الكثير من المكتسبات التي تضمن لها علاقة متوازنة بين السلطة الحاكمة وإدارة شئون الحياة اليومية، وفض النزاعات، وحرية الرأي ووسائل التعبير المختلفة. ولعل بداية التفكير في وثيقة الدستور بعد ظهور الإسلام تمثلت في (صحيفة المدينة) أو (دستور المدينة) الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الهجرة من مكة والمكوث في المدينة المنورة، التي صارت تضم مسلمين مهاجرين وأنصاراً، وكفاراً مشركين، وأهل الكتاب من الطوائف اليهودية المختلفة (بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وبني عوف) يشكلون مجتمعاً إنسانياً متنوعاً يتطلب قوانين أساسية، ونظاماً موحداً يحدد الحقوق والواجبات والحريات والجزاءات وفق الأسس التي تحترم خصوصية كل فئة إنسانية وبما لا يخالف النصوص والتعاليم السماوية. وقد تضمن (دستور المدينة) اثنين وخمسين بنداً صاغها المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكدت جميعها على احترام الديانة، وصون الذمة المالية لكل فرد، والاعتراف بمواطنة الجميع في التصدي لأي عدوان خارجي على أهل المدينة المنورة.
ثم بعد قرون جاءت الدساتير التقليدية التي ظهرت مع نشأة الدولة الحديثة خلال القرن السادس عشر كمنجز قانوني يمثل عقداً اجتماعياً يحدد العلاقات التي أصبحت أكثر تشابكاً في مجتمع الدولة العصرية الواحدة ومكوناتها الإدارية المختلفة، ثم تطورت هذه الدساتير بعد عصر التنوير الذي قاده الفلاسفة الاوروبيون مثل “جان جاك روسو” و”جون لوك” و”توماس هوبز”، فصدرت الدساتير المستنيرة أو الديمقراطية وكانت البداية مع دستور الولايات المتحدة الامريكية الذي صودق عليه في 21 يونيو 1788، ثم الدستور الفرنسي في 3 سبتمبر 1791. وعلى الصعيد العربي يعتبر الدستور التونسي الصادر سنة 1861 أول دستور عربي كرّس المباديء السياسية والنظم الإدارية منذ بداية العمل به بتاريخ 26 أبريل 1861. وتتفاوت الدساتير في عدد أبوابها وموادها حسب خصوصيات الدول، ويعتبر دستور دولة الهند الأطول في العالم وهو يتكون من 448 مادة، بينما الأقصر فهو دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي يتكون من 7 مواد فقط. كما تجري بعض الدول تعديلات على دساتيرها استجابة لمتطلبات التغيرات الضرورية مثل فرنسا التي عدلت دستورها 16 مرة والبرازيل 70 مرة.
• ثانياً/ تعريفات
أ – الصحافة والإعلام: هي وسيلةُ وفضاءُ التعبير، كتابةً وصوتاً وصورةً، عن الآراء والأفكار والإبداعات المختلفة ونشرها عبر الوسائل كافةً. وتلعب الصحافة والإعلام التقليدي والافتراضي دوراً حيوياًّ في تفعيل التبادل المعلوماتي والمعرفي خاصة بين فئات الشباب وطلاب الجامعات. كما تساهم وسائل الإعلام بدور حيوي ومهم في توعية الجمهور بأهمية المشاركات الايجابية في جميع المناشط. وكذلك فيما يخص الدستور والاستفتاء عليه وشرح إجراءاته ومراحله وكيفيته، وأيضاً إرشاد الناخبين والتنبيه لعمليات الغش والفساد والأخطاء التي تحدث أثناء الممارسة الانتخابية. وحتى بعد إقرار الدستور تبقى وسائل الإعلام جزءاً من عملية تنفيذ الدستور وتفعيله من خلال رصد ومتابعة عمليات سن وإقرار وتحويل المباديء الدستورية إلى نصوص قانونية.
ب- الدستور: هو أبو القوانين، ووثيقة القانون الأعلى والأقوى في الدولة التي تحدد نظام الحكم والسلطات الحاكمة فيه، وكذلك الواجبات والحقوق والحريات، وتفسر العلاقة بين أفراد الشعب والحكومة. ويمثل الدستور قمة الهرم القانوني الذي تحتاج إليه كل دولة معاصرة لإدارة شئون الحكم وحقوق أفراد الشعب. وحتى وإن أجاب الدستور عن أسئلة من نحن؟ وكيف نحكم؟ وما هي الضمانات؟ فإنه يظل عاجزاً أمام أسئلة كثيرة غيرها.
