طيوب المراجعات

كتاب “هوامش على دفتر الأيام”… اضافة جديدة الى المكتبة الليبية

ليبيا المستقبل (رئيس التحرير):

يصدر عن “دار الفرات للنشر والتوزيع” في بيروت خلال الأسابيع القادمة كتاب الاستاذ ابراهيم محمد الهنقاري “هوامش على دفتر الأيام” يروي تجربة الكاتب مع الناس والحياة بدءا من طفولة معذبة في مسقط راْسه في مدينة “غات” في أقصى الجنوب الليبي الى أيامه في مدينة “الزاوية” خلال سنوات الجوع والفقر والحرمان التي شهدتها ليبيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

الاستاذ ابراهيم محمد الهنقاري
الاستاذ ابراهيم محمد الهنقاري

وفي هذه المدينة بدأت تظهر -كما يقول الكتاب- ليس فقط بوادر اهتمامات الكاتب بالأدب العربي بل ظهرت ايضا جرأته في اقتحام هذا الجانب الثقافي والفكري مبكرا ومن أوسع ابوابه، الى ايام طرابلس التي انتقل اليها للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية في مدرسة طرابلس الثانوية وهي الأيام التي شهدت بوادر التمرد عند الكاتب، الى ايام الجامعة في بنغازي التي كانت المرحلة التي شهدت بدايات التكوين السياسي للمؤلف كما شهدت أحداثا خطيرة غلى مستوى وطنه ليبيا كما على مستوى الوطن العربي كله كان لها اثرها العميق في وجدان المؤلف وفي سلوكه ايضا… صنعت منه ثائرا متمردا على الواقع السياسي في وطنه ليبيا وفي باقي بلاد العرب ايضا.

كانت تلك هي الفترة التي عرفت في كتب التاريخ العربي الحديث بفترة “ألمد الثوري” التي اعقبت قيام ثورة 23 يوليو في مصر عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، والتي قدر لجيل الكاتب ان يتاثر بها وان تصبغ حياته بألوان تلك الفترة التي كانت تبدو واعدة بالنسبة لذلك الجيل قبل ان تصدمهم الهزيمة والنكسة بعد ذلك، الى ايام الإذاعة حيث كان اول تحدي يواجهه المؤلف في حياته العملية بعد التخرج من الجامعة الليبية وقد حدث ذلك في اول يوم جلس فيه على مكتب حكومي بعد تعيينه في وظيفة “محرر ومترجم” بقسم الاخبار.

فقد استلم المؤلف وظيفته الاولى في حكومة لم يكن يثق بها حيث كان كغيره من شباب ذلك الجيل واقعا تحت تأثير ما كانت تقوله إذاعات “القاهرة” و”صوت العرب” عن الحكومة الليبية وغيرها من الحكومات “الرجعية” العربية. ولكنه بدا من هناك ايضا يكتشف ان ذلك لم يكن يمثل الحقيقة. وقد أتاح له عمله في قسم الإخبار في الإذاعة  إمكانية التواصل المباشر ولاول مرة  مع الادارة العليا في البلاد ليكتشف ايضا ان المسؤولين في بلاده لم يكونوا على تلك الدرجة من السوء كما كان يزعم الاعلام المصري الذي كان مهيمنا على الساحة العربية كلها في ذلك الوقت.

ثم يروي المؤلف لاول مرة القصة الكاملة لاول محاكمة سياسية تجرى في ليبيا في عهد الاستقلال فيما عرف بتنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في ليبيا. وكان المؤلف المتهم الرابع في تلك القضية. حيث قدمت النيابة العامة لولاية طرابلس 158 متهما الى محكمة الجنايات بتهمة محاولة قلب نظام الحكم المعاقب عليها بالإعدام طبقا للمادتين 206 و207 من قانون العقوبات الليبي. وهنا يكشف المؤلف الملابسات الحقيقية وراء تعمد حكومة ولاية طرابلس في ذلك الوقت لتضخيم هذه القضية واستغلالها لاهداف سياسية خاصة كما يعرض المؤلف لمواقف مثيرة حدثت خلال تلك المحاكمة ويروي القصة الكاملة لذلك التنظيم والتي يتم الكشف عنها لاول مرة من شاهد من اهلها.

