كلاكيت لثاني مرة
ليالي المدينة لم يكن وليد يوم وليلة. لكنه عرق راكمته الاجيال وعتقته العقود.
طالما منجزنا تراث وهوية فيجب ان نرتبط بالجذور التي منها تعلمنا ان نقدم الافضل.
أنا جدا سعيد بعودة الروح للمدينة القديمة وذلك من خلال برنامج ليالي المدينة والذي هو مهرجان طرابلس في شهر الله الفضيل، والذي يعود الينا هذا العام في دورته الثانية 2024.
واشكر كل جهد بذل لأجل ذلك، لكن ذاكرتي وانا من عايش فترة الثمانينات أخدتني لذات المكان لكن تلك المرة كان النشاط يستهل فعالياته من باب الحرية، مرورا بمدرسة احمد قنابة، وخلف سوق الحوت، حتى ينتهي لباب الجديد وميدان بورقيبة.
كان النشاط رمضانيا ايضا وعبارة عن سهرات مفتوحة متعددة المناشط وربما استمر لما يقارب الاربع سنوات على ما اذكر، (وللأسف حتى السيد غوغل لم يسعفني بالمعلومات عن تلك الذاكرة الجميلة بمدينتنا طرابلس ) وكان ذلك النشاط تحت اشراف مشروع المدينة القديمة. بقيادة القديرة (فوزية شلابي) حينها.
لربما اختلفت فقط التقنيات فما نشهده الان من تقنية وفرت لمشاهد ليالي المدينة، لم تكن متوفرة بتلك الفترة.. لكن النشاطات كانت جدا متشابهة في الشكل والمضمون والهدف.
فحتى في تلك الفترة تحولت المدينة القديمة للوكيشن كبير ولعرض مسرحي مفتوح ساهمت به جموع من الممثلين بالأزياء القديمة باعة الشاي وقلب اللوز، السنفاز، وبائع الطروني، شرطة الجندرمة والتي تحمي المكان وافرادها بالزي العصملي يسيرون أزواجا أزوجا، مسرح للعرايس ومسرح لأطفال، عرض سينمائي بالشارع ونشاط مكثف لزوايا المدينة القديمة عروض موسيقية، اعراس تقليدية نوبات مالوف وموالد وفرق فنون شعبية بل وزمزامات ايضا.
واعتقد ان كثير من هذه التسجيلات لايزال موجود على الاقل بأرشيف الاذاعة.. ذاك النشاط والذي تميز وشهد له الجميع بالنجاح حينها، لا ندري الى الان سبب توقفه المفاجئ في تلك الفترة. ولا اريد ان اخوض في ذلك لعلمي ان الامر جد سياسي واحبطنا نحن رواد المدينة بتلك الايام ووضع المسمار حينها في عجلة كل المسئولين عن ذلك النشاط والذين اعطوا اعمارهم وجهودهم لكي ينجح ذاك المشروع.. تماما كما كان يحدث في كل المشاريع الناجحة في ذاك الزمن من تاريخ ليبيا.
نشاط ليالي طرابلس وهو يعود الينا الان في دورته الثانية 2024، بعث الكثير من الفرح في قلوبنا نحن اهالي طرابلس وكذلك زوارها من كل مدن ليبيا، ونعتبره قفزة مدروسة في سبيل عودة علاقاتنا بذواتنا، وارثنا وهويتنا، خاصة بعد ما مر علينا من اهوال.. لكن همي بهذا التقرير واسئلتي هي لماذا وعبر فقرات هذا البرنامج ولعامين متتالين لم تتم الإشارة الى جيل الرواد وما قدمه المؤسسون لمشاريع المدينة القديمة والذين عملوا لعقود لأجل ترميمها ونفخ الروح فيها، وكلنا يعلم كم يكلف الترميم من وقت، وكم يأخذ من جهد اضافة لعلمنا كلنا كم تعرضت هذه المشاريع لتوقف العمل عليها، ولفترات متقطعة ولأسباب هي الاخرى لا داعي لذكرها هي ايضا الان.
ما نشاهده الان من نجاح لليالي المدينة وما حدث فيها من منجز لبعض اعمال الحفريات والبحث والترميم والصيانة هو عمل لم يخرج الينا جاهزا خلال يوم وليلة او خلال اشهر أو اعوام.. إنه تراكم لتاريخ طويل من جهد منقطع النظير استمر لأكثر من خمس عقود بل لربما الامر يعود لا بعد من ذلك ولبداية الاحتلال الايطالي وبداية الحفر لاستخراج قوس الرخام وترميمه فترة الثلاثينات.