• ثالثاً/ نبذة عن الدساتير في ليبيا:
ظل سكان شمال أفريقيا الذين يشكلون أقاليم المجتمع الليبي الثلاثة (برقة وطرابلس الغرب وفزان) منذ عقود بعيدة وقبل ظهور الدولة الحديثة “ليبيا”، خاضعين لمجموعة من الدساتير الوافدة مع الغزاة والمحتلين الذين حكموا البلاد وأرغموا أهلها وفرضوا عليهم الإنصياع لقوانين تلك الدساتير المختلفة. ويمكن تقسيم تلك الدساتير إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: ما قبل الاستقلال سنة 1951
1- الدستور العثماني:
نشأت الدولة العثمانية الحديثة نسبة إلى عثمان أرطغرل منذ بداية العهد العثماني الأول (1551-1711). وجاءت فكرة وضع الدستور العثماني خلال العهد العثماني الثاني (1835-1911) على يد جماعة تسمى “العثمانيون الجدد” حيث شكلت لجنة تتكون من 28 عضواً لإنجاز الدستور المقترح وأطلقوا عليه اسم “القانون الاساسي” أو “المشروطية الأولى” متضمناً 119 بنداً معتمِداً نظام الولايات في الدولة العثمانية وذلك اقتباساً من النظم والقوانين الفرنسية. وحين أنهت لجنة الإعداد إنجازه أعلنت بتاريخ 23 ديسمبر 1876 بداية العمل به، وصار الدستور العثماني سارياً في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية والتي من بينها ولاية طرابلس الغرب وليبيا كافة. وقد تم تعديل الدستور العثماني سنة 1908 وأطلق عليه (المشروطية الثانية).
2- الدستور الإيطالي:
منذ إعلان إيطاليا بأن ليبيا هي الشاطيء الرابع لها وبداية احتلالها العسكري الاستيطاني سنة 1911، أعلن الحزب الفاشيستي الايطالي الحاكم العمل بالدستور الايطالي في القطر الطرابلسي وعلى الأراضي الليبية كافة، وفرضت ايطاليا الأحكام العرفية والنظام الربوي في المصارف الليبية، ومنحت الليبيين الجنسية الإيطالية، كما قررت فرض تعليم اللغة الإيطالية على جميع المدارس في ليبيا. وعندما زار موسيليني ليبيا سنة 1936 قرر إلحاقها بالدولة الإيطالية.
3- دستور الجمهورية الطرابلسية 1918:
عندما أعلنت الجمهورية الطرابلسية بتاريخ 16 نوفمبر 1918 في جامع المجابرة ببلدة القصبات بمدينة مسلاته تم الاتفاق على أن يكون نظام الحكم “جمهورياً” وقد صرّح الاسم الرسمي بذلك، واختيار مدينة “العزيزية” عاصمة للجمهورية، وإجراء انتخابات لاختيار أعضاء مجلس شورى الجمهورية، بدلاً من انتخاب رئيس للجمهورية نظراً لعدم استقرار الأمور. كما تم انتخاب مجلس شرعي للجمهورية من العلماء الأجلاء. وقبل خروج المجتمعين من المسجد أقسموا اليمين وفق نص قسم مكتوب، يؤكد الولاء والإخلاص للجمهورية. وقد رأى أعضاء مجلس الجمهورية أن الوضع الحربي يقضي بأن يقيم كل عضو من أعضاء الجمهورية في منطقة نفوذه يعمل فيها على تصريف أعماله وفق الإمكانيات المتاحة والمواقف والمعطيات القائمة. إن كل هذه الإجراءات تتطابق مع ما صار يعرف حالياً في علم صياغة القانون الدستوري “بالعمليات الدستورية”.
4- الدستور الملكي البريطاني في إقليم برقة وإقليم طرابلس:
المملكة البريطانية المتحدة من الدول التي ليس لديها دستور مكتوب بل مجموعة من المباديء والأعراف والتقاليد التي جرى الاتفاق عليها منذ قرون زمنية بعيدة في المجتمع البريطاني، فتم تأطيرها وتطويرها في شكل قوانين ولوائح دستورية تنظم العلاقة بين أسرة مملكة التاج البريطاني وأفراد الشعب وبقية مستعمرات المملكة خارج القارة الأوروبية. وبعد الحرب العالمية الثانية سيطرت القوات البريطانية على شمال ليبيا بقيادة المارشال الانجليزي “مونتجمري” فتم إلحاق إقليمي برقة وطرابلس بالمستعمرات البريطانية وإنفاذ سريان قوانين الإدارة الحكومية البريطانية المنبثقة عن الدستور الملكي البريطاني والعمل بمقتضاها من حدود ولاية برقة شرقاً إلى أقصى حدود ولاية طرابلس غرباً.
5- الدستور الفرنسي في إقليم فزان:
يعتبر الدستور الفرنسي من أعرق الدساتير في العالم، وحين قامت القوات العسكرية الفرنسية الغازية للأراضي الليبية أثناء الحرب العالمية الثانية بتاريخ 16 يناير 1943 بطرد القوات الإيطالية واحتلال بلدة مرزق، الواقعة ضمن إقليم فزان بالجنوب الليبي، ظلت إثر ذلك معظم مناطق الجنوب الليبي تحت السيطرة العسكرية الفرنسية والعمل فيها بالقوانين والنظم المنصوص عليها في الدستور الفرنسي. وقد استعملت فرنسا نفس أسلوب إدارة الصحراء الجزائرية في إدارة إقليم فزان، وهي إدارة عسكرية مباشرة خاضعة لسلطة الحاكم العسكري الفرنسي العام جعلت مركزها في مدينة سبها. وظل إقليم فزان خاضعاً للقوانين الدستورية الفرنسية في تصريف الأعمال، وتداول العملة الفرنسية في التجارة وتمييز مواطنيه عن اخوانهم في شمال وشرق ليبيا في محاولة فرنسية استعمارية لإقامة حكم ذاتي فرنسي على الإقليم، وحين فشل هذا المخطط الاستعماري قامت فرنسا بإنشاء مجلس تمثيلي فزاني ونصبت رئيسا له، ظل يعمل تحت نفوذ وسيادة وسيطرة الحاكم العسكري العام الفرنسي في فزان حتى إعلان الاستقلال التام لليبيا عام 1951.