ثم يروي الكاتب كيف تمت إعادته للعمل في دار الإذاعة بعد انتهاء عقوبة السجن لمدة عام التي صدرت ضده في قضية سياسية تتعلق بأمن الدولة ما يعني ان نظام الحكم الملكي في ليبيا لم يكن يحمل روح الانتقام والتشفي من خصومه وما يعني ايضا ان الدولة الليبية في ذلك الوقت كانت اقرب الى دولة الدستور والقانون. فقد عاد المؤلف الى عمله بحكم القانون رغم اتهامه في قضية خطيرة تتعلق بأمن الدولة. لان التهمة التي صدر عليه حكم السجن بموجبها لم تكن قضية مخلة بالشرف. بل ان محكمة الجنايات حكمت باعتبار الواقعة جنحة وليست جناية وكانت الجنحة هي إقامة تنظيم بدون رخصة.!!

ولكن المؤلف لم يلبث ان اصطدم في عمله الجديد مديرا للبرامج في دار الإذاعة بقوى تريد الهيمنة على برامج الإذاعة ولكنه لم يمكنها من ذلك. وكان لابد لهذا الصدام ان ينتهي بالتخلص من المؤلف وإحالته الى الادارة العامة للخدمة المدنية اووضعه على “الرف” كما كان يقال في ذلك الوقت. وكانت تلك نقطة تحول في الحياة المهنية والعملية للمؤلف. حيث قدر له ان ينتقل من “الفن” الى “العفن” كما كتب احد اصدقائه. فلم تمض بضعة اشهر على تركه العمل في دار الإذاعة حتى عرض عليه صديقه وأستاذه الاستاذ “فؤاد الكعبازي – وزير شؤون البترول” الانتقال الى تلك الوزارة “مديرا للشؤون الإدارية والمالية” حيث بدا المؤلف العمل في قطاع جديد وغريب عنه ولم  يكن يعرف احدا فيه غير الوزير “الكعبازي” كما لم يكن يعرف شيئا لا عن النفط ولا عن قانونه ولا عن شركاته. بل لم يكن يعرف حتى ما كان يعرفه صديقه المذكور عن النفط بانه من مكونات الفضلات العضوية للكائنات الحية التي مضت عليها الاف السنين.

وهنا يروي المؤلف قصة النفط الليبي ويكشف الكثير من اسرارها مما لم يسبق نشره حيث كانت السنوات الست التي قضاها في خدمة هذا القطاع هي الاهم في تاريخ الصناعة النفطية الليبية وقد شغل المؤلف  خلالها مناصب هامة منها السكرتير العام للمجلس الأعلى للبترول ومحافظ ليبيا لدى منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) ثم رئيساً لمجلس المحافظين بالمنظمة لعام 1969 والسكرتير العام للجنة المفاوضات التي شكلها مجلس الوزراء لحكومة المرحوم السيد حسين مازق عام 1965 للتفاوض مع اصحاب عقود الامتياز بشان اجراء اهم تعديل لقانون البترول الليبي، والممثل الوطني لليبيا في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) واخيرا منصب الوكيل المساعد لشؤون البترول في حكومة السيد المرحوم عبدالقادر البدرية ومنصب وكيل وزارة شؤون البترول في حكومة المرحوم السيد عبدالحميد البكوش وهو المنصب الذي كان يشغله غداة الانقلاب العسكري في الاول من سبتمبر عام 1969. وقد افرد المؤلف جزءا كبيرا من الكتاب للحديث عن هذه الفترة من حياته العملية في الخدمة العامة.

