عبد السلام الزغيبي
كلنا مازال يستعيد بين الفينة والاخرى، ذكريات أيام العصر الذهبي للاذاعة الليبية، والبرامج المنوعة، والاغاني والموسيقى المختارة بعناية التي كانت تقدم لنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وهي اغاني وموسيقى ما زلنا نعود إليها حتى يومنا هذا للخروج من حالة الجفاف الثقافي والفني، الذي يعم حياتنا ويزداد يوماً بعد يوم… اغاني وموسيقى من باقات متنوعة من اغاني ليبية وعربية واجنبية، كانت تدغدغ مشاعرنا وابداعاتنا وشكلت شخصيتنا العاطفية والانسانية والحضارية.
بدأ البث الإذاعي بمدينة بنغازي في عهد الإدارة العسكرية البريطانية (نهاية عام 1948)وتحديدا من معسكر الجيش البريطاني في منطقة البركة والذي كان يسمى معسكر الريمي، وكان موقعه في المكان الذي توجد به حاليا الجامعة المفتوحة.
وكانت النواة الاولى للإذاعيين تتكون من، محمود مخلوف الذي كان أول من التحق كمذيع لنشرة الأخبار، ثم محمد بن صويد الذي كان هوالآخر يقرأ نشرة الأخبار، والتحقت بعد ذلك مجموعة أخرى من الإذاعيين وهم: إبراهيم اطوير – حميدة بن عامر – عبدالله عبدالمولى اطوير – مفتاح السيد الشريف – عيسى بالخير – عبداللطيف عيد الكالح – خديجة الجهمي – فرج الشريف – سعد اسماعيل – خالد محمود العبيدي – محمد المطماطي – بلقاسم بن دادو- رجب الشيخي – المبروك الورفلي – فاطمة العلاقي – أمينة الوداني.
في تلك الفترة تم تقديم برامج مثل، (ركن المرأة) التي قدمته المذيعة حميدة بن عامر، و(اضواء على المجتمع وركن الطفل وصور من الماضي) من اعداد وتقديم خديجة الجهمي، وبرنامج (ركن القصة) من تقديم أحمد البيرة، وقدم رجب الشيخي برنامج (ما يطلبه المستمعون)، وكان ابراهيم اطوير وبلقاسم بن دادووخديجة الجهمي يسجلون الأخبار من المحطات الأخرى وينقلونها إلى الإذاعة المحلية لبثها. وكان هناك برنامج (روضة الأدب)، من تقديم محمد الزائدي. وبرنامج (ركن الطلبة) وكان هناك برنامج الرياضة يقدمه المرحوم مفتاح الدراجي .. وبرنامج الطلبة الذي يقدمه الأستاذ المربي المرحوم فرج الشويهدي.
وكان أول مقرئ للقرآن من خلال الإذاعة المحلية الشيخ محمود دهيميش. وأثناء فترة الراحة بين الفقرات كان الفنان علي الشعالية يعزف مقطوعات على القانون، وفي بعض الأحيان يؤدي الفنان علي الشعالية وصلات غنائية على الهواء مباشرة برفقة الفنان سليمان بن زبلح الذي كان عازفا للناي، وضابط الإيقاع الفنان رجب بوزنوكة، وكان مهندس الصوت في الإذاعة المحلية محمد علي التاجوري يقوم بأعمال التسجيل.
وخلال تلك السنوات كان اقتناء جهاز الراديومقصورا على عدد محدد من عائلات المدينة، بسبب الظروف الإقتصادية التي مرت بها البلاد نتيجة الحرب والإحتلال.. وكان جهاز الراديويزين بعض البيوت، ويوضع في مكان عال بعيدا عن أيدى الأطفال، وكنا نستمع لراديوكان موضوعا في شباك (روشن) احدى الحجرات المفتوحة على وسط الحوش. وكنا من المحظوظين بامتلاك جهاز راديومن الاجهزة التي كان والدي يستوردها من دولة المجر (هنغاريا)، ويبيعها للزبائن.
واتخذت المقاهي الشعبية أيام زمان، جهاز الراديو، كوسيلة جذب للزبائن، باعتباره أول وسيلة ترفية وتواصل مع العالم. وكان من ليس بمقدوره شراء جهاز، ما عليه سوى أن يتردد إلى القهوة الشعبية، يشرب الشاي والقهوة ويستمع إلى البرامج والأغاني ومتابعة الأخبار. بل كان الكثير من الزبائن يجلسون في المقهى لساعات طويلة ليسمعوا آخر الأخبار، باعتبار الراديوسبيلهم الوحيد لمعرفة ماذا يدور في العالم حولهم، ثم سرعان ما انتشر الجهاز وتوفر في البيوت بماركات شهيرة مثل فيليبيس، ووكيلها بوزعيك في شارع عمر المختار، وغيرها من الماركات الانجليزية والالمانية والامريكية، حيث كانت أحجامه في البداية كبيرة جداً، وكان وزنه ثقيلاً، وقد تطورت أشكال الراديوإلى أن وصل في مطلع السبعينيات إلى حجم صغير، ثم اصبحت عملية الاستماع الى الراديوتتم بلمسة بسيطة الى ازرار راديوالسيارة.