6- دستور إمارة برقة:
وضع دستور إمارة برقة في شهر أكتوبر 1949 قبل استقلال ليبيا ووحدتها. وهو متكون من حكومة ومجلس نيابي ويشتمل هذا الدستور الذي تشير بعض المصار بأن المرحوم أحمد فؤاد شنيب هو من قام بصياغته، على عشرة فصول جاءت كالتالي: الفصل الأول واقتصر على تحديد اسم الوثيقة حيث سمّاها بالنص (الدستور البرقاوي) ثم الفصل الثاني (حقوق الشعب وأحكام عامة)، الفصل الثالث (السلطة التنفيذية)، الفصل الرابع (السلطة التشريعية)، الفصل الخامس (القضاء)، الفصل السادس (المالية)، الفصل السابع (الخدمة المدنية)، الفصل الثامن (الجيش والشرطة)، الفصل التاسع (تعطيل الدستور عند الطواريء)، الفصل العاشر (متنوعات). ولم يرد في الدستور البرقاوي أي ذكر للصحافة والإعلام ولكن نصت الفقرة رقم (11) من الفصل الثاني بأن (لكل شخص الحق في حرية الرأي والقول).
المرحلة الثانية: دستور الاستقلال سنة 1951 وما بعده
1- الدستور الليبي 1951 (دستور الاستقلال)
يعد أول دستوري وطني ليبي متكامل أعدته الجمعية الوطنية التأسيسية للجنة الستين بالتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا السيد “أدريان بلت” وصدقت عليه وأصدرته بتاريخ 7 أكتوبر 1951 دون إجراء عملية التصويت والاستفتاء الشعبي عليه. وقد جاء هذا الدستور في 12 فصلاً اشتملت على 213 مادة.
ويقدم الدبلوماسي الراحل إسماعيل الخالدي بعض المعلومات عن إنجاز الدستور الليبي سجلها في مقاله بعنوان (دستور المملكة الليبية المتحدة: ملخص وخلفيات) المنشور بصحيفة الشرق الأوسط (Middle East Journal، المجلد السادس، العدد الثاني، الصفحات 224-225 ، الربيع 1952) يقول فيها: (… عند إعداد الدستور، عقد فريق العمل 96 اجتماعاً مستعيناً بمعلومات ومصادر وطنية وإقليمية ومواد قانوينة من الشرق والغرب: الدول العربية: مصر، سوريا، لبنان والعراق، والدول الأسيوية: أفغانستان، ايران، اندونيسيا، الهند وبورما، والدول الأوروبية: بلجيكا، سويسرا، اليونان، النرويج، المانيا (حكومة بون)، وبعض دول الامريكتين: الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، كندا، فينزويلا والبرازيل. ودساتير كل من اتحاد جنوب افريقيا واستراليا. وكذلك تم الاطلاع على نص الإعلان الجامعي لحقوق الإنسان ودراسته. وعقدت لجنة الدستور 25 اجتماعاً قبل تسليم نص المسودة النهائية إلى هيئة الدستور بالجمعية الوطنية…). وأيضاً يصف الدكتور محمود عزمي السياسي والقانوني المصري الشهير، الدستور الليبي عندما عرضت عليه نسخة منه أثناء اجتماع مجلس الأمن في جينيف عام 1951 بأنه (فوق المستوى السياسي لأي قطر عربي) كما ورد في كتاب (ليبيا بين الماضي والحاضر) للدكتور محمد المقريف، الصادر عن مركز الدراسات الليبية بأكسفورد، المجلد الأول، صفحة 273.
وفيما يخص حرية التعبير والصحافة والإعلام فإن دستور الاستقلال أكد في المادة (22) بالنص على أن (حرية الفـكر مكفولة ولكل شخص الإعــراب عن رأيه وإذاعـته بجميع الطرق والـوسائل ولكن لا يجوز إساءة استعمال هذه الحرية فيما يخالف النظام العام أو ينافي الآداب). كما تعلن المادة (23) بصراحة منح الصحافة حريتها وإن وضعت حدوداً على تلك الحرية حين نصت (حرية الصحافة والطباعة مكفولة في حدود القانون). أما بالنسبة للغة فقد منحت المادة (24) الحرية للأشخاص في استعمال لغاتهم التي يختارونها في بعض شئونهم وسكت المشرع عن تسمية أو تحديد اللغة الرسمية حين أورد (لكل شخص الحرية في استعمال أية لغة في المعاملات الخاصة أو الأمور الدينية أو الثقافية أو الصحافية أو مطبوعات أخرى أو في الاجتماعات العامة). وفي سنة 1963 جرى تعديل هذا الدستور بعد إلغاء النظام الفيدرالي وإعلان الوحدة الوطنية في 26 أبريل 1963، ثم في 11 ديسمبر 1969 تم إلغاء العمل بهذا الدستور كلياً.
