تغريدة الشعر العربي
نفحات من الرسالة / ونجيناه من الغم!!
الشاعر الدكتور الطبيب العراقي نوري سراج الوائلي – 1966 م. المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية – نيويورك.
حُبّي لبغــــداد يعْلو الأفقَ أكـــــوانا = ويحْمــــلُ الشوقَ للأهلين عنوانا
روحي تفوح حنيناً والدمـــــوعُ دمٌ = والقلبُ يتلـــــو إلى بغـــداد قرْآنا
شوقي إليهـــــــا كطــــوفانٍ يُقلّبنـي = حتّى غدوْتُ بذاك الشّوقِ غرْقانا
أعمى العيونَ بُكائي حين أذكرُهـــا = والقلب ألبســـــــه الهجْرانُ أكْفانا
*
قد رأيتُ الوجه كالقمرِ
في دياجي الليلِ والسمرِ
بحجابٍ حول طلعتهِ
كغطاءِ الجفنِ للنظرِ
بلسانٍ نطقُه نغمٌ
مثلُ عزفِ الناي والوترِ
فتعالى في الدجى وهجًا
خلته إشراقةَ السحرِ
وجمالُ العينِ من حوَرٍ
كعيونِ الظبْي في بُشَرِ
إذ رمتني بالرضى قتلت
مثل نار الصدّ لم تذرِ.
( من قصيدة: قد رأيتُ الوجه )
*
الحنين بين ثلاثية الغربة والطب والشعر !!
في هذا اللقاء مع أجواء رمضان المعظم نطوف مع اخ وصديق حميم وشاعر عربي عراقي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية نيويورك إنه الشاعر الدكتور الطبيب نوري سراج الوائلي ابن الرافدين.
رائد من رواد الشعر الحديث ومن الشعراء الأطباء المشهود لهم بالكفاءة العلمية والشعرية معا. ولَمِ لا فهو الذي تفجرت بواعث العلم والأدب في أحضان مدينة السلام – بغداد – على ضفاف دجلة الذي منحه معانقة ربة الشعر في إجلال..
ليترجم لنا بمشاعره الصادقة والمؤثرة في دلالات استثنائية تستوعب تجربته في معاهد الغربة يحصد منها معاني ورؤية تبرهن ومضات جمالية وإيمانية تجدد ثقة الشعر كلغة إنسانية معنوية ذات قيمة تلقي بظلال الكلمة في الحياة.
ويتميز شعره بدفقات نورانية ونزعة دينية وصبغة صوفية تشرق من أعماق وتجليات الروح الذكية في تصالح مع الأخر وسط تهويمات فلسفية تنم عن موهبة وثقافة جمعت بين الشرق والغرب والأصالة والحداثة مع الالتزام بعمود الشعر وموسيقاه الخليلية وخصائص القصيدة الفنية في موضوع وحدتها والبناء اللغوي والبلاغي في إطار التعبير والتصوير الذي ينبع من بٌعد تراثي محملا بإرث إسلامي عربي يسبح في منافي الذات والغربة في تلاقي هكذا..
أليس هو القائل عن ماهية الشعر:
بالشـــعر يســـمو خافقي للأمجــدِ = والـــروح تنعمُ بالهنا والســــؤددِ
ويصوغ فكري بالحروف قصائدا = رســـمت جمالا للـــورى لم يُعهدِ
ما الشــــعر إلا للنفـــوس مراكب = في بحــــــر دنيانا الذي لـــم يركدِ.
نشأته:
ولد الشاعر الدكتور الطبيب نوري سراج الوائلي عام ١٩٦٦ م في مدينة بغداد من أسرة عرفت بالأدب والالتزام الديني.
أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد والتحق بكلية الطب جامعة بغداد وتخرج منها. غادر العراق ليعيش الغربة في بلدان مختلفة كالأمارات وبريطانيا وأمريكا
حصل على شهادة الطب من جامعة بغداد وحصل على دبلوم اختصاص أمراض النساء والولادة من منظمة الصحة العالمية وشهادة الدكتوراه من بريطانيا في أمراض الكلى والمسالك البولية وشهادة البورد الأمريكي في الأمراض الباطنية وشهادة البورد الأمريكي في أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم والبورد الأمريكي في معالجة الجروح والحروق اصبح مديرا لعدة مراكز طبية وبحثية في البلاد العربية وفي امريكا
تميز الدكتور الوائلي بأبحاثه الطبية والبيولوجية التي شملت معظم التخصصات الطبية والتي جاوزت 200 بحث واكتشاف طبي وبيولوجي
نشرت أبحاثة ارقى الدوريات والمجلات الطبية والعلمية وخاصة في امريكا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وأوروبا.
برز في مجال الأدب والشعر منذ صغره حيث بدأ بكتابة القصص القصيرة في الدراسة الثانوية وكتب عشرات المقالات الأدبية والعلمية والصحية والتثقيفية في مجلات وجرائد من مختلف البلدان العربية وحضر لقاءات إذاعية وتلفزيونية كثيرة.
كتب القصائد العمودية وآلاف الابيات الشعرية التي نشر قسم منها على صفحات الانترنيت والمجلات الأدبية الورقية. نشرت قصائده في مجلة العربي الكويتية ومجلة الفيصل الأدبية في الرياض ومجلة الرافد الأدبية في الإمارات العربية المتحدة وصحيفة والمجلات العراقية والعربية والأجنبية.
يعمل الدكتور الوائلي حاليا في جمع القصائد الشعرية في ديوانه الذي يشمل على (ثلاث أجزاء ) ليكون جاهزا للطبع والنشر قريبا بأذن الله.
فهو أخ وصديق عزيز ، وكما أخبرني قائلا:
وفقك الله لكل خير استاذي الفاضل
ما كان لله ينمو
أنا الآن أعمل على مراجعة الجزء الاول من ديواني نفحات من الرسالة وان شاء الله يطبع الشهر القادم
الجزء الاول يشمل بحدود 7.. صفحة من الشعر العمودي والذي اسمه (ونجيناه من الغم ) ومعظمه عن التوحيد واليقين ومديح النبي محمد واله والصحابة وشعر الحكمة والوداد وشعر الشكوى وشعر الحنين وغيرها.
ان شاء الله سأرسل لك نسخة منه عندما يكون جاهزا ، وهو وقف لله تعالى.
وهناك الجزء الثاني والثالث عسى الله ان يمنحني الموفقية لإكماله.
الوائلي بين الحنين في ثلاثية الغربة والشعر والطب:
الغربة تلعب دورا كبيرا في إعادة تخليق الشاعر. حتى لو استمر الشاعر بنهجه الأول قبل الترحال والهجرة فأنه ينقاد إلى ذكريات الطفولة وإلى الحياة التي عاشها في بلده الأول.
يلعب الحنين دورا بارزا في انتاج لون جديد من الشعر هو شعر الحنين كما هو شعر الشكوى وشعر الوداد.
معظم الشعراء في المهجر هم خليط من الغربة والوطن الأم. يولدُ شعرُ الحنين شعرَ الشكوى والذي ينتجُ عن آلام الهجر والغربة. لقد أثرت الغربة خلال ثلاثين سنة التي عاشها نفسه وفكره وميوله فكتب عن الغربة والحنين لمسقط رأسه بغداد الكثير والكثير وعن موطنه العراق..
ورغم مرارة الغربة لكنها زادتني تمسكا بعقيدتي الدينية والتي تسير في طريق الاعتدال والتسامح والمحبة وخاصة بعد غربتي في الخليج وأوروبا وأمريكا واحتكاكي بالمناهج والشرائع المختلفة. فركزت في الشعر على الجوانب الدينية والفكرية والإصلاحية حتى سُمّيت بشاعر الرسالة وشاعر المقدسات.
