تثاءب الجبل والملل يقتله:
– صرتُ عتيقاً أبعث على السأم.. كثرت مغاوري ونبتت لي كهوف كثيرة حتى أصبحتُ مخبأً للصوص.. وهذه الشجيرات التي لا شأن لها.. تطاولت وزرعت جذورها في جوفي.. أنا.. الصخر الصلد.. أصبحتُ مهترئ سهل الاختراق كقطعة جبن.. فلا نامت أعين الجبناء.
أقبل الليل كعادته..
أسدل ملاءته السوداء على الجبل لكن هذا الأخير كان ضحية لأرقٍ بالغ السطوة:
– اجعلني أسوداً على الدوام .. هكذا تموت الشجيرات ولا يراني البشر.
وافق الليل..
ترك ملاءته مسدلة على بدن الجبل وغادر المكان.. لكن دليلاً سياحياً مثابراً اكتشف الأمر فصار الجبل مزاراً للسياح من كل بلد يتجولون عبر دروبه ويعودن بصخرةٍ سوداء على سبيل الذكرى.
تاجر حاذق اقترح فكرة جديدة..
صاروا يبيعون صخوره السوداء النادرة وبمختلف الأحجام..
اصبح الجبل المنيع سابقاً شواهداً أنيقة على قبور أثرياء ماتوا من التخمة.. وتحفاً تأخذ بالألباب على مكاتب رجال الأعمال.. وهدايا سريعة المفعول لكبار المسئولين.. ودرباً مؤدياً إلى قلوب العاهرات ثم إلى أفخاذ هن كما جرت العادة.
وهكذا تآكل الجبل.. تقول الأسطورة.. تناقص.. كان الندم يأكل من جسده صخرة أو صخرتين كل وجبة.. وكانت القوافل تتاجر بلحمه الحي كل مطلع شمس.. حتى انه استنجد بالريح في نهاية المطاف:
– سأبعثك رسولاً.. قولي لذلك الليل أن يعود.. أن يسترد عباءته السوداء.. لا تتأخري.. أنا بالانتظار
وتأخرت الريح.. تسكعت طويلاً.. غازلت ضفائر البنات ولعبت مع صبيان المدارس وتلاعبت بالسفن في عرض البحر قبل أن تخبر الليل بكل شئ.وتأخر الليل.. أنجز بعض الأعمال الضرورية.. وانتظر حتى انتهى العشاق من مواعيدهم .. والخونة من حبك مؤامراتهم.. ومعدومو الضمير من الاستغراق في أحلامهم الوردية.. ثم أسرع إلى حيث ذلك الجبل.. مد يده الغارقة في السواد ونزع عن الجسد الحجري عباءته المظلمة.. لكنه لم يجد سوى كومة متواضعة من الأحجار التي فارقت الحياة لتوها.. مات الجبل.. وبخشوع اعتاد عليه أسدل الليل ملاءته من جديد على الجثة المأسوف عليها وعاد أدراجه متثائباً يقتله الملل.