2- الإعلان الجمهوري الدستوري 1969
إثر الانقلاب العسكري في الأول من سبتمبر 1969 ألغى “مجلس قيادة الثورة” دستور الاستقلال في ليبيا بموجب المادة (33) من الإعلان الجمهوري الدستوري الصادر في 11 ديسمبر 1969 حيث نصت (يلغى النظام الدستوري المقرر في الدستور الصادر في 7 أكتوبر 1951 وتعديلاته وما يترتب على ذلك من آثار)، وأصدر الإعلان الجمهوري الدستوري بديلاً عنه والذي أشار في آخر فقرات مقدمته بأنه دستور مؤقت يعمل به إلى حين إعداد دستور دائم (.. يصدر هذا الإعلان الدستوري ليكون أساسا لنظام الحكم في مرحلة استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية، وحتى يتم إعداد دستور دائم يعبر عن الانجازات التي تحققها الثورة ويحدد معالم الطريق أمامها..). واشتمل هذا الإعلان على ثلاثة أبواب هي (الحقوق والحريات) و(نظام الحكم) و(أحكام متفرقة وانتقالية) جاءت في (33) ثلاثة وثلاثين مادة. ولم يرد فيه بشأن الصحافة والإعلام أي إشارة عدا ما أوردته المادة (13) بأن (حرية الرأي مكفولة في حدود مصلحة الشعب ومباديء الثورة). ويتضح جلياً أن التضييق واضح على حرية الرأي التي كفلتها المادة أعلاه حين جعلتها في حدود (مصلحة الشعب) و(مباديء الثورة) وهما شرطان مخاتلان لا حدود ولا مواصفات لهما بل يتسعان لكل مبررات القهر والعسف والتنكيل، ويحملان الكثير من التأويل السلبي والإيجابي على حد سواء.
3- الإعلان الدستوري المؤقت 2011
أصدر المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هذا الإعلان بتاريخ 3/8/2011 بمدينة بنغازي. واشتمل على خمسة أبواب على التوالي (أحكام عامة)، (الحقوق والحريات العامة)، (نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية)، (الضمانات القضائية)، (أحكام ختامية) جاءت في (37) سبعة وثلاثين مادة. وبيّن الإعلان الدستوري المؤقت في مقدمته بأنه (.. إلى أن يتم التصديق على الدستور الدائم في استفتاء شعبي عام، فقد رأى المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أن يصدر هذا الإعلان الدستوري، ليكون أساساً للحُكم في المرحلة الانتقالية..). وقد قيد الإعلان الدستوري المؤقت بهذا النص عملية التصديق على الدستور الدائم واشترط بأن تكون خلال (استفتاء شعبي عام). وخلال الفترة الانتقالية أقرت المادة رقم (7) من الإعلان الدستوري بأن (تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرم الإنسان كخليفة الله في الأرض). وكذلك لمزيد الضمانات وبشكل محدد وواضح صرّحت المادة رقم (14) بأن (تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي، وبما لا يتعارض مع القانون.)
• رابعاً/ ملخص مسودات الدساتير في ليبيا:
1- المسودة الأولى للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المنتخبة وفق القانون رقم 17 لسنة 2013 هي المسودة الأولى للجنة العمل بالهيئة التي أنجزتها بعنوان “مخرجات لجنة العمل” وأحالتها إلى رئيس الهيئة برسالة رسمية تحمل رقم (ل.ع 14) مؤرخة في 6 أكتوبر 2015 وقعها كل من رئيس لجنة العمل، ومقرر اللجنة. وقد ورد في رسالة الإحالة بعض النقاط أبرزها أن المسودة تتضمن مئتين وعشرة مواد (210) تمت صياغتها بالتوافق وأن مادة واحدة فقط لم يتم التوافق بشأنها وهي المادة (2) المتعلقة بالعاصمة.
2- المسودة الثانية للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المنتخبة وفق القانون رقم 17 لسنة 2013 هي المسودة الثانية للجنة العمل بالهيئة وقد تضمنت ديباجة ومئتين وعشرين (220) مادة أنجزتها اللجنة وأصدرتها خلال شهر يناير 2016 بعنوان “مخرجات لجنة العمل 2”.
3- المسودة الثالثة للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المنتخبة وفق القانون رقم 17 لسنة 2013 هي المسودة الثالثة للجنة العمل بالهيئة واشتملت على ديباجة واثني عشرة باباً جاءت في مائتي وواحد وعشرين (221) مادة كالتالي: الباب الأول: شكل الدولة ومقوماتها الأساسية، والباب الثاني: الحقوق والحريات، والباب الثالث: نظام الحكم، والباب الرابع: السلطة القضائية، والباب الخامس: المحكمة الدستورية، والباب السادس: الحكم المحلي، والباب السابع: الهيئات الدستورية المستقلة، والباب الثامن: النظام المالي، الباب التاسع: الثروات الطبيعية، الباب العاشر: الجيش والشرطة، الباب الحادي عشر: التدابير الانتقالية، الباب الثاني عشر: أحكام عامة. وقد تم اعتماد هذه المسودة أثناء انعقاد الجلسة العامة للهيئة التأسيسية بمقر الهيئة بمدينة البيضاء وذلك يوم الثلاثاء بتاريخ 12 رجب 1437 هـ الموافق 19 أبريل 2016م. وهذه المسودة هي التي سنعتبرها النهائية حتى الآن والتصدي لها ببعض الملاحظات بشأن ما تضمنته فيما يخص الصحافة والإعلام.
