النقد

قصيدة السيرة.. قصيدة حواء القمودي

 

جسدي الذي يربكني

لا أعرف كيف أروض

حجب من غبار صاخب

يعتلي هودج الروح !! (ظبية خميس)

هذا المقطع ليس لغرض المقارنة.. بل هو بكل بساطة بداية صغيرة للكلام حول قصائد الشاعرة “حواء القمودي” هذا المقطع بالذات يكلل حالة البحث المحمومة لدى الأنثى الشاعرة.. تحاول الشاعرة هنا أن تنشئ حيزاً رحباً يترجم علائقها بالأشياء ويبرز الجسد في مفهوم الأنثى قبل الشاعرة كلفظة عصية جداً.. الجسد هنا يشكل جزءً بارزاً من مقومات القصيدة.. نلاحظ كيف تلمس الشاعرة آفاق القصيدة بحذر.. تحاول أن تنشئ كياناً صغيراً.. القصيدة عند “حواء القمودي” مسكونة بهواجس الجسد.. فهي تشكل بهذا الجسد المقموع خرقاً بارزاً في القصيدة الليبية.. فهي لا تتلعثم كثيراً في كتابة القصيدة.. بل تشكل أكثر الجزئيات حساسية في كيان الأنثى.

يأتي قلب ليلة الربيع

أستدرجه إلى غرفة باردة

ترفل في عريها المثقل

بضجيج أنثى تصهل ثاقبة أذن النهار الصماء

أغويه بنهد يتلمس في الظلمة يداً لا تصل..

نتساءل أين يقع “الآخر” في القصيدة.. ودون أن نرهق أنفسنا في البحث.. تبرز القصيدة مسكونة بانفعال واضح يتعامل مع الآخر المذكر بدرجات متفاوتة.. لذلك يبرز الآخر كطرف فاعل في قصيدتها.. فهي تعبر عن الأنثى بروحٍ مثقلة بهذا الآخر المذكر.. هي هنا تصوغ علاقاتها بالأشياء في إطار هذه العلاقة لنقرأ:

هات كتفك

رأسي مثقل.. الضجيج يكتظ

الخوف موحش

دثرني

مخفية قلبي يوردني تهلكة

يستبد

دثرني

متلاشية.. مغمورة بسوادك

هنا.. وفي هذه القصيدة بالذات.. والتي هي بعنوان “الليل” نرى كيف تتعامل الشاعرة بانهماك كبير مع الليل?!.. في هنا تستدرج الطرف الآخر من خلال هذه اللفظة.. لترسم قصيدة مثقلة بهواجس الأنثى..

الشاعرة في هذا الإطار تتلمس مرحلة الطفولة بتميز.. ترسم من خلالها.. قصائد أكثر ثقة مستغرقة في مناوشة الذات بحدة بالغة.. لذلك في تؤطر هذه القصائد بالكلام عن ” البنت أو الطفلة ” التي تعني في كل الأحوال الشاعرة.. وتحاول أن تقدم ملخصاً عن هذه الطفلة فيما يشبه السيرة الذاتية.. التي يجمعها عدد كبير من القصائد.. والذي تحاول الشعرة من خلاله.. تفعيل مساحة الذكرى بمختلف الحالات:

طفلة كانت

تنسج من ” السانية ” قفطاناً للنوم

تختلس من جرة الفخار السمن

وتغلبها خابية الزيت

أتذكر طفلة

سرقت كتب ابن عمتها

خبأتها في معطفها الأزرق..

القصيدة هنا تستوعب حالة البوح المكثف لدى الشاعرة.. فهي تمر على التفاصيل بكل سهولة لتقتنص حالتها الشاعرية في هدوء.. القصيدة هنا سيرة للشاعرة.. وكأن الذات مشروع قصيدة طويلة غير منجزة.. تصوغها الشاعرة كل مرة بحالة مغايرة.. ففي قصيدة “هي وعاداتها” مثلاً تحاول أن تصوغ حالة الذكرى في إطار مختلف.. تغلب عليه المحاورة بين “هي” كطرف و “عاداتها” كطرف آخر.. ومن خلال هذه العلاقة ترتب الشاعرة أفكارها:

هي

ضاحكة من كل الذي كان

اتكأت جذع النخلة وبكت

خبأت ” سوق الجمعة ” في القلب

توسد البحر ركبتها ونام

الشاعرة هنا تقع بين حالتين شعريتين إن جاز لنا التعبير.. فهي إما أن تعود إلى الذاكرة.. فتنظم من الحوادث قصيدة في قراءة شعرية للماضي.. وتستسلم الشاعرة في هذه القصائد إلى نوع من البوح الطفولي العذب.. أو أنها تستسلم لترجمة الوقائع اليومية من خلال منظور ذاتي.. ساكبة تفاصيلها الخاصة جداً -بل والحميميَّة- في علاقة شائكة مع هذه الوقائع.. وبين هاتين الحالتين.. يظل قلق الشاعرة القاسم المشترك بين أكثر القصائد.. وعموماً فقصائد الشاعرة تعتبر الأبرز في قصائد الشاعرات الليبية تلخيصاً لحالة الأنثى.

ومن هنا تلتهم كماً هائلاً من قصائد “حواء القمودي” هذه الذات التي تظهر مع تكرار القراءة محاطة بمحاذير التكرار والتشابه في مواضيع القصائد.. لكن الشاعرة في العموم تظل تطارد قصيدة طويلة غير منجزة.. تختصر فيها الكثير من التفاصيل.

_________

صحيفة الجماهيرية_ الملف الثقافي- العدد: 4141- التاريخ: 31/10-1/11/2003- ملحق أسبوعي

 

مقالات ذات علاقة

رواية نهارات لندنية.. بداية متأخرة وسيرة ذاتية غير معلنة

رأفت بالخير

عن رواية عرس للأستاذ خديجة رفيدة

عبدالحكيم المالكي

توازن الشكل والمضمون في قصة توجس

المشرف العام

اترك تعليق