من أعمال الفنان التشكيلي علي الزويك
شعر

أبو الفرج الأصفهاني يجلس على كرسي

ZWIK_03

ابدأْهم بالصراخ ينهزموا

 

للحيّ صوتٌ

للميت صوتٌ

يظهر أو يختفي

يعلو أو يتلاشى

كقبّعات العساكر في الأرض الغريبة

سياسة قديمة في الحرب:

اجعل عدوك يراك

كما يرى كتبية خشناء وراء كثيب عال

لا تنسَ أن تجعل حليفك يخافك

 

سياسة أخرى قديمةٌ في السلمـ:

أغرق تابعيك بضجيج كاذبٍ خلاّب

تكن هناك في تلك البقعة البعيدة من السماء

ابدأهم بالصراخ، ينهزموا.

 

 

هل ينهضُ البازيّ بغير جناح

 

جناحٌ ملقى على الأرض

جناحٌ تُدوّم به الريح

جناحٌ في أوّله ريشةٌ

وفي آخره شهقةٌ

في عين كلّ ريشة دواةُ حبر

وفي قلب كلّ دواة خطٌّ لا يُشبه غيره

الريشةُ مكحلة ُالفقراء

الدواةُ حافظةُ أسرار القنديل

الشهقة بلا أزرار

مفتوحة أبداً

 

هل تنهض الدنيا بغير جناح؟!

 

 

أحاديث طسْم وأحلامها

 

أيّ أحلامٍ لطسْمٍ

نارُها مطفأةٌ

خيلُها مذبوحةٌ

لا أصوات تأتي من البيوت

لا أثر أقدامٍ على الرمال!

 

لو كنتُ من طسْمٍ لحلمتُ :

بحدائق غلباً

بنهر لا ينقص أبداً

وخمرةٍ لذة للشاربين

 

لو كنتَ تعرفُ أين مسكن الأحلام

نذهبُ إليه

نذهبُ إليه.

 

 

أحال على الدّم

 

السماءُ بُنيت على عجلٍ

الأرض بُنيت على وسادة من هواء

فقلّب رأيك واختر أيّ الأمرين تشاء

 

العُود له مواقيتٌ:

يُورقُ

ثم يثمر ُ

ثم يشيخُ

ثمّ يصفّرُ

ثمّ تعصف به الريحُ.

 

 

إحدى لياليك فهيسي هيسي

 

هاسَ القومُ على بعضهم

لا يدرون أنّهم كحافرِ بئرٍ

في أرض لا ماء فيها

 

صار قريبهم كغريبهم

يسري ليله بين كثبان كراهية

لا يكاد ينام حذر

النهب والغصب والتعزير

 

صار العسكر ينقلب على العسكر

صيحتهم تجلجل في الفضاء

واحدة كربهم

عمياء كقلوبهم

فارغة كأيديهم

وعفنة ككلماتهم

 

 

ادّرعوا الليل فإنّه أخفى للتأويل

 

هكذا قال لهم البارقيّ الأزدي:

اجعل الليل جملاً

يخفيك عن عيونٍ تتلصّص

ويبعدك عن أهواء تترصّد

غائلة الفرد بين فكّيه

شقاء الفرد بين فخديه

كلّما اشتدّت حلكة الليل

صار الطريق أكثر أمنًا

والفريسة أبعد عن يد المتربّص

ليلبس كلّ واحدٍ ليله درعاً

ويهبط من وادي الأموات

 

هكذا قال لهم البارقيّ الأزدي

ثم انفلت كسَهْمٍ في ليلٍ كظيم

 

 

أسرع من نكاح أمّ جارحة

 

حسناءُ صاحبةُ أمرها

يطلبونها وتطلب نكاحا

 

“انزل وأنخ

إن وجدت في صباحك طعاماً ابق

أو امض لحال سبيلك فلست بمستطيع”

 

قيل نزل من رحمها نيف وعشرون حيّا

وقيل ذو بنّة قطف القطفة الأخيرة

 

بعراتُ ظباء

صفراء طيّبة الرائحة

في كمّ أبي القتيل وفي كمّ الراوية

حين سال دمٌ عبيطٌ من كمّ الثوب

سالت دماءٌ عبيطةٌ على جدران البيت

وارتفع في عنان الكون بكاء البكّائين

 

 

اقلبْ ما شئت ينقلب

 

أجل! هذا هو الحال حتى الساعة:

اقلب المئذنة تصرْ بئراً

اقلب الجبل يصرْ بحراً

اقلب اليد تصر لصّاً

اقلب القدم تصر سجناً

اقلب النار تصر سراباً

اقلب النهر يصر طائراً

اقلب الشجرة تصر حجراّ

اقلب الضحكة تصر حبل مشنقةٍ

اقلب القصيدة تصر حاكماً يَقتُلُ ويُقتَل

اقلب السماء تصر ألواحَ أناشيد

اقلب الأرض تصر أرضاً أخرى

 

 

أنا النذير العريان

 

يا قوم!