4- مسودة مشروع جامعة طرابلس لدستور ليبيا
جاءت هذه المسودة استجابة للبيان الصادر عن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 22 أبريل 2014 بدعوة منظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات الرسمية للتواصل مع الهيئة للمساهمة في إعداد وإخراج مشروع الدستور في أفضل صورة ممكنة، حيث أصدرت رئاسة جامعة طرابلس قرارها رقم (1771) بتاريخ 22/6/2014 لتشكيل لجنة مشرفة على مساهمة جامعة طرابلس في إرساء أسس الدستور الليبي. وقد عقدت اللجنة واحداً وتسعين اجتماعاً آخرها بتاريخ 2/6/2015 أصدرت خلاله تقريرها النهائي بإقرار مشروع جامعة طرابلس لدستور ليبيا تحت عنوان (وثيقة جامعة طرابلس الدستورية) الطبعة الثانية – يناير 2016. وتضمنت هذه المسودة ديباجة وتسعة أبواب هي: المباديء الأساسية، الحقوق والواجبات، السلطات العامة، المحكمة الدستورية، الحكم المحلي، الهيئات الدستورية المستقلة، النظام المالي والاقتصادي، الجيش والشرطة، الأحكام الختامية والانتقالية.
وفي الوقت الذي أكدت هذه المسودة في مادتها رقم (39) بأن (حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بما لا يتعارض مع النظام العام والآداب) وفي المادة (41) على أن (حرية الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي مكفولة في حدود النظام العام والآداب وتلتزم الدولة بدعم الباحثين والمخترعين ..) وحق الحصول على المعلومات في مادتها (46) التي نصها (الحصول على المعلومة والوصول إليها حق لكل مواطن ولا يجوز تقييد هذا الحق إلا بمقتضى قانون، ولاعتبارات تتعلق بحماية الحياة الخاصة للأفراد أو الوقاية من التعدي على حقوقهم وحرياتهم الأساسية المقررة بمقتضى هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومة وفق القانون)، إلا أن هذه الوثيقة وبكل أسف ومرارة لم تأتي على ذكر مجال النشر والصحافة والإعلام على الإطلاق، ولم تتناوله في نصوص موادها المقترحة بتاتاً، الأمر الذي يبعث صدمة كبيرة لمجتمع الصحفيين والإعلاميين الذين يؤمنون بأن الجامعات بأساتذتها وطالباتها وطلبتها الأجلاء، بالإضافة إلى كونها بيت الخبرة الاكاديمي الوطني الأول، فهي تمثل في نظرهم النخبة العلمية المثقفة ذات الفكر المستنير الذي يعول عليه في قيادة برامج تطوير المجتمع والدفع بالدولة إلى الأمام، والرقي بها لتكون في مصاف الدول المتقدمة لأنها تملك المعرفة والرؤية المستقبلية البعيدة، ولذلك فإن صمت هذه الوثيقة وتجاهلها لأهمية مجال الصحافة والنشر والإعلام يمثل خيبة أمل في مشروع الدستور الذي أنجزته الجامعة.
ولا ندري كيف غاب عن هذه اللجنة القانوينة القديرة بأن الصحافة والإعلام قد شهدت تطورات علمية وفكرية ومهنية وتنفيذية كبيرة انعكست على جميع أدواتها الفنية وتقنياتها ومعداتها الحديثة، وكذلك أسلوبها وممارساتها ودورها في خلق وصناعة قوى “الرأي العام” الضاغطة والمؤثرة على القرارات كافةً، خاصة السياسية والاقتصادية منها، الأمر الذي مكّن الصحافة والإعلام من القفز خلال بضعة سنوات قليلة من موقع “السلطة الرابعة” في عهود الإعلام التقليدي إلى مرتبة “السلطة الأولى” في الوقت الراهن، وبالتالي فإن هذا التجاهل الكلي بذكر الصحافة والاعلام بالاسم في مشروع وثيقة الدستور الجامعي يعتبره الصحفيون والإعلاميون أمراً غير مبرر وغير متوقع من هذه اللجنة المشهود لها بالخبرة والدراية والمتابعة لتطورات المجتمع وأدوات التأثير في قراراته ومسارات نموه وتقدمه، حتى وإن سلمنا بأن مفردة (التعبير) تنضوي تحتها مباديء الصحافة والاعلام العامة، وأدواتها ومعداتها التقنية، ووسائلها المتمثلة في الصحافة المكتوبة والإذاعتين وقنوات التواصل السمعي والبصري والاجتماعي وغيرها من وسائل التعبير، لأن معظم الدساتير الحديثة تتضمن نصوصاً صريحة بشأن الصحافة والإعلام وذلك لمنحها خصوصيةً، وتأكيداً على أهميتها في المجتمع والدولة، وإيماناً بالدور الخطير المنوط بها والعمل على ضمان سلامته وحمايته في النص الدستوري بشكل واضح التدوين.