الغربة زادت في إيماني الديني والحنين إلى موطني الأصلي وإلى بلدان الخليج وخاصة الإمارات حيث عشت فيها سبعة سنوات وبلد الحرمين حيث عملت أستاذا زائرا لجامعة الملك سعود في الرياض والكويت واليمن.
وكتب الكثير من القصائد العصماء في مديح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول في مطلعها:
أبا الزهراء للحسن سناء وللأرواح من عيب رداء
فأكرم منه لم يخلق كريم وأعظم منه ما ضمت سماء
خُلقت مكملا من نور ربي كما يعطي الإله وما يشاء
خُلقت منزها من كل رجس وأبعد عنك حتى لا تساء.
مختارات من شعره:
وقد صدر هذه القصيدة تحت عنوان ( بمن الوذ ) بهذه الكلمات في ثنائية الطب والشعر فيقول في هذا الإهداء…
إلى كل سليم ينتظره المرض إلى كل عليل يعاني من الألم رغم الدواء إلى كل المرضى الذين عجزت وعجز الطب عن مساعدتهم هذا الأمل..:
بمن الوذُ وقد هاجت بي العللُ
وناخَ في القلبِ من أوجاعِها الوجلُ
القلبُ جرْحٌ بملء القيحِ ملتئم
والروحُ جرحٌ بعمقِ الحزنِ مندملُ
داءٌ يجرّ إلى داءٍ إلى وصبٍ
حتّى تمكن من أعصابي الشللُ
أعيتْ سقامي أطبّائي بما خبروا
حتّى تواروا ودمعُ الحزنِ ينهملُ
يدنو إليّ الردى في سيفهِ صدئ
دهراً يحزّ ولكن ليته يصلُ
بالصبر أطفئ داءً بأسه وجع
لكنّ ألفاً من الأسقام تشتعلُ
بمنْ ألوذُ فلا بتْر يُعالجني
ولا دواءٌ ولا عشْبٌ ولا أجلُ
نفسي مزيجٌ كموجِ البحرِ مضطرب
يأسٌ يطولُ ويعلو تارة أملُ
مثل النجوم أرى الآمالَ في فلكٍ
تجري بعيداً ويُخفي نوْرهَا الافلُ
قد ملّ منّي خليلي حين اطلبه
وأعجز الأهلَ من آهاتي الكللُ
ليلي مقيمٌ وفجري حين يحضرُني
ينحى أنيني ويبكي ثمّ يرتحلُ
بمنْ ألوذُ وطالَ الداءُ ملتهبًا
واستحكم الموتُ وانسدّت بي السّبلُ
رمقْتُ والدمع بحر والأنين فم
عمقَ السماء لعلّ اللهَ مُنتشلُ
للهِ لذتُ بحالٍ ما له أملٌ
والقلبُ للهِ يشكو ثمّ يبتهلُ
حاشاك ربّي أنادي كيف تتركني
والداءُ بين بقايا النفس ينتقلُ
بالأمس بّت وجسْمي كلّ عافيةٍ
واليوم اصحو وتضْني جسْميَ العللُ
وما سقام الفتى إلا كمدرسةٍ
فيها النجاحُ بريشِ الصبر يكتملُ
لا يعرف الصبرَ إلا من له ورعٌ
يبغي الحياةَ ولكنْ للسما عجِلُ.