في عام 1957 افتتحت الإذاعة الليبية في بنغازي، وتشكلت الفرقة الموسيقية في مدينة بمقر الإذاعة في منطقة رأس عبيدة، وذلك بإمكانيات محدودة جدا معتمدة على المواهب الفنية لجيل عصامي كان يمتلك الإرادة والرغبة في المضي بالأغنية الليبية إلى الامام. آفاق أرحب…
وقد التحقت بالإذاعة كوكبة من الفنانين ضمت مطربين وملحنين وعازفين، وكانوا النواة الأولى والأساس الذي قامت على دعائمه الفرقة الموسيقية في الإذاعة بمدينة بنغازي، ونذكر من أوائل أولئك الفنانين كل من: علي الشعالية – مطرب وملحن، السيد بومدين – مطرب وملحن،- علي اقدورة – عازف وملحن، سليمان بن زبلح – عازف وملحن، رجب بوزنوكة – ضابط إيقاع،سالم الواداوي – عازف، فرج خميس – ضارب طار، حسن عريبي – مطرب وملحن، صبري الشريف – عازف وملحن، طاهر عمر – مطرب وملحن، محمد مختار – مطرب، مصطفى المستيري – عازف، سالم زايد – مطرب، ابراهيم سواني – مطرب، خيرية المبروك – مطربة، وكانت أول مغنية ليبية تذاع أغانيها، سالم الرشداوي – مجموعة صوتية، محمد جمعة الترهوني – مجموعة صوتية.
لكن لم تشتهر اذاعة بنغازي الا بعد انتقالها لشارع ادريان بلنت (لاحقا عبد المنعم رياض) في اواخر عام 1960، حتى سمي الشارع واشتهر عند العامة بـ (شارع الاذاعة).. وانضم اليها كوكبة من رواد العمل الاذاعي مثل، حليمة الخضري، مذيعة ومقدمة برامج، علي أحمد سالم،،عبدالفتاح الوسيع، مصطفى المطماطي، طاهر رحومة،… وغيرهم.
في الصباح كنا نبدأ يومنا، نستمع عبر الراديوالليبي الى اغاني الصباح الليبية والعربية، لتكون رفيقتنا في يوم مشرق جميل، حتى لوكنا متكاسلين في النهوض مبكرا خاصة ايام المدرسة، لكن الاصوات الهادئة الناعمة والموسيقى الراقية والاغاني المعبرة، كانت تحرضنا على النشاط، والتمتع ببداية يوم جديد.
من تلك الاغاني الجميلة، كان جيلنا يتذكر أغاني الصباح مثل، أغنية “نهارك زين يا أمصبح” للمطرب نوشي خليل، واغنية صبّح عليك الورد، للمطرب نوري كمال، طلعت شمس نهارنا” و”يوم أبيض نوّر” للفنان محمد رشيد، أغنية “يا صباح الخير يللي معانا” لكوكب الشرق أم كلثوم،وأغنية “عم بتضوي الشمس” للسيدة فيروز. وطلعت يا محلا نورها، سيد درويش.
والاغاني العاطفية المليئة بالحب والمودة، والهجران، والفراق واللوعة، مثل أغاني، عبد الحليم حافظ، وفريد الاطرش، ومحمد عبد الوهاب، ونجاة الصغيرة، سعاد محمد وشهر زاد، ونزهة وهيام يونس، سميرة توفيق، وصباح، شادية، شريفة فاضل، وفهد بلان، وغيرهم.
والاغاني الشعبية الليبية مثل اغنيات، ليش دمعتك، محمد مختار، اشقيت في غيابه، عمر المخزومي، طيرين في عش الوفاء .. باتن سهارى كنهن، محمد صدقي، نور عيون، علي الشعالية، عيونك كبار وسود، سيد بومدين، انت عفيفة، سلام قدري، لا تبعدوا عني ولا تفارقوني، محمد حسن، لوكان ريح العون، سيد بومدين، خوذ النصيحة، خيرية المبروك، يا عيني هبلة تاريك، علي الشعالية،، خوذ الريشة، نوري كمال، هم الجفاء والغربة، هناء الصافي، والجوبة بعيدة، محمد مرشان، يللي عزيز عليا، محمد الكعبازي، في غلطتك سامحتك، نازك، مشيتي وين، محمد رشيد. من القلب والا العين، راسم فخري، ما تحكيلي، عطية محسن، في عيونك حكــــاية، أحمد كامل، يا قمر علالــي، خــالد سعيـــد، عيوني سهارة، ابراهيم حفظي. الى جانب، أغاني بكلمات والحان ليبية، وباصوات عربية… مثل: ياغالي نبيّك، هيام يونس، بيناتكم يا ساكنين الحارة، عليا التونسية، غزال القارة..عليا التونسية، أنتي زمن النور وزمن الحب.. يا أمي، التونسية زهير سالم، بعد طول الغيبة، ليلي مطر، يالعنب..ويالعنب، الله يبارك ع الدالية، الثلاثي المرح، نعديك يا سيات ريدي الغالي، سلاف، لوكان كلمة آه تنفع بيه، سهام شماس. وأغاني الافراح….وما يطلبه المستمعون،مثل برنامج ليلة الحنة يا عروستنا يا فرحتنا ” الذي كانت تقدمه، المذيعتين، سالمة الحمري، وأمنة أبريك.