• خامساً/ الصحافة والإعلام في ليبيا:
تملك ليبيا تاريخاً عريقاً ورصيداً رائداً في مجال الصحافة والإعلام على الصعيد العربي. فجريدة “طرابلس الغرب” صدرت سنة 1866 أي قبل صدور صحيفة الأهرام المصرية بعشرة سنوات تقريباً، واستمرت “طرابلس الغرب” تصدر أكثر من 45 سنة متواصلة. كما أن البث الإذاعي المسموع في ليبيا انطلق بتاريخ 28 يوليو 1957 بينما بدأ التلفزيون الليبي بثه المرئي بتاريخ 24 ديسمبر 1968. وقد أدت وسائل الإعلام الليبي كافة دوراً كبيراً في توسيع دائرة المعرفة ونشر التنوير الفكري وتعزيز التعاليم والقيم الاسلامية والبرامج ذات الخصوصية والهوية الليبية والارتقاء بالذائقة الفنية والثقافية في البلاد، وأسهمت في تأهيل القدرات الليبية في شتى المجالات من خلال ربطها وتواصلها بالعالم الخارجي. ولكن رغم هذه الريادة والعراقة فإن الصحافة ووسائل الاعلام المسموعة والمرئية في ليبيا تعد حالياً متأخرة جداً في مجاراة أو مواكبة محيطها العربي والإقليمي، لأنها ظلت طوال العقود الماضية تعمل بلا قوانين وتشريعات حديثة أو متطورة تواكب المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الليبي في جميع أوجهه، وتمنح هامشاً أوسع لحرية التعبير والإبداع الفني والصحفي والإعلامي وتوفر الضمانات القانونية. فعلى سبيل المثال ظل قانون المطبوعات رقم (76) الصادر سنة 1972 هو التشريع المعمول به في البلاد في مجال النشر والطباعة والصحافة حتى الآن رغم التغيرات الايديولوجية الجذرية والسياسية التي طالت المجال الصحفي والإعلامي في ليبيا. كما أنها في الجانب التطبيقي والتنفيذي ظلت الصحافة ووسائل الإعلام في ليبيا جامدة لا تجاري الأساليب الفكرية العملية المتجددة، ولا تواكب التقنيات والمعدات والأجهزة الحديثة التي غزت قطاع الإعلام بشكل متسارع في جميع تخصصاته الإبداعية وجلعته يقفز إلى مرتبة “السلطة الأولى” بدل موقع “السلطة الرابعة” في العصور السابقة للإعلام التقليدي. وكانت كلما ارتفعت أصوات الصحفيين والعاملين في المجال الاعلامي في ليبيا للمطالبة بضرورة تطوير التشريعات الخاصة بالصحافة والإعلام يتم إسكاتهم بإعداد مشاريع مسودات قوانين حديثة للمناقشة وإبداء الرأي، ولكنها عملياً لا ترى النور أبداً، مثل مشروع قانون الصحافة والإعلام الذي ظل في أدراج ما كان يسمى “أمانة مؤتمر الشعب العام” سنوات عديدة ولم تتجرأ على عرضه وإصداره.
• سادساً/ ملاحظات حول نصوص بعض مواد مسودة الدستور الليبي الثالثة (نسخة أبريل 2016):
لابد من التأكيد على أن هذه الملاحظات هي مجرد قراءة إعلامية لا تتسم بالنقد القانوني المتعمق للنصوص التي تم اختيارها من المسودة الثالثة الصادرة عن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور خلال شهر أبريل 2016. وهذه النصوص الخاصة بالإعلام والصحافة وردت صريحة ومباشرة في تناول العلاقة الدستورية بحرية التعبير والنشر وحرية الصحافة والإعلام والشفافية والحق في الوصول للمعلومات واللغات المشار إليها في المسودة.
1- تشكل اللغة المكتوبة عنصراً أساسياً في المجال الصحفي والإعلامي ولذلك كان الإهتمام هنا بما ورد حولها في مسودة الدستور، وهما نصان فيهما إطناب لغوي وتكرار قانوني بدل التصريح المباشر باللغة الرسمية وغيرها في نص مادة قانونية واحدة مشتركة. وبالتالي فإن إعادة صياغة هاتين المادتين وإدماجهما في مادة واحدة يكون أفضل من بقائهما منفصلتين حيث تضمنت المادة (2) التي عنوانها (الهوية واللغة) (…. تعد اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم ومن بينها العربية والامازيغية والتارقية والتباوية تراثاً ثقافياً ولغوياً ورصيداً مشتركاً لكل الليبيين، وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وضمان المحافظة على أصالتها وتنمية تعليمها للناطقين بها واستخدامها. اللغة العربية لغة الدولة. وينظم القانون في أول دورة برلمانية تفاصيل إدماج اللغات الآخرى في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي ومستوى الدولة.)، والمادة (64) بعنوان (اللغات والثقافات الليبية) ونصها (للأشخاص، أفراداً وجماعات الحق في استخدام لغاتهم وتعلمها والمشاركة في الحياة الثقافية، وتضمن الدولة حماية اللغات الليبية وتوفر الوسائل اللازمة لتنمية تعليمها واستخدامها في وسائل الإعلام العامة. كما تضمن حماية الثقافات المحلية والتراث والمعارف التقليدية والآداب والفنون والنهوض بها ونشر الخدمات الثقافية).
