الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
استضاف المركز الثقافي القبة الفلكية بطرابلس مساء يوم الثلاثاء 4 يونيو الجاري ندوة ثقافية خاصة ضمن الموسم الثقافي 2024م للجمعية الليبية للآداب والفنون بالتعاون مع دار الفرجاني حيث تناول المشاركين في الندوة بالعرض والنقد أربعة كتب حديثة صادرة عن منشورات دار الفرجاني للنشر والتوزيع تتباين أجناسها الأدبية ما بين الرواية والقصص القصيرة والمذكرات بحضور لفيف من الكتّاب والأدباء والمثقفين والمهتمين، ولفت السيد “نوري البوسيفي” الذي تولى تقديم وإدارة الندوة إلى أن الجمعية الليبية دأبت من خلال أنشطتها الثقافية المتنوعة بالاحتفاء بالأعمال الإبداعية وتسليط الضوء على أحدث المؤلفات في المكتبة الليبية، وذلك بعقد الندوات والأمسيات تُناقش فيها الكتب من قبل نخبة من الأدباء والمتخصصين في مجالات المعرفة والإبداع.
رواية العقيد تُشخِّص جزءا من تاريخ ليبيا الحديث
فيما أشار الكاتب “مفتاح قناو” إلى أن الكاتبة “كوثر الجهمي” تتطرق في روايتها المعنونة (العقيد) إلى جزء هام من تاريخ ليبيا الحديث عبر عملية تتبع حياة أحد الأسرى الليبيين في حرب تشاد، واستعرض قناو الخطوط الرئيسة التي تربط ثيمة العمل مضيفا بأن “علي مرابط” الذي منحته رتبة عقيد، و(أدم المرابط) ابن “علي المرابط” المولود بالولايات المتحدة الأمريكية سخّر جهده للوقوف على تفاصيل حياة والده، وكل ما يعرفه آدم أن والده الليبي قد تزوج في أمريكا من والدته الليبية أيضا وأنه الابن الوحيد لهما وأن والد وجده لأمه وأشخاص ليبيون كثيرون يقيمون في الولايات المتحدة يعارضون نظام الحكم في ليبيا لكنّ أباه قرر بشكل مفاجئ تركه هو وأمه والعودة إلى ليبيا ليلقى مصرعه قبل تحقيق هذه الغاية، وتابع قناو : هنا تبدأ رحلة المعاناة لبطل الرواية آدم المرابط المهووس بالأدب والثقافة والذي يرغب في أن يُخصص كتابه الأول لسرد قصة حياة والده بيد أنه حين يقرر البدء يقع تحت تأثير عدد من المتناقضات فمن جهته هو تجتاحه رغبة جامحة في معرفة ماضي والده لاسيما بعد علمه أن له أخت في ليبيا من زوجة أبيه السابقة، لكنّ والدته كانت ترفض فكرة سفره إلى ليبيا وتعتبر ذلك نبشا للماضي لا ترغب في أن يعرفه ابنها، وأن كتابة قصة حياة أبيه ستكون مؤذية كثيرا لمشاعرها وأن ابنها يسعى لكسب الشهرة الأدبية، كما نوّه قناو إلى أن رواية (العقيد) تُلقي بظلالها على الواقع الليبي المعاش منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا وظهور جيل جديد من الليبيين المولودين في المجهر اللذين لا يعرفون الكثير عن ليبيا، ومحاولة الكثير منهم العودة للبحث عن جذوره، وأضاف قناو أن رواية (العقيد) تُذكرنا برواية الكاتب “هشام مطر” وكتابته عن هجرة أبيه وإقامته في ليبيا عبر رواية (في بلد الرجال) أو في روايته الثانية(اختفاء).