ان ما تقدمونه الآن هو تكرار لما نوهت سابقا بحدوثه في الثمانينات لكنه عاد وبشكل افضل فلقد اختلف العصر وكذلك التقنية والامكانيات.. وهذا ليس عيبا بل بالعكس تماما فطالما نحن نشتغل في مجال التراث والهوية يجب ان لانقطع صلتنا بالماضي بل يجب ان نصر اننا نملك جدور منها انطلقنا ومنها تعلمنا ان نقدم الافضل
وسؤالي والذي اعتبره هام هو لم اهمل المسئولين عن هذا البرنامج تلك الليالي القديمة ولم يربطوا اعمالهم بجدورها.. لما يصرون ع العمل وكانه طفل لقيط وحدث جديد ولم يسبق اليه احد؟ لربما لم نسمع هذا بشكل مباشر لكن صمت المسئولين عن هذه الليالي احالنا لهذا الفهم… لما لم يلتفت المشرفين عن هذا البرنامج لجيل الرواد من مسئولين واداريين ومنهم من تولى مسئوليات عظيمة لأجل اعادة الروح لهذا الصرح.. منهم اكاديميين ومختصين بمجال التوثيق والهوية والتاريخ.. منهم باحثين وطلبة دراسات عليا لا زالت ابحاثهم هي المرجع الذي نعود اليه لنعرف تاريخ بلادنا بالتالي مدينتنا..
اخيرا
لماذا المسئولين عن ليالي المدينة لم يعطوا وقت من برامجهم المتعددة للحظات وفاء ولتكريم هؤلاء الرواد.. من وضعوا اللبنات الاولي من وضعوا المخططات ومن قاموا بالصيانة بل اكاد اجزم ان اكثر من ستين في المئة من المشاريع الحديثة للصيانة هي مشاريع اخرجت من ادراج مشروع المدينة القديمة سابقا..
اين فوزية شلابي والتي من خلالها انطلقت كل اعمال الصيانة والترميم ولعل اكبر شاهد على ذلك مبنى القنصلية الفرنسية والانجليزية بل وكنيسة السيدة مريم وساحة النصارى وغيرها الكثير والتي حولتها لفسخات ثقافية وفنية ومراسم للفنون التشكيلية ليست مؤقتة لكن لطوال العام.
اين فوزية شلابي والتي ومن خلال مشروع المدينة القديمة وثقت لكل شي يخص هذه المدينة صورة وصوت وكتابة وتراجم.. حتى صرنا نملك مكتبة هي مرجع لكل مهتم بهذه المدينة..
لن اريد ان اطيل بخصوص شاعرتنا الكبيرة فالكل يعلم لكن يغض النظر عما قدمته لطرابلس.
اين الحاج محمد الميلادي رحمه الله من منصات التكريم.
ولربما التكريم الذي نقصده قد يتعدى الذين اعطوا المدينة من خلال مناصبهم ومسئولياتهم الإدارية الى اخرين وبجهود ذاتية قدموا الكثير لأجل ان تبقى خالدة في الحكايات والكتب والشعر والفنون
اين تكريم عمي مختار الاسود واحمد الحريري واسماعيل العجيلي.
خاتمة
انا وضعت من الاسماء التي حضرتني الان… واعلم انكم اصدقائي من عشاق هذه المدينة والمهتمين بإرثها وذاكرتها تملكون الكثير الكثير من الأسماء والتي اتمنى ان تحيلوها هي الاخرى للمسئولين عن هذه الليالي لتأخد حقها بالتكريم..
فهم حجر الاساس الذي قام عليه كل هذا النجاح الذي ادخل لقلوبنا الفرح وكلنا فخر به… الا ان خيبتنا فيه كانت انه لم يضع الوفاء للآباء المؤسسين لمن وضعوا حجر الاساس ضمن جدول اعمال.
ملاحظة
(سبق لي وان نشرت خام لهذه المادة على هيئة بوست بصفحتي في الدورة الاولى لافتتاح ليالي المدينة 2023..لكن نظرا لأهمية الموضوع رأيت اعادة صياغته ونشره بشكل صحفي في دورة الليالي 2024.