فتحي محمد علي (كاتب وناقد – مصر)
يعد النص الأدبي”توجس” للكاتب الليبي الأستاذ “فتحي نصيب” نصا رمزيا سياسيا عولج بذكاء خارق وبطريقة كاريكاتورية لاذعة تضارع الكوميديا الداكنة؛ فالكاتب _عن طريق بطليه_ قال كل شيء؛ دون أن يؤخذ عليه شيء.
إنه التوجس ذاكم العنوان الهلامي الذي حمل في طياته_عن طريق دعمه بطبيعة البطلين_توجس الكل من الكل؛فقد أصبح التوجس بقوة الدفع على أثر القمع الذي غرسته الأنظمة الحاكمة في وقت ما .
إنه النقد اللاذع الذي جعل من كل جملة،ومن كل حركة وسكنة_لدي البطلين_تعريضا بذلك النظام الحاكم مما جعل مرؤوسيه يسبحون بحمد النظام؛فهم على دين ملوكهم .
ثم هو تلويح بقمع_لمجرد شكل أشبه بزبانية النظام متمثلا في البطل الأصلع_ يثير توجسا متوهما لدى البطل الآخر؛بل لدى هذا الأصلع أيضا .
إنه التوجس الذي جعل من المرؤوسين أنماطا ذات فراغ فكري لايقنعون إلا بالعرض دون الجوهر؛فجل اهتماماتهم_حتى في الصحف اليومية_ينحصر في الأمور السطحية التي لاعمق فيها ولامجال لشبهة .
ثم هو تلويح بما يكون من ذلك النمط من الأنظمة التي تنزل جام غضبها على مرؤوسيها بالداخل؛بينما لاطاقة لهم بالقضايا والمشكلات الخارجية الخطيرة التي تمس شعوبهم؛فهم لايملكون إلا تلكم العبارات التي تحمل معنى”نشجب_ندين.”
لقد جمع الكاتب بين روعة المضمون وطلاوة الشكل؛فألفاظه جزلة فصيحة وموحية بالمعنى متأثرا بالقرأن الكريم أحيانا”الجدار_قصيا .”
ولغته_نحوا وصرفا_سليمة إلى حد بعيد؛أما عن إنزال الفعل”منح”المتعدي لمفعولين منزلة المتعدي لفعل واحد مع إتباعه بحرف جر؛فهذا جائز في اللغة العربية إن كان لعلة بلاغية؛ويطلق عليه”التضمين”أي يضمن شيء معنى شيء أخر؛ولعل الكاتب أراد أن يجمع بين المنح والركون؛وكأنه هو والجدار صارا بينهما علاقة تلازمية.
تجدر الإشارة هنا أنني أرى أن التركيب”كنت سائرا في أمان الله سارحا في ملكوته”عبارات مستهلكة ينأى بها عن العمل الأدبي.
ثمة ملحظ إخر_إن أردنا تصنيف العمل كقصة قصيرة_أنه يوجد قليل جدا من الاستطرادات لاتتسع طبيعة القصة القصيرة لها ” مثل ففي علم الإحصاء إن الصدفة تتحول إلى قانون إن تكررت” فتلك إضافة أراها مقحمة على النص،ويمكن أن تترك لذكاء المتلقي .
وبعد فنحن أمام نص أدبي مبهر يعكس موهبة ومهارة فائقتين لأديب يمتلك ناصية العمل الأدبي،تنصاع له الوسائل الفنية انصياعا فتوازن لديه جمال الشكل وجمال المحتوى.