مزايا العتبات الداخلية لرواية أفاطم مهلا
من جانبه أوضح الكاتب “رمضان سليم” أن رواية (أفاطم مهلا) للكاتب “مروان المقهور” تمتاز بخاصية تعدد الأصوات، ويرى الكاتب رمضان سليم أن كاتب الرواية قد راهن على هو اختياره، واختياره يتميز بعدة مزايا منها الشخصيات المتعددة فكل شخصية تسرد ما لديها بطريقة أو بأخرى وتملك مساحة حرة من السرد والتنقل بين الضمائر مثل ضمير الغائب وضمير الأنا، وأردف رمضان أن شخصيات الرواية تستطيع أن تُعبر عن أفكارها بحرية مستفيدة من عدم وجود سارد واحد يتحكم في خيوط السرد، وبالتالي نجد بأن كل شخصية تسرد ما عندها وكل شخصية تجرّ وراءها الأحداث وتستدعيها، وأضاف رمضان بالقول : إن هذه المزية مهمة جدا في هذه الرواية أو هذه النوعية من الكتابات التي تُوجِد هامشا من الديمقراطية أثناء عملية السرد، مشيرا إلى أن هذا النوع من الأعمال الروائية يملك مزايا وملامح أخرى مثل تعدد جنسيات الشخوص، وتعدد في الثقافات لتتداخل اللغة الفصحى مع الليبية الدراجة مع اللغة الإيطالية وكلمات إنجليزية ومفردات إيطالية مكتوبة بالأبجدية العربية ولهجات عربية، وبيّن رمضان سليم أن الرواية تحتفي بالمأكولات والحلويات والمشروبات من عدة مطابخ عالمية، ويرى رمضان سليم أن الرواية تحفل بثقافة من نوع آخر تتمثل في الموسيقى والغناء فالرواية تعج بالأغاني حسب تعبيره داخل النص وخارجه فهناك ذكر لبعض أسماء الأغاني والمطربين ما يعني أن ثمة ثقافة موسيقية غنائية داخل الرواية، وأوضح رمضان أن الرواية تضم نصا موازيا للنص الداخلي ضمن ما سماها بالعتبات الداخلية ويقصد بها العناوين الخاصة بكل فصل، ويتابع رمضان أن الاختيار منح الرواية نوع من التعددية والمشهدية الكبيرة.
اللغة الشعرية في مذكرات أهل الله
بدوره شارك الشاعر والكاتب “خالد درويش” بقراءة انطباعية عن مذكرات (أهل الله) للكاتبة الأمريكية “أغنس نيوتون كيث” ترجمة “فرج الترهوني”، وأشار إلى أن ما يُميز كاتبة هذه المذكرات هي ملاحظاتها الدقيقة وتفاعلها مع البيئة الليبية، وقد ساعدها كونها امرأة تختلط بالمجتمع الليبي من داخله من خلال نصفه المعطل حسب وصفها، وأضاف درويش بالقول : إن آغنس قد تعقّبت تلك الحوادث والأحداث وما تحصلت عليه من رفقة ليبية وثقة كاملة فكتبت عن سلوك وثقافة هذا الشعب البدوي الطيب وارتباطه بالدين والموروث العقائدي لديه ومن هذا المنطلق جاءت (أبناء الله) فالمسلمون يضعون ثقتهم بالله ويُلقون بكل شيء عليه فهم أبناء الله مدينتهم مدينة الله عطلتهم عطلة الله ونفط الله وقسّمت الكاتبة التقسيم ووزعته على نحو خمسة أجزاء، وبيّن درويش قائلا : اختياري للحديث عن هذه المذكرات هو أني أعددت ورقة نقدية توقفت فيها عند تفصيلة معينة في الكتاب وهي علاقة آغنس بمحمد ابن الـ17 عاما العامل لديها ومن خلاله عرّجت على منطقة سوق الجمعة، وأوضح درويش أن الكاتبة في تقسيمها لأجزاء وفصول الكتاب لا تكاد تُميّز ما بين رائحة السخرية وبين رائحة الاعجاب فالكاتبة ولجت بيوت الليبيين واختلطت بالليبيات واستمعت إلى أسرارهم وهواجسهم وشكاواهم برغم انغلاق المجتمع أوان ذاك الزمن، كما لفت درويش إلى أن قارئ هذا النص سينبهر باللغة الشعرية الرائعة التي تنضم بها الكاتبة الأمريكية جُملها فلاغرو فهي كاتبة متمرسة خصوصا حين نعلم أن هذا كتاب (أهل الله) ليس كتابها الأول، وليبيا ليست تجربتها الأولى مع المكان، وأردف درويش قائلا : إن القارئ سيُعجب بهذا السرد الممتع والرشيق وإلى انتباه الكاتبة لكل التفاصيل داخل الشخصية الليبية التي عاشت بينها محاطة بالدفء والكرم، ووفق تقدير الشاعر درويش يرى بأن مذكرات (أهل الله) من المتعة بمكان نظرا لطبيعة الكاتبة وقلمها الرشيق فضلا عن الترجمة المتقنة لفرج الترهوني.