أنا النذير العُريان

لم أصعد التلّ بعد

ليس لي عصاة

كي ألوّح لكم بثوبي فتهربوا

 

العساكر من ورائي

هل تسمعون صهيل جيادهم؟!

سآكل قليلاً من خشاش الأرض

ثمّ أصعد

انتظروني

أو مَن نجا منكم!

 

 

إن الشقي بكلّ جبل يخنق

 

أنا أسيرهما ويختصمان

هما لا يعلمان أنّ القدر دائري كحلقة البابِ

هما لا يعلمان أنّ الجوالق تخفي في آخرها رؤوس قتيانهم

هما لا يعلمان أنّ الأمان لغير نفسك مقتلة

هما لا يعلمان أنّ الفَرس قد تمشي على عقبيها في ليلٍ بهيم

هما لا يعلمان أنّ الفتاة كلوءة العين كانت نجاتهم

ما أثقل ما تحمل الدهيم

ما أشقى مَنْ دسّ يده في الجوالق وهو لا يدري

أنّ الشقيّ بكل حبل يخنق.

 

 

برح الخفاءُ

 

من عادة النسّاجين المهرة الصمت

كلماتهم لا تقف على ألسنتهم

ولا تخرج من بلاغة القوم

كلماتهم على رؤوس أصابعهم

تلتفّ على مجازٍ غامضٍ

هكذا يفعل الرسل والأنبياء

الملائكة والجنّ

 

الكون بابٌ ظاهرُه كباطنه

أعلاهُ كأسفله

يتقلّبُ على جنبيه كمُهر مدلّل

لكن ما اقترب أحدٌ منه إلا هرب منه

 

البعد صلة

الخفاء رحم

 

برح الخفاء منذ رعشة الخلق الأولى.

 

 

الليل طويل وأنت مقمر

 

شاي الزنجبيل خبيئة اللاجيء ورقاعة اللّحن

حبّات رملٍ على شاطيء

ذاكرةُ ساحلٍ يضربه بحرٌ

لا تصعد الآهات إلا في ليلٍ دامسٍ موحشٍ

 

من يقدر أن يغيّر كيمياء الأشياء

له أن يخلع أثوابه في البحر

لا يُرى منه غيرُ أنفاسٍ

تكاد من رقّتها تطير

أو تغنّي بشجن الغائبين

 

 

بيني وبينهم حساء الموت

 

عيرٌ تحمل شجراً للقسيّ والسهام

تقتات على نهم قبائل

سيوفها ما توقّفت عن جزّ الأعناق

 

أيّ صفقة سجنتْ روحك يا هوذة؟!

كأس الذهب فارغٌ

قباء كساء من ذهب ولؤلؤ على حائط الحصن

تعبث به الغربان

أيّ صفقة سجنتْ روحك يا هوذة؟!

 

“ألا تعقلون! يدخل رجالنا من ذلك الباب ولا يخرجون”

قال رجلٌ وشقّ القفل ويد الحارس

اكرعْ من حساء الموت يا هوذة

غدٌ لا يأتي ولا ميرة القوم الجائعين!

 

 

ثُلُّ عرشها

 

النجم الحارس لا تغفل عينه

يلتقط عواء القوم يلمّه في جرابه

يقذف به في الفضاء أرجوحة موتى

 

ضوءٌ يسري في كتاب الوقت

أقدامه أغاني الرعاة

ويداه قطيفة العروس

 

ضوءٌ يسري في كتاب الوقتِ

كلّما وصلت منه قبسةٌ

ارتّجت الأرض بلذّتها

هكذا يرتجّ الرجال

بين أفخاد النساء في ليالي الشتاء

 

وضوءٌ لا يصلُ شيءٌ منه

هذا ليلٌ

ثُلَّ عرشُه

كما كونٍ زلّت بأقدامه النعل

 

 

حتى يؤوب المنخّل

 

لا الشاعر ولا قلبه

يقفان أمام حضرة الملك

القصيدة تخون صاحبها مرّة

ويخونها حادي القافلة

كلّ مرّة رماها تحت كثيب رمل

أو قذفها ببعر عير سائبة

 

“مَن تلك الجميلة ترقص وراء ستار؟”

“سأهبه لك يا عِكبّ فافعل به ماشئت”

“كان سُكري آن سقط الثوب عن جسدها”