2- المادة (45) بعنوان (حق التعبير والنشر) تقول بالنص (حرية الكلمة وأمانتها صنوان متلازمان، والتعبير والنشر حقان مصونان، وتتخذ التدابير اللازمة لحماية الحياة الخاصة وحظر التحريض على الكراهية والعنف والعنصرية والتكفير وفرض الأفكار بالقوة). ونلاحظ أن هذه المادة التي استهلت صياغتها بأسلوب المثنى المحدد للمفردة المكتوبة قد جاءت غامضة وغير مترابطة في بدايتها ومجهولة (التدابير اللازمة) التي لم يسمها المشرع بل ترك الباب مفتوحاً أمام التأويلات العديدة التي قد تجهض الحرية وتهدر الحق الذي استهل به نص المادة. وفي تصوري كان الأجدر صياغتها على النحو التالي (حرية الكلمة والرأي وحقوق التعبير والنشر مضمونة للجميع والعمل على صونها والمحافظة عليها من خلال القوانين النافذة).
3- المادة (46) وعنوانها (حرية الصحافة والإعلام) وهي تنص بأن (تضمن الدولة حرية الصحافة والإعلام وتعدديتها واستقلالها، وحق المواطن في ملكية وسائلهما. وتنظم بما يتفق مع أسس مجتمع ديمقراطي والخصوصية الليبية. ويحظر إيقافها إلا بأمر قضائي وحلها بحكم قضائي. ولا يجوز الحبس الاحتياطي في قضايا الصحافة). هذه المادة وإن ضمنت الحرية للصحافة والإعلام فإنها للأسف جعلتها تحت وصاية (الخصوصية الليبية) والتي هي جملة واسعة فضفاضة لا حدود لها يمكن أن تجعل الصحافة والإعلام عرضة للعديد من الاتهامات والتجاوزات. وبالتالي كان لابد من تحديد هذه (الخصوصية الليبية) وتسميتها أو بعضاً منها كأمثلة. ورغم التأكيد على عدم قانونية (الحبس الاحتياطي) في قضايا الصحافة كما ورد بالنص إلا أن المشرع لم يتحدث عن أنواع الحبس الأخرى الدائمة وغير الاحتياطية والتي يمكن تفسير هذه المادة بأنها تسمح بها.
4- المادة رقم (54) بعنوان (الشفافية والحق في المعلومات) كانت صادمة ومعرقلة بشكل غير مباشر لحرية الصحافة والإعلام التي ضمنتها المادة (46) حين نصت بأن (تضع الدولة التدابير اللازمة للشفافية، وتضمن حرية تلقي ونقل وتبادل المعلومات والإطلاع عليها وتعدد مصادرها بما لا يمس الأسرار العسكرية وأسرار الأمن العام ولوازم إدارة العدالة وحرمة الحياة الخاصة وما أتفق مع دولة أخرى على اعتباره سرياً، مع حق الحفاظ على سرية المصدر)، حيث أبقت الباب موارباً باستعمال المفردات المطاطية مثل (التدابير اللازمة للشفافية) و(لوازم إدارة العدالة) و(حرمة الحياة الخاصة) و(الأسرار) و(ما أتفق مع دولة أخرى على اعتباره سرياً) حيث لم يرد في النص توضيح محدد لهذه التدابير أو اللوازم أو الحرمات أو غيرها، وبالتالي جعلت إمكانية الوصول للمعلومات والحصول عليها أمراً قد يكون مستحيلاً في بعض الحالات أمام الصحفيين والإعلاميين ولذا فإن النص الدستوري يكون قد كمم أفواههم وكسر أقلامهم وحطم أحلامهم في شفافية الوصول للمعلومة بكل يسر وسهولة وضمان وثقة.
5- جاء الباب السابع (الهيئات الدستورية المستقلة) مخيباً لتطلعات العديد من الصحفيين والإعلاميين حين سمّى المشرع عدداً من المؤسسات الإدارية الوطنية (مفوضية وديوان وهيئتان وثلاثة مجالس) بالإسم، وأسبغ عليها صفة الدستورية، بينما تجاوز “مجلس أعلى للإعلام والصحافة” ولم يضمنه مسودة الدستور، بل أحاله وفق المادة (174) التي جاءت بعنوان (هيئات أخرى) إلى القانونيين لتحديد (.. تكوينها واختصاصاتها ونظام عملها وضمانات استقلالها وحياد أعضائها وفق ما هو منصوص عليه في هذا الباب). وهو بذلك ينزع الاستقلالية عن الصحافة والإعلام ويجعلهما تحت مظلة وقوانين وسلطات الحكومة والمساومات السياسية وبالتالي يفقدهما قوة التأثير والفاعلية المتأتية من درجات الحيادية والمصداقية والنزاهة العالية التي نطمح أن تكون رائدة في مستقبل ليبيا الصحفي والإعلامي.