قصص (المكحلة) تستثير عقل القارئ
بينما يقدم الكاتب “رضا بن موسى” طرحا انطباعيا حول المجموعة القصصية (المكحلة) للكاتب “أحمد يوسف عقيلة” مشيرا إلى أنه في جوهر كياننا الإنساني وجدله في علاقاته المتشابكة في عالم يتسع لمشاركة كل مفردات وعناصر ومخلوقات الوجود عايشت مناخاتها وفضاءات التي شملت القرية قريتنا لتضم كل عالمنا صاعدا فوق قممه الصخرية هابطا مع وعورة منحدراتها سالكا طرقها المستوية ودروبها المتعرجة لمتربة والموحلة حين يغمرها الثلج أو المطر، وتسيل أوديتها لتجرف كل نيرات الجمر أيام الحرب والبؤس والشقاء، وتابع بن موسى قائلا : إننا نتعايش مع عالم القصص منفعلين مع أحداثها ومتفاعلين مع قضايا شخوص أبطالها إذ تنبض كل عناصرها انفعالا بالحياة مشاعرا واحساسيا وأفكارا ثاقبة، الإنسان والحيوان والحشرات والنبات وجميع عناصر الطبيعة فكل ما في الكون له حضور وفاعلية وأثر قد يسبب غيابه أو أذيته الحزن والألم وقد يبهجنا حين يتألق ويشرق، ويضيف بن موسى بالقول : حتى تلك الحلازين الملونة التي لم يسجلها آمر الكتيبة في دفتره المجعّد ضمن الضحايا والتي داستها أحذية الجنود الخشنة الموحلة وهم يغنون النشيد الوطني ويتحدثون عن المجد، ويوضح بن موسى بالقول : هكذا نتكامل معا في دائرة واحدة مرتبطين ببعضنا نطرح الأسئلة التي تنشد حوارا نأمل أن يتوافر الأمان أولى شروطه كما يطالب الفأر القطة في قصة (فأر المكتبة)، وتابع بن موسى: نطرح الأسئلة التي تقودنا إلى معرفة تحقق الوعي بعد التجربة ولكن ذلك قد يحتاج شروطا لا تتحقق لحشرة الجراد التي تتساءل لماذا اقتضت مشيئتك إيجاد مخلوق بشع مقزز مثلي حياته متوقفة على الالتصاق بالآخرين يعيش على دمائهم، وأضاف بن موسى : هذا الوعي يحتاج إلى زمن وإذا أسعفنا الوقت نحن الناجين فإنه لا يسعف الضحايا، ويرى بن موسى أن قصص أحمد يوسف عقيلة تستحضر كل كائنات ومفردات الوجود لا تقع في فخ الوعظ والارشاد الذي قد يستجهل القارئ بقدر ما تومئ له بفكرة ثاقبة لتستثير عقله وتوقظ وجدانه، كما يؤكد بن موسى أن قصص عقيلة تجمع في حزمتها التأمل والحكمة والفطنة والرشاقة والجمال فالكل يشارك عبر نماذج وخصوصيات متعددة ومتميزة لاسيما عندما يعجز البشر عن الافصاح وهم كثيرا ما يعانون قسوة الواقع وقيوده.