وقد أتيح للمؤلف ان يتعامل عن قرب مع سبعة من رؤساء الحكومات الليبية العشرة خلال العهد الملكي ومع معظم الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة سواء خلال المرحلة الاولى من العمل العام في قطاع الاعلام او في المرحلة الثانية في قطاع النفط. ويقدم المؤلف تقييما دقيقا لتجربته في الادارة الليبية وللأحداث التي كان شاهدا عليها اومشاركا في صنعها مما يعد اضافة قيمة لما سبق نشره من مذكرات بعض كبار المسؤولين في العهد الملكي في ليبيا ومما سيعين دون شك على إلقاء المزيد من الضوء على فترة هامة من فترات التاريخ الليبي الحديث.

كما يتضمن الكتاب الذي اطلعت “ليبيا المستقبل” على بعض فصوله تقييم الكاتب للاسباب التي ادت الى انقلاب الاول من سبتمبر 1969 الذي يسميه “بالزلزال” ويسجل كثيرا من المواقف التي حدثت معه ومع رجالات العهد الملكي في السجن المركزي الذي أودع فيه عقب عودته السريعة من مهمة في الخارج قرر ان يقطعها بعد الانقلاب ويعود الى ارض الوطن حيث تم اعتقاله في نقطة راس جدير الحدودية ظهر يوم 8 سبتمبر. كما يسجل المؤلف تفاصيل التحقيقات التي اجريت معه في ما كان يسمى مكتب الادعاء العام ومحكمة الشعب. كما يتضمن الكتاب فصلا عن تقييم المؤلف للانقلابات العسكرية العربية وتسجيلا أمينا لمعاناة الليبيين والليبيات في ديار الهجرة.

يعتبر الكتاب وثيقة ليبية ذات قيمة نامل ان يجد فيها القراء ما يعينهم على فهم الظروف التي عاش فيها جيل الاستقلال والجيل الذي ينتمي اليه المؤلف والذي وضعته الاقدار ليستلم الأمانة من بناة الاستقلال من الآباء والاجداد المؤسسين. كان هذا الجيل يحمل الأحلام الكبيرة لليبيا مزدهرة ومتقدمة وحرة يحكمها الدستور والقانون وتحقق لابناء الشعب الليبي من الأجيال الجديدة كل احلامهم في الغد الأفضل والحياة الحرة الكريمة بعد ان انعم الله علينا بثروة هائلة من النفط والغاز الى جانب ما يتمتع به الموقع الجغرافي المميز لليبيا بين قارات العالم وما تزخر به مدنها من الاثار التاريخية والكنوز السياحية التي قل ان يوجد مثيل لها في العالم. الا ان تلك الأحلام تحطمت كلها على وقع خطوات العسكر صبيحة الاول من سبتمبر عام 1969 وهي تدوس على الدستور وتحرق علم الاستقلال وتعلن ميلاد دولة جديدة اسماها قائد انقلاب سبتمبر نفسه بانها “دولة الحقراء”.

هذا هو كتاب “هوامش على دفتر الأيام” للصديق الكاتب ابراهيم محمد الهنقاري الذي سجن في العهد الملكي باعتباره ثائرا وسجن في عهد “الثورة” باعتباره “رجعيا” فكان سجين العهدين ولكنه يظل دائماً ذلك المواطن الليبي الحر المناضل أبدا من اجل ليبيا افضل لكل الليبيين والليبيات.

* ستتولى دار الفرات في بيروت طباعة وتوزيع الكتاب في الوطن العربي وفي جميع أنحاء العالم.

مقالات ذات علاقة

صدور كتاب “الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها”

المشرف العام

في ذكرى النكسة.. قراءة في كتاب الرحلة الأصعب

عمر عبدالدائم

قاهرة اليوم الضائع.. عندما يكون الأدب معارضاً

رأفت بالخير

2 تعليقات

تاريخ جيل… تاريخ وطن | بلد الطيوب 27 يوليو, 2015 at 06:08

[…] […]

رد
“هوامش على دفتر الايام” وكلمة على سبيل التقديم | بلد الطيوب 30 يوليو, 2015 at 04:01

[…] ابراهيم محمد الهنقاري، الذي يتابع قراء صحيفة ليبيا المستقبل الرقمية، […]

رد

اترك تعليق