وبرنامج شهير كانت تقدمه إذاعة بنغازي كل خميس في الستينيات اسمه (فرح الاسبوع). وهواليوم، الذي يستعد فيه عشرات من الصبيان والبنات في عشرات البيوت الليبية لإكمال نصف دينهم في ليلة من ليالي العمر، خطوبة أوكتب كتاب أودخلة، وحيث تلعلع الزغاريد، وتشتعل القلوب بالفرحة والنشوة والأمل.
ومن أشهر الاغاني والتي لازلت اذكرها، ويطلبها المستمعون، أغنية (جيتي وجيتينا)، للمطرب الراحل الشهيد، (عمر المخزومي)، الى جانب أغاني أخرى للمناسبات مثل، أغنية، مبروك عليك يا معجباني، شريفة فاضل، ودقوا المزاهر، فريد الاطرش، زغروته حلوة رنت في بيتنا، للمطربة احلام، وأغنية، تسلم إيدين اللي اشتري الدبلتين والأسورة..عبد المطلب، واغنية، قولوا لمأذون البلد يجي يتمم فرحتي..محمد رشدي. واغاني المساء والسهرة، مثل اغنية، يا ساهرين الليل، للمطرب محمد مختار، علاش سهرانيين، عبداللطيف حويل، يا محلى الليل، احمد سامي. وأغاني المناسبات الدينية، في قدوم شهر رمضان، مثلا، كنا نستمع الى، أغنية رمضان جانا وافرحنا بيه، محمد عبد المطلب، وفي ختامه نستمع الى أغنية “والله لسه بدري يا شهر الصيام”، شريفة فاضل، وأغنية مرحب شهر الصوم، محمد فوزي، وأغنية وحوي يا وحوي.
وكان للعيد اغاني خاصة زمان على الراديو، مثل أغنية (يا ليلة العيد انستينا) التي تأتي تأكيدا لرؤية الهلال. وعند قدوم العيد نستمع عادة الى أغنية “مبروك عيدك”، محمد مختار. وفي كل صباح وصلاة الجمعة كنا نستمع، الى بث سور من القران الكريم الى جانب الموشحات والابتهالات الدينية، والادعية، والانشودة الدينية الشهيرة، (لاجل النبي) لمحمدالكحلاوي.
واغاني المناسبات، ففي مناسبة عيد الام، كنا نستمع الى إحدى أشهر أغنيات عيد الأم التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب من شعر حسين السيد، وصوت فايزة احمد «ست الحبايب يا حبيبة»، واغنية هاشم الهوني، ” يا أمي”، وأغنية أنتي زمن النور وزمن الحب .. يا أمي، للمطربة التونسية زهيرة سالم. واغاني الاطفال، مثل اغاني، ماما زمانه جيه للمبدع محمد فوزي، ذهب الليل،وهات الشنطة لمحمد السوكني، كنا اصغار، شارعنا القديم.. شارعنا زمان، ياقطوسه طبعك غدار.
ومن أغاني البيت الليبي، كان الراديويبث، أغنية”يا بيت العيلة،” محمود الشريف، واغنية “لا تغيبك ع العين يا بوالعيـلة”، سلام قدري، وأغنية “طوال مروح طوالي”، خالد سعيد. وكان للورد والزهور نصيب من برامج الاذاعة، فكانت اغاني: الربيع، فريد الاطرش، شوف الزهور، ام كلثوم، يا بدع الورد اسمهان، فلة ووردة بينهم ياسمينة، محمد الكعبازي، ورد الجناين والزهر والحنه، عادل عبد المجيد، وأغنية زي الورد على الاغصان اوصافه حبيبي، راسم فخري.
وكان هناك قسم للتمثيل في الاذاعة تراسه فترة السبعينيات من القرن الماضي المرحوم محمد السوكني، قدم تمثيليات ومسلسلات تتطرق الى مشاكل المجتمع الليبي، قام بتمثيلها نخبة من المع ممثلي المسرح في بنغازي.
انه زمن الفن الجميل الذي ساهم في الرقي بمشاعر واحاسيس جيل كامل من الليبيين ونشر المعرفة والثقافة بين ربوع المجتمع الليبي.
_______________________________________
مرجع/
* موقع الإذاعة المسموعة في بنغازي على الفيس بوك
* فـصـول من كتاب ع الكورنيش، تأليـف د. محمد محمد المـفــتي