*
يقول الدكتور الوائلي في قصيدته الرائعة تحت عنوان ( روح العشق ) التي يسبح في أصدائها مترنما بالسمو نحو الحب الذي يتخلص من أدران المادة في صفاء ينم عن سلامة الفطرة في فواصل جمالية تبعث الاطمئنان إلى النفس والمتذوق معا:
ليس كلّ الحياةِ عشقٌ وطيبُ
في خفاياها نفسُ عبدٍ تلوبُ
في النعيمِ العبادُ تلهوا وتنسى
خيرها عند كلّ كرْبٍ يصيبُ
قد ترى القصْر قلعةً ورياضًا
خلف جدرانه ثريٌّ كئيبُ
ما السعيدُ القنوعُ في كلّ حالٍ
غيُر عبدٍ إلى العبادِ غريبُ
فالحياة التي نريد رضاها
غدرها رغم حذرنا لا يغيبُ
إن عجلت الخطى لنيل عطاها
أنت فيها برغم ثراك الغصيبُ
خيرُ دربٍ إلى الحبورِ جهادٌ
يُبعدُ النفسَ عن فسادٍ يُعيبُ
ما الحياةُ التي نراها جمالا
غيرُ سُمّ بكأسِ شهْدٍ يذوبُ
إنّ روح العشقِ الجميلِ لقاءٌ
وودادٌ ولهفةُ ومجيبُ
حين تمّ اللقاءُ ودًّا مرارًا
سترى العشقَ قبل كبْرٍ يشيبُ
يومُ أمسٍ قد مرّ مثل سحابٍ
فيه غيْثٌ أو دون غيثٍ يصيبُ
وغدًا يأتي والحياة مسارٌ
أنت فيها أو في الترابِ السليبُ.
ويقول الوائلي في قصيدة أخرى تحت عنوان ( هواة الخمر ) يجسد فيها معاني وقيم الطيبات المتاحة دون خبل وعطب فيرسم صورة تتلألأ فيها خلاصة هذا الخير الذي له شواهد من قناعات تسكن الروح والجسد لا تتلذذ إلا بالمباح ويقدم لنا تصوير دقيق يجسد لنا تلك الأدوات والمسميات برسم الكلمات:
قد أخرجَ أللهُ أعسالًا فيشفينا
والماءَ أنزلَ مبذولًا فيروينا
إنْ كنت تشربُ فاشربْ خيرَ ما شربوا
أهل الصلاحِ وأهل العقلِ واعينا
دعِ الملاهيَ للفجّارِ تقصدُها
وطفْ بنا في بيوتِ الله تُحيينا
ودعْ شواذَ الورى للخمرِ توردها
واجْلب لنا عسلَ الرحمنِ يسقينا
والساهرين على التلفازِ فارقهم
وقمْ بنا لصلاةِ الليلِ راجينا
دعِ الغناءَ وصوتَ العودِ يطربُهم
واقرأْ لنا من كتابِ الله ياسينا
ما قال ربّك للعبّادِ ويلهُمُ
أو للمصلّين دومًا والمناجينا
بل قال ربّك ويلاتٌ لمن كذبوا
وللكفورِ وويلٌ للمضلّينا
أيفْرحون بخمرٍ عاشَ شاربُه
فوقَ الجهالةِ مسقومًا ومجنونا
من يشرب الخمرَ لا يصحو بعافيةٍ
ولا ينال به دنيا ولا دينا
الخمرُ رجسٌ وأثمٌ خابَ صاحبُه
وذاقَ بعد مرارِ العيشِ غسلينا
ربّي دعوتك إيمانًا يُحصّننا
منْ كلّ رجسٍ به تهوى نواصينا.
وبعد هذا العرض الموجز عن تجربة الشاعر الطبيب العراقي نوري الوائلي الذي عشق اللغة والشعر وتحلى بقيم الدين والأخلاق في ربقة إيمانية في الغرب حيث يقيم ليثبت الإنسانية الفطرة السليمة من واقع المعايشة في حب وسلام ويقدم مدائحه الشعرية في رسول الرحمة المهداة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهو صوت شعري علمي عربي في الغرب حيث انتهى به المقام في مدينة نيويورك الأمريكية ويظل يحمل معه ذكرياته عن العراق البطل كما وثقها شعرا يغازل الشرق والغرب دائما.
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي إن شاء الله.