6- لا شك أن المسودة الثالثة لمشروع الدستور بها الكثير من التطمينات الإيجابية التي من أبرزها أنها تكفل حقوق الصحفيين والإعلاميين الواردة في المواثيق العربية والإقليمية والدولية من خلال المادة رقم (17) التي جاءت بعنوان (المعاهدات والاتفاقيات الدولية) ونصّت بأن (تكون المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها في مرتبة أعلى من القانون وأدنى من الدستور. وعلى الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذها بما لا يخالف أحكام هذا الدستور) وبالتالي فإن ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته وأصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948 متضمناً (30) ثلاثين مادة وخاصة المادة (19) بشأن الإعلاميين والصحفيين والتي تنص (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية)، وكذلك ما ورد في الفقرة الثانية من المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها)، وأيضاً قرار اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان رقم (49) بشأن سلامة الصحفيين والمشتغلين بالإعلام الذي دعت فيه إلى (إنفاذ مبادئ حرية التعبير في أفريقيا، وتلبية التزاماتها بمنع كافة الجرائم المزعوم ارتكابها بحق صحفيين ومشتغلين بالإعلام، والتحقيق فيها، وكذلك تقديم الجناة للعدالة)، وما ورد في “الميثاق العربي لحقوق الإنسان” الذي أقره مجلس جامعة الدول العربية سنة 2004، وما ورد في القانون الدولي بشأن حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في السلم والحرب، كل هذه المواثيق العربية والإقليمية والدولية وغيرها تعتبر مشمولة بنص المادة رقم (17) من المسودة الثالثة للدستور المشار إليها، وهي تعد إحدى الضمانات الحقوقية للصحفيين والإعلاميين.
• سابعاً/ توصيات ختامية
لازال الإعلام يشكل مصدر قلق للسلطات الحاكمة خلال كل الأزمنة، سواء في ليبيا أو غيرها وذلك ما نكتشفه من خلال تتبع وضعية الإعلام في نصوص مسودات الدساتير والقوانين المنبثقة عنها، حيث نجد صياغة المواد المتعلقة بالإعلام بلغة مطاطية تفتقد الدقة والوضوح وتتضمن الكثير من العبارات والمصطلحات غير القاطعة أو المحددة الحاسمة في التعريف والفهم المباشر، مما يجعلها تنصب فخاخاً عديدة وخطيرة أمام الصحفيين والإعلاميين، وكذلك تحد من تطور الرسالة الإعلامية بصفة عامة وإبداعات العاملين في هذا المجال على وجه الخصوص. وهذا بلا شك يجعل التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام متواصلة، وبالتالي يستمر معها التوق إلى فضاء أرحب من الحرية والشفافية والضمانات الآمنة، مع ضرورة التأكيد على أن الإعلام المسئول هو سبيلنا الوحيد إلى تحقيق الغايات السامية وهو يكمن في الإيمان بالمسئولية الإعلامية والرسالة الوطنية النزيهة التي يجب على الإعلام أن يختارها عنواناً دائماً له، تجعل مصلحة الوطن على رأس أولوياته. وكذلك اعتماد الموضوعية المهنية في الخطاب الإعلامي، والتعاطي مع الأحداث بكل حيادية بعيداً عن أي تحيز لطرف على حساب آخر، وتوخي التوازن العادل في ذلك. ولابد من التأكيد على نبذ خطاب العنف والكراهية والابتعاد في الخطاب الإعلامي عن مناصرة أو تكريس أساليب الفساد والظلم أو التكتم عنها، والإنحياز الكامل للقيم العظيمة والمثل الإنسانية النبيلة التي ينادي بها الدين الإسلامي وبقية الديانات السماوية. وفيما يخص ما ورد في مسودة الدستور، فلابد من توجيه الشكر والامتنان على كل الجهود التي بذلت من أجل إظهار هذه المسودة حتى وإن لم تلبي رغبات الصحفيين والإعلاميين بكل أسف، على أمل أن تلقى المطالبات الضرورية بشأن تعديلها وإعادة صياغاتها بما ينسجم مع متطلبات المصلحة الوطنية فيما يخص الصحافة والإعلام وكل المجالات الأخرى كافة، الاستجابة العاجلة من لجنة العمل بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.
_______________________________
(*) ورقة خاصة بإحتفالية اليوم العالمي لحرية الصحافة التي يقيمها المركز الليبي لحرية الصحافة يوم الثلاثاء الموافق 3 مايو 2016 بفندق المهاري بطرابلس.
شكر وتقدير: الشكر الجزيل على المشاورات القيمة والمناقشات الإيجابية الهادفة التي دارت وأسهمت في إثراء المعرفة الدستورية والإعلامية لكل من:
– المختبر الإعلامي بكلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس،
– نقابة القانونيين الأمريكيين American Bar Association (ABA)،
– مؤسسة إبداع CREATIVE،
– المركز الليبي لحرية الصحافة Libyan Centre for Free Press (LCFP)
– جميع الزملاء الصحفيين والإعلاميين.
نشر بموقع ليبيا المستقبل