لن يؤوب المنخّل أبداً

ستؤوب القصيدة على سرج قائد العسس

 

 

خذه ولو بقرطي مارية

 

قرطان بدرّتين كبيض الحمام

هما للكعبة وهما أيضاً لبيت شِعرٍ في بيداء

ما كان أبي ظالماً ولا زوجي آكل مرار

في حياة سابقة كنتُ بقرة وحشية

امرأة ماهرة في حلب البقر

وهرّة لا تنام إلا على دمسقٍ

عشّاقها بعدد نخيل بستان ميمونة

 

 

دعني من بنيّات الطريق

 

لا شيء إلا وعالقٌ بشيء

بداية الطريق سؤال

الطريق لا نهاية له

 

المختلف

المشوّق

الغريب

النضر

المشرق

الفعول

الفاعل:

ما تفرّق من الطريق المستقيم

 

عليك ببنيّات الطريق

إذا لم تضعف قدماك

وإذا لم يهتزّ غربال قلبك خوفاً

وإذا ما زال في العقل بقية من جنون

 

 

رُبّ محلول لا يستطاع فراقه

 

قال الخليع:

ادفنوني تحت كرمة

قال الخيميائي في القرن الواحد والعشرين:

اقلب الخنفساء ترَ بطنها ذهبيا

امزج زئبقا رجراجا بخرائها ثمّ امزجه مع نحاس أو رصاص أو قصدير يصرْ ذهبا

اذهب به إلى السوق واقبض ثمنه.

قال الفقيه:

لوشئتَ بضع رشفات من نبيذ

فما تقربه النار بينك وبينه أقفال وأقفال

واعلم أن الضرورة تبيح المحظورة

وإنّما الأعمال بالنيات

 

قال الفتى:

حسبي أنّه كسراب بقيعةٍ

 

 

سواءٌ علينا قاتلوه وسالبه

 

قيل: صلّى بهم الصبح أربعا ثم التفت إليهم وقال:

هل أزيدكم؟!

قال أحدهم رأيته يشربها

قال آخر: رأيته يتقيّأها

 

ضُرب بسوط ذي فلقتين أربعين

فاسقٌ وشاعر مجيد.

 

 

 

صار الفتيان حمما

 

أخٌ بمائة من الرجال. لأحرقنّهم جميعاً

لم يجد غير نساءٍ وصبيةٍ وعجوز حمراء كأنها أعجمية

“اقذفوها في النار فتصرْ مائة كاملة”

“مَن يفْدني وقد صار الفتيان حمما؟!”

لم تكن تدري أن الجوع هو ما أتمّ المائة

 

بأسٌ شديدٌ

عجاجٌ يعمي الأبصار

على القافلة أن تصل ساحة البلدة

على الحادي أن يرطّب صوته بطلّ الصحراء

على أيكة العاشق أن تفوح

على أمّ الفتاة البكر أن تكمل ثوب العرس

على الأيّام أن تتدحرج إلى أسفل الجبل

فرادى

فرادى

فرادى

إلى آخر العمر

 

 

سفيهٌ مأمور

 

يومٌ ينشد فيه شعره

يومٌ يتأمل فيه جمال وجهه

ويومٌ يحكم فيه بين الناس

 

خيّره أن يختار بين نسائه العشر

فاختار أربعا

 

قال له ما تقول في عبدٍ لطمك؟

قال: سفيه مأمور

كلّما خرج من شَركٍ لطمه

حتى أعيا الملكَ

ثمّ قال له لو حَمدَ أو ذمّ لأقتلنّه

فقرع له العصا فنجّاه

ألا أيها الملك، مَلكتَ فاسجح!

 

 

طار غرابها

 

ما بقي غرابٌ على رأس

إلا أخذه إلى أرضٍ ليست بأرضه

وسقاه خمرا ليس متذوقها قبل

ورفع بين يديه لواء لا جيش وراءه

 

“هل لك عندنا شيء؟!”

“ما أقول وقد طار غرابها!!”

 

 

عنز وتيس، وتيس وعنز

 

أقيم عليه حدّ الخمر فارتدّ

عُرّف بابن عمّه فرجع

وأعطي مُلك حوران حتى مماته

قال ذاك رجلٌ ذكرني بخير أمام قيصر

ذاك رجلٌ يأكل لحم رأس

فانتظر يا بلال حتى ينتهي من سحوره

 

______________________

ملحوظة: ما بين الأقواس أمثال مبثوثة في كتاب الأغاني للأصفهاني.

مقالات ذات علاقة

تأتي أنت

مروة آدم حسن

أبرياء

فرج أبوشينة

غربة

فريال الدالي

